تحقيقات وتقارير

الصراع السياسي.. «أشواك» على طريق الاستقلال الحقيقي


[JUSTIFY]في اليوم «19» ديسمبر من العام «1955م» فوجئ العالم بإعلان البرلمان استقلال السودان من داخله، حيث رفع العضو دبكة من دائرة البقارة جنوب دارفور يده مطالبًا رئيس البرلمان بإعطائه الفرصة ليقدم مقترحه الذي جاء فيه «نحن أعضاء مجلس النواب نعلن باسم الشعب أن السودان أصبح دولة حرة مستقرة كاملة السيادة» وقد تمت التثنية بواسطة العضو البرلماني الناظر جمعة سهل من دائرة المزروب ريفي أم روابة الغربية بإقليم كردفان، وحققت هذه الخطوة استقلال السودان من داخل البرلمان ليتم تحقيقه في العام «1956م» في الأول من يناير. ومن بعد اتسعت الدائرة الوطنية وأصبح يوم الاستقلال ذكرى يهلل فيه كل السودانيين بعظمة ذاك اليوم وما قدمه الأوائل في نيل الحرية السياسية والاجتماعية والاقتصادية وكل ما يتعلق بسيادة الإنسان السوداني، بل وأصبح ذاك اليوم عيداً تقف فيه جموع الشعب طويلاً تقلب فيه دفاتر الذكرى المحببة، فيما يبقى موضوع التخلف وعدم التقدم الذي لازمنا كثيراً عقبة كؤودًا أمام الانفراج القادم. ما لا يكون في الحسبان وقتها عندما طالبنا بنيل الاستقلال هو موضوع التحزب الذي استشرى وكاد أن يفقدنا طعم الاستقلال الحقيقي والتمتع بأهدافه المحرزة، بيد أن تلك الأحزاب ظلت تعمل بجميع أدواتها حفراً في سجل الاستقلال حتى كاد أن يفقد بريقه. والسودان يمر بهذه اللحظة هذه الأيام لتعود الكرة والجدل الحزبي البغيض ليفقد الاستقلال طعمه الذي ينبغي أن يكون حاضراً في كل مناسبة، ولكن غول الصراع السياسي أحيانًا يفقد مناسبة الاستقلال طعمها الحقيقي. ليس بذلك فقط وهناك من يقول بأن الأحزاب السياسية التي جاءت بعد أو واكبت الفترة وكانت في حملة الاستقلال الكبرى واحتفالاته وأعياده أفقدته الكثير من لمعانه وبريقه لجهة أن الصراعات السياسية الناشبة من بعد استطاعت أن تحول بين الاستقلال وأهدافه المنشودة كالحرية السياسية والديمقراطية، خاصة فيما يتعلق بتناول السلطة. ويقول البعض إن تلك الصراعات أدخلت البلاد في دائرة مظلمة جعلت البعض يعود بحنينه لفترة الاستعمار لجهة أن الهدف من الاستقلال هو «الحرية» في اختيار الحاكم الذي يسوس البلاد عبر صناديق الاقتراع وبالديمقراطية التي قاتل عنها أبطال الاستقلال، المستعمر حتى قاموا بإخراجه من البلاد ونال السودان استقلاله. بينما يرى البعض الآخر أن صراع الأحزاب السياسية وانغماسهم في لججها أدى إلى هذا التخلف الذي لا يزال بلدنا يرزح فيه، وقد سبقته في درج الرقي والتقدم بلاد نالت استقلالها بعدنا بعشرات السنين الشيء الذي يرجعه البعض إلى صراعات الساسة وتحزبهم الذي لم يقدم للسودان غير التخلف والانحطاط الذي ما زلنا نجني بسببه ثمار هذا الغرس.

ولكن د. الفاتح محجوب المحلل السياسي في حديثه لـ «الانتباهة» يرى أن المسألة تُعتبر أكبر من رفع علم الاستقلال الذي نال السودان به استقلاله وسيادته كاملة على الأرض، وقال: بالرغم من أن هذا هدف، إلا أن الأهداف الأخرى المصاحبة واجهتها إشكالات كبيرة، تكمن في أن السودان تشكله مجموعة اثنيات، ولم يك هناك ما يجمعها، مضيفاً أن إشكاليات القيادات التاريخية التي حققت الاستقلال لم يكن لصراعاتها السياسية تقاليد راسخة وبرأيهم أنهم مجرد «تكنوقراط» لا يفقهون فنون التعامل مع الآخر في مفاهيم التنوع والتعدد، ويرى أن الديمقراطية كانت غائبة وإلى يومنا هذا غير راسخة، وقال إن السودان دولة إلى الآن في طور التشكل، وهناك أجزاء منه رفضت هذا التشكل تقابلها أخرى تقوم بململة في بعض أطرافه، بيد أنه رجع وقال إن هذه ظاهرة عالمية تشهدها كل من دول بريطانيا وإسبانيا والتشيك ويوغسلافيا وغيرها من بلدان العالم. وقال محجوب يجب ألّا ننظر للمسألة بالضرورة على أننا لم نحقق الديمقراطية، وقال إننا استطعنا أن نحقق نجاحات كثيرة، كذلك هناك قصص لفشل كبير سقطنا فيه، وطالب القوى السياسية بأن تبني على النجاح وتحاول تجاوز الإخفاقات لبناء دستور موحد وإجماع وطني على الحكم وديمقراطية حقيقية.

أما الأستاذ عبد المنعم أمبدي عضو البرلمان فإنه يقول إن الاستقلال ذكرى في قلوب كل أهلنا في السودان لأنه جاء بعد تضحيات كبيرة وبعد مقاومة من المستعمر وأنه بعد أن أصبح السودان مستقلاً حدثت به جوانب مهمة منها على سبيل المثال البنية التحتية التي انتظمت معظم مدنه بجانب الطرق البرية والكهرباء وتوسعة المشروعات التنموية وأضاف بقوله، إننا بعد أكثر من خمسين عامًا نجد أننا خسرنا وفقدنا جزءًا عزيزًا من الوطن وأن السودان مايزال يشهد اضطرابًا هنا وهناك في دارفور وجنوب كردفان ولا يزال القتال مستمرًا فيه ولا تزال معسكرات اللاجئين تنصب ومازال اللجوء مستمرًا وما تزال قضية حلايب تبارح مكانها وكذلك قضية أبيي. ويضيف أمبدي بقوله، كلها قضايا يجب علينا كسودانيين أن نعمل جادين في سبيل إصلاح ما يجب إصلاحه. إلا أن أمبدي ورغم إرجاع ذلك كله للصراعات السياسية رغم نيلنا استقلالنا مبكرًا يرى أن لكل جواد كبوة وأن عدم التنمية المستدامة والفروقات الكبيرة بين أطراف السودان ووسطه أوجد غبناً وسط أبناء الوطن مما أدى إلى تصعيدات سياسية قادت إلى انفجارات مسلحة، ودعا كل القوى السياسية إلى أن يتواضعوا لإنقاذ السودان ووضع دستور يشارك فيه الجميع.
ولكن اختلف الناس أو اتفقوا فإن الهدف الحقيقي للاستقلال لم ينعم به الشعب السوداني بحسب الكثير من المتابعين ولحينها أرجع البعض الآخر إمكانية أن نلحق بمن سبقونا بالعمل الجاد لإحقاق الديمقراطية الحقة في التداول السلمي للسلطة عبر الانتخابات والاتفاق على أن السودان كوطن يجب أن يبقى، أما خلافاتنا مهما تفاقمت فلا بد من نقطة لنهايتها إن كانت بسبب تقدم ورفاهية الإنسان السوداني وإلا فإن استقلالنا المبكر سيكون دون فائدة لأن أهدافه الحقيقية لم تتحقق رغم سبقنا في نيل استقلالنا وطردنا للمستعمِر الأجنبي.

صحيفة الإنتباهة
عبد الله عبد الرحيم[/JUSTIFY]