رأي ومقالات

حسن ادروب : ( دينكا ونوير ) فرُبَّ شَرَارَةٍ أشْعَلَتِ النَّارَ في السَّهلِ كلِّه


[JUSTIFY]قلت في هذه الصحيفة وعبر مقال لي بعنوان (الحرب ما خبرتم ما فيها خير) إن الذي يجري بدولة جنوب السودان ليس مواجهة بين طرفين يتنازعان حول السلطة وإنما هو امتداد للعداء القديم المتجدد بين قبيلتي (الدينكا) و(النوير) وقد رأيت أن الوصف الذي تستحقه تلك الأحداث يضعها في مرتبة الحرب، لذلك ختمت ذلك المقال بمناشدة رئاسة الجمهورية لكيما تتوسط بين طرفي النزاع حتى لا تقضي هذه الحرب على الأخضر واليابس وتلقي بظلال سالبة على أمن محيطنا الإقليمي ثم جاء في صحف الخرطوم أول من أمس أن فخامة المشير/ عمر حسن أحمد البشير رئيس الجمهورية قد غادر إلى جوبا للوقوف على مجريات الأحداث هناك، وهذا فعل حكيم بالنظر لتقديرات الرئاسة وبالنظر للنتائج الكارثية التي نتجت من القتال خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، صحيح أن التقارير الرسمية التي تصدر عن حكومة (جوبا) لا تقدم أرقامًا حقيقية عن عدد القتلى من المدنيين كما أن الآلة الإعلامية المتعاطفة مع الدكتور رياك مشار لا تتبع المهنية والحرفية في توصيف حقيقة الأمر بجانب أن دوائر استخباراتية عديدة تسهم في تحريك الأحداث بما يخدم أجندتها في المنطقة، لذلك تكتسب زيارة الرئيس لدولة جنوب السودان أهمية أكبر بالنظر لسلحفائية الإجراءات التي ظهرت في (أديس أبابا) إذ لم يبد أيٌّ من الطرفين حماسة لوقف إطلاق النار وبدا كل طرف وكأنه واثق من حسم النزاع على الأرض، وهذا أمرٌ خطير لأن الضحايا في هذه الحرب ليسوا كلهم من جنود (الدينكا) أو الجيش الأبيض الموالي للدكتور رياك مشار بل أكثر الضحايا نساء وأطفال من القبائل الجنوبية الصغرى والتي دهسها (الدينكا) وأجهز على ما تبقى منها (النوير) وحين رأت (الإيقاد) والوسيط الإثيوبي أن كلا الطرفين غير مكترث لإيقاف القتال عدلت أجندة التفاوض بما يسمح بإيصال المساعدات الإنسانية للمتضررين من هذه الحرب.

إذن الحرب في دولة جنوب السودان لن تخمد نيرانها ما بين يوم وليلة والدليل على ذلك إصرار كل طرف من طرفي النزاع على إبعاد وقف النار من أجندة التفاوض ثم القفز من بعد ذلك إلى محاور أخرى مثل السماح بإيصال المساعدات الإنسانية وتمكين المنظمات العاملة في مجال العون الإنساني من أداء مهامها في المناطق التي يسيطر عليها كل طرف من أطراف النزاع، وهذا التفاف معلوم في معظم الحروب التي شهدتها القارة السمراء لأن هذه المنظمات تتخذ من العون الإنساني ذريعة لتقديم الدعم (اللوجستي) للطرف الذي تسانده. سواء أكانت هذه المساندة بالسلاح أم الذخيرة أم الطعام ومعينات الحرب الأخرى كما أن الدكتور/ رياك مشار يعلم أن مطالبته بالمشاركة في السلطة عبر فترة انتقالية أمرٌ غير مقبول بالنسبة لحكومة (جوبا) وقد صرح سلفا كير في أكثر من مناسبة أنه لن يكافئ نائبه السابق على التمرد بإشراكه في السلطة وقد أغلقت هذه التصريحات القوية للرئيس سلفا كير الباب أمام طموحات رياك مشار في السُلطة وقد أضرت هذه التصريحات بمسار المفاوضات قبل أن تبدأ ووضعت الهيئة الحكومية للتنمية (الإيقاد) في موقف حرج لأن التفاوض في نهاياته المنشودة إن لم يصل إلى حلول سياسية وتسمية فترة انتقالية تعقبها انتخابات تحت رقابة دولية فلن يكون سوى مضيعة للجهد والوقت لأن استمرار الحرب ليس بالنتيجة التي تنشدها (الإيقاد) بل هي نتيجة غير مرضية حتى لطرفي النزاع ولدول محيطنا الإقليمي والتي تنظر بلا اكتراث لهذه الأحداث وكأن الأمر لا يعنيها في شيء، وحتى مصر في شمال الوادي والتي يعلم قادتها ومنذ الأزل أن الحرب التي تدور حول منابع النيل أو بالقرب منها هي حرب ينبغي الحذر من نتائجها لأنها مقدمة لحرب المياه وهي الحرب الكونية القادمة وليست كما يقول بعض قادة الإعلام المقروء إنها مجرد حرب قبلية بين (الدينكا) و(النوير) وحتى لو أخذنا بهذا التوصيف الذي يختزل كل المخاطر الناجمة عن هذه الحرب في إطار الثأرات القبلية القديمة بين أكبر قبيلتين في دولة جنوب السودان نجد أن تصاعد الأحداث يتجاوز السقف والطموح القبلي إلى أُفق بعيد وهو الأفق الذي نرى فيه بوضوح أن هناك أطماعًا لدولة الكيان الصهيوني في المياه وفي خيرات الدولة الوليدة بجانب سعيها ــ أي دولة الكيان الصهيوني ــ إلى إرباك (الخرطوم) و(القاهرة) فرُبَّ شرارة أشعلت النار في السَّهل كلِّه !

صحيفة الإنتباهة
ع.ش[/JUSTIFY]