مقالات متنوعة

‫تحت الأرض 1


‫‫‫‫‫‫تحت الأرض 1
يقولون إن المعاناة تولد الإبداع….
وأنا أقول إن المعاناة فعلا تولد الإبداع ولكنها لا ترعاه … إنها تراقبه ثم تقتله بمنتهى اللامبالاة وتلتفت لتبحث عن إبداع آخر ، وما قصتي إلا دليل صغير على صحة هذه المقولة …. إسمى طارق وأنا شاب
سوداني … أرجوك ضع خطا تحت شاب سوداني هذه وواصل القراءة … في بلادي يعاملون الشباب والخريجين كما تعامل خيول القفز فوق الحواجز ، مع فرق إن الخيول يتم تغذيتها جيدا ورعايتها وتدريبها يوميا … أما الشاب فيتم تحطيم قدميه أولا ثم يقولون له : تلك هي حواجز الحياة فأقفز كما يحلو لك … ولا يدري المسكين فوق أي حاجز يقفز … حاجز الوظيفة ؟ حاجز بناء المستقبل ؟ أم سور الصين العظيم المسمى بالزواج ؟ لا داعي لذكر حاجز أن يمتلك بيتا بيتا وسيارة لأن هذه قصة عادية وليست قصة خيال علمي …. وحين تخرجت أنا كانت الحقائق الكئيبة أعلاه كلها أمام نظري …. ماذا أفعل بحياتي ؟ ماذا أفعل بكل الطاقة والمعنويات والأحلام التي تثقل روحي ؟ قدمت لوظائف حكومية وأستقلت منها بعد شهرين لأن مرتبهم كان أقل من أن يعيل صرصورا … عملت محولا للرصيد ونقاشا وووو وأخيرا إكتشفت كيف يتم الإستفادة من طاقات الشباب وأنا أرفع باقة ( المونة ) في كتفي ونحن نبني إحد العمارات … يقول لي المعلم :
– يلا يا باشمهندس همتك شوية… عايز حفرة هنا
يقولها بسخرية طبعا لأنني خريج هندسة جيولوجية … ففي بلادي يا سادة وحين تم إكتشاف الذهب تحول كل الناس إلى مهندسين جيولوجين ، وتحولنا نحن بالتالي إلى ناس … وأمسك بال(كوريك ) وأبدