تحقيقات وتقارير

الدور الامريكى فى الصراع الجنوبى الجنوبى


بدأت الولايات المتحدة الامريكية تظهر على خط الصراع بين الشمال والجنوب منذ وقت باكر ، وتمحور هذا الوجود بشكل لافت فى الحضور القوى للولايات المتحدة الامريكية فى مسرح مفاوضات السلام حتى وصلت الى محطة نيفاشا كمرحلة أولى حيث رعت حق تقرير المصير وهدهدته حتى صار وليدا يمشى على ساقين وفصلت جنوب السودان عن شماله مع سبق الاصرار والترصد .
الولايات المتحدة تدرك تماما حجم الثروات التى ينام عليها هذا البلد الافريقى ، كما تدرك تماما ان انسان الجنوب لا يستطيع الافادة من هذه الثروات لانشغاله بالصراعات القبلية والحروبات .
الولايات المتحدة الامريكية اليوم لم تتفاجأ بما يحدث لأنها تدرك تماما ان التجربة السياسية القصيرة لحكام دولة الجنوب لاتؤهلهم للوصول الى مصاف رجالات الدولة البراغماتيين ، ولذلك اعدت العدة مسبقا للعب على اوتار هذا الصراع الجنوبى الجنوبى والافادة منه باقصى ماتستطيع وهاهى واشنطن تعلن بحسب الCNN عن تحريك نحو 150 من عناصر مشاة البحرية “المارينز”، لانتشار في جنوب السودان، حيث اكدت مصادر عسكرية لـCNN ، أن عناصر القوة، التي تنتشر في إسبانيا، بدأت التحرك باتجاه القارة الأفريقية، ومن المرجح أن تصل إلى جيبوتي، ومنها إلى جنوب السودان.

المهمة الظاهرة :-
بحسب مصادر الوكالة الاخبارية فان مهمة تلك القوات، تنحصر، في تأمين سفارة الولايات المتحدة في جوبا، وكذلك المساعدة في إجلاء ما يقرب من 100 مواطن أمريكي من الدولة الأفريقية.
لكن مراقبون سياسيون حذروا من هذه الخطوة واعتبروا ان دخول المارينز الى جنوب السودان مقدمة لاحتلال طويل الامد تحت دعوى حفظ الامن وحذر الخبير الأفريقي البروفيسور حسن مكي فى تصريحات صحفية من مغبة تدخل القوات الأجنبية في دولة جنوب السودان، وأشار إلى أن الجنوب سيخضع للوصاية الدولية واصفاً الصراع الجنوبي جنوبي بالمركب والقائم على المصالح القبلية .
مراقبون آخرون لايبرأون ساحة الولايات المتحدة الامريكية من نية التدخل بقوة فى جنوب السودان واستدلوا بحديث اوباما الذى يقول : إن بلاده قد تتخذ إجراءات جديدة، “إن اقتضت الضرورة ذلك”، لدعم أمن المواطنين والموظفين والمصالح الأمريكية، بما في ذلك سفارة الولايات المتحدة .
بعد اشتعال الصراع الجنوبى الجنوبى بساعات كانت الولايات المتحدة الامريكية جاهزة لاى سيناريو ، ولكنها تتبعت السلم الخطابى المعتاد من الاعراب عن القلق بدءاً ، ثم مناشدة اطراف الصراع ضبط النفس ، ثم التوجيه باجلاء رعاياها بواسطة 45 جندى من المارينز ، وكان اجلاء الرعايا وحراسة السفارة بواسطة ال45 جندى كافيا لولا ان رأت امريكا احتمالات اكبر تقتضى التدخل المباشر وارسال 150 جندى آخرين قد يزيد عددهم حسب حدة الصراع واستمراره .
لقد اعطى الصراع الجنوبى الجنوبى امريكا فرصة ذهبية لتحقيق عدة فوائد فى المنطقة أولها وأبرزها ان تنامى هذا الصراع واحتدامه من شأنه وبحسب محللين سسياسيين انسحاب الشركات الصينية من جنوب السودان ليخلو سوق النفط للشركات الامريكية خاصة ، وان الصين اجلت خبراءها فى هذه الشركة بمجرد اشتعال الصراع ، الامر الثانى هو ان امريكا بتدخلها العسكرى فى جنوب السودان تبحث عن مصالح استراتيجية سيوفرها لها تنامى الصراع وذلك بحساب فواتير يومية لحفظ الامن كمافعلت فى الخليج من قبل وسيدفع جنوب السودان هذه الفواتير لعقود قادمة من نفطه وثرواته .
ولم يستبعد خبراء دوليون ان الضغوط التى تمارسها امريكا تهدف الى مصالح استراتيجية ، السفير الفرنسي السابق في السودان ميشال ريمبو «1994-2009» يشك في أن تكون الديمقراطية وحقوق الإنسان هي الموجه لمصالح الولايات المتحدة في جنوب السودان. واعتبر الدبلوماسي المتقاعد وهو اليوم خبير مستقل أن الانفصال الذي لعبت واشنطن دورا هاما جدا لأجله، كان مدفوعاً باعتبارات نفطية وإستراتيجية، لتحطيم السودان أكبر بلد عربي في إفريقيا.
لعنة الثروة فى جنوب السودان :-
الثروة النفطية التى ينام عليها جنوب السودان جعلته مسرحا لاطماع غربية من مصلحتها استمرار الصراعات وكمون هذه الثروة فى باطن الارض حتى ياتى وقتها ففى يومنا الحاضر تتنافس على نفط جنوب السودان امريكا والصين كاكبر متنافسين وقد أقرت دراسة أميركية، بهيمنة الصين على قطاعات النفط بالسودان وجنوب السودان،وكشفت عن وجود احتياطي بترولي، يتركز في حوضين رئيسيين بين البلدين،تقدر بخمسة مليارات برميل من الاحتياطي المؤكد من النفط الخام اعتباراً من أول يناير 2013 .
ووفقا لإحصائية شركة بي بي البريطانية، يبلغ الاحتياطي المؤكدة حوالي 3.5 مليار برميل في جنوب السودان، و1.5 مليار برميل في السودان.
وأشارت الدراسة التي أعدتها إدارة معلومات الطاقة الأميركية، إلى النفوذ الصيني في قطاع النفط بجنوب السودان، موضحة أن بكين الوجهة الرائدة لتصدير النفط الخام من السودان وجنوب السودان .
وبحسب محللين فإن النفط الآن يمثل أحد أسباب استمرار الصراع فى افريقيا ويشيرون الى الارتباط العميق بين المصالح الاستعمارية سابقاً والمصالح الاستثمارية والأجنبية حالياً وتطور النزاعات في عدد من الدول الافريقية .
وبالنظر الى تسارع امريكا فى اجتراح حلول لمسألة الصراع الجنوبى فى مقابل تباطؤ الصين يتضح جليا النظرة المستقبلية لامريكا فى الهيمنة على مفاصل القارة الافريقية الغنية بالنفط ، وفي هذا الشأن يمكن الإشارة إلى تقرير “بول وولفوفيتز” مساعد وزير الدفاع للشؤون السياسية عام 1992، وتقرير “جيريميا” الذي صاغه فريق من الخبراء العسكريين برئاسة “الأميرال جيريميا” وفيه يتصور السياسة العسكرية الأمريكية وفقاً لسيناريوهات نزاعية محتملة.
وكذلك ورد في تقرير “وولفوفيتز” بأن الهدف الأساسي للسياسة الخارجية الأمريكية هو الإبقاء على الهيمنة وبأنه: “يجب إقناع خصوم محتملين بأن ليس عليهم التطلع إلى لعب دور أكبر”، وللتوصل إلى ذلك: “يجب أن يبقى وضع القوة العظمى الأمريكية الوحيدة مستمراً عبر قوة عسكرية كافية لردع أية أمة أو جماعة أمم في تحد لتفوق الولايات المتحدة”.
الحضور الامريكى فى نزاعات مماثلة :-
تدخلت الولايات المتحدة في العديد من النزاعات الإفريقية بصور متعددة على سبيل المثال منها
تدخلها فى الصومال بسبب حرب الأوغادين عام 1977م، والتي اتبعت فيها الولايات المتحدة طريق الحياد تجاه النزاع القائم بين الصومال وإثيوبيا .
وكان التدخل الأمريكي في الصومال أخذ غطاءه تحت اسم الشرعية الدولية.

التدخل في النزاع في السودان تحت اسم السلام المغلف بالمصالح الاقتصادية الأمريكية لتكون مفتاح السيطرة على جنوب السودان بعد فصله ومن ثم السيطرة على منطقة القرن الأفريقي .
التدخل في موزمبيق وكينيا للسيطرة على شرق أفريقيا.
السيطرة على وسط القارة بالتدخل في أنغولا والكونغو.
التدخل في النزاعات القبلية في رواندا وبورندي للسيطرة على منطقة البحيرات.
التدخل في الأزمة الليبيرية عسكرياً في أغسطس 2003م من أجل أهداف أمريكية لصالح الإستراتيجية الجديدة في التعامل مع دول القارة الأفريقية، مع العلم أن ليبيريا بها محطة إرسال تابعة لجهاز المخابرات الأمريكية CIA لالتقاط كل ما يبث في القارة.
مستقبل الدور الأمريكي في جنوب السودان:-
بحسب دراسات اكاديمية فان الاهتمام الأمريكي بالقارة الإفريقية بدأ بعد أن أصبحت هذه القارة إحدى مناطق الصراع بظهور مشكلة الكونغو 1960م وأنغولا عام 1970م وقضية القرن الأفريقي والبحيرات العظمى، إضافة إلى قضية الصومال، ومشكلة إقليم دارفور بالسودان أخيراً، ولقد مر هذا الاهتمام للسياسة الخارجية الأمريكية بمرحلتين هما:
ـ المرحلة الأولى: مرحلة رسم سياسة خارجية دولية ملامحها الهيمنة والسيطرة والاحتكار.
ـ المرحلة الثانية: مرحلة سياسة الهيمنة الأحادية على قارات العالم، وتقسيمها إلى مناطق نفوذ ومصالح أمريكية، وتحويل دول النفط الإفريقية إلى مناطق إمداد للنفط الخام إلى الولايات المتحدة الأمريكية،كما يحدث في ليبيا ونيجيريا والسودان.

إن الأمن القومي الأمريكي يتأثر كثيراً بالاستقرار الاقتصادي والسياسي للقارة الإفريقية في وجود أنظمة موالية، أو على الأقل غير معادية للولايات المتحدة الأمريكية. ولتحقيق قواعد الأمن القومي الأمريكي من خلال الفضاء الإفريقي، كان قد انعقد بالعاصمة السنغالية داكار في 6 فبراير 2007م، مؤتمرٌ عسكريٌ لقادة أركان جيوش تسع دول إفريقية (فرانكفونية)، إضافة إلى الولايات المتحدة حيث أعلن عن إنشاء قيادة جديدة خاصة في منطقة إفريقيا والصحراء، يكون مقرها (شتوت غارد) بألمانيا، تهدف إلى توسيع نفوذ وهيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على أفريقيا، تنفيذاً لمبدأ الولايات المتحدة السياسي بأنه لا أصدقاء دائمين لأمريكا، بل مصالح دائمة لها. وهذا التوسع يقلق فرنسا الدولة المستعمرة تقليدياً لأفريقيا، خاصة بعد أن اخترقت الولايات المتحدة الحاجز الأوروبي في إفريقيا عن طريق الإيحاء بوجود الخلايا النشطة لتنظيم القاعدة في أفريقيا، حتى يكون لها دور تلعبه داخل القارة، وحيث إنها اعتبرت الظروف الدولية تغيرت بملء تصور جديد للعلاقات مع أفريقيا .
وبتطبيق الحديث عاليه على جنوب السودان الدولة الوليدة حديثة الاشتعال فان السيناريو الامريكى مضى جيدا حتى الانفصال ، ولازال يمضى بالاتجاه الذى تريده امريكا لان الصراع لايعتبر انحرافا عن السيناريو الامريكى لان امريكا تعلم كيف يفكر الساسة فى جنوب السودان ولذا لم يكن من الصعب التنبؤ بمآلات الاحداث الماثلة الآن ولذلك تتشكل ملامح المستقبل الامريكى فى جنوب السودان فى ترسيم بنية أساسية لمصالح استراتيجية كبيرة فى جنوب السودان تبدأ بشركات النفط والتعدين الأمريكية وخلق هوية جديدة للمنطقة تكون فيها أمريكا هي السيد المطاع والآمر الناهي ، على حساب الشركاء الآخرين اعنى الصين تحديدا .
وبحسب الكاتب خالد التجانى النور فان هذه الحرب ماكانت لتحدث لو أن امريكا اهتمت حقاً بتلافي خطورة تبعات وتداعيات تقسيم السودان وهي تعلم عواقبه, ولو تعاطت بما تقتضيه مسؤوليتها في قيادة المجتمع الدولي, ولكنها تعاملت بانتهازية خضوعاً لجماعات الضغط قصيرة النظر التي تتباكى اليوم على ما يحدث, وليكون مبلغ جهدها حماية مواطنيها ومصالحها في الجنوب أما المواطنون المسحوقون فسيظلون وقوداً لأجندة لعبة الأمم وتطلعات النخب الأنانية.
القلق المشروع على المصالح :-
أى دولة لها مصالح فى جنوب السودان اعربت عن قلقها لتطورات الاوضاع فى جنوب السودان ومن اهم الدول التى تربطها مصالح مع الجنوب هى السودان الدولة الام والتى تربطها مصالح النفط مع الجنوب وقد كشف البرلمان السودانى عن اعتماد موازنة الدولة لمبلغ (2.3) مليار جنيه فقط من أموال إيرادات بترول جنوب السودان البالغة (7) مليار جنيه.
دعا فيه إلى ترشيد الانفاق الحكومى لمواجهة أي طارئ يحدث من خلال أزمة الجنوب. وقال رئيس لجنة التنسيق والصياغة لمناقشة الموازنة بالبرلمان عمر علي الأمين إنه لا يوجد اتجاه لتعديل الموازنة الحالية بسبب تداعيات الصراع الدائر بدولة جنوب السودان .
الصين من جانبها تعهدت بالعمل مع جميع الأطراف المعنية لمساعدة جنوب السودان فى استعادة الاستقرار فى أقرب وقت ممكن .
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية هوا تشون يينغ فى مؤتمر صحفى إن الصين قلقة للغاية ازاء تطورات الوضع فى جنوب السودان وتعمل على دفع المفاوضات بطريقتها .. مشيرة إلى أن الصين تحافظ على اتصالات وثيقة مع جنوب السودان والدول المجاورة وكذلك المنظمات الإقليمية مثل الاتحاد الافريقى .
وأضافت إن الصين ستعمل مع جميع الأطراف المعنية لدعم الأطراف المتصارعة فى حل نزاعاتها من خلال الحوار والمفاوضات وتعزيز الوضع فى جنوب السودان من أجل استعادة الاستقرار فى أقرب وقت ممكن .
أما مصر والتى تخشى من اى وجود امريكى يفضى لاحقا الى تواجد اسرائيلى الى عينها على مياه النيل فهى تخشاه للغاية ولذلك تفاعلت مع الازمة فى جنوب السودان وقررت إيفاد نائب وزير الخارجية للشئون الإفريقية، السفير حمدى سند لوزا فى مهمة عاجلة إلى جوبا للمساعدة فى نزع فتيل الأزمة الحالية فى جنوب السودان،ودعم جهود الوساطه الإقليمية والدولية القائمة.
وقال نبيل فهمى وزير الخارجية، إن مصر تابعت على مدار الأيام القليلة الماضة تطورات الأزمة فى جنوب السودان وتداعياتها الأمنية والإنسانية الخطيرة، وأنه انطلاقا من حرصها على دعم الاستقرار فى دولة جنوب السودان الشقيقة، وتأكيدا على العلاقات الإستراتيجية التى تربط مصر بجنوب السودان على المستويين الرسمى والشعبى، قررت مصر إيفاد مبعوث خاص إلى جوبا للمساعدة فى تقريب وجهات النظر بين الاشقاء فى جنوب السودان.
وأضاف نبيل فهمى، بأنه جار التشاور حاليا مع المسئولين فى حكومة جنوب السودان ومع الأمم المتحدة لتحديد حجم ونوعية المساعدات الإنسانية المطلوب توفيرها للأشقاء من أبناء جنوب السودان من النازحين والمتأثرين سلبيا من جراء المواجهات المسلحة تمهيدا لتقديم مساعدات مصرية عاجلة لتخفيف وطأة الأزمة الحالية على شعب جنوب السودان.
وأكد وزير الخارجية على أن استقرار وسلامة دولة جنوب السودان الشقيقة وشعبها، وتحقيق المصالحة الوطنية ورأب الصدع فى العلاقات بين رفقاء الكفاح من أبناء الجنوب، سيظل دائما الهدف الأساسى وراء أية جهود مصرية فى هذا الشأن .
تقرير / منى البشير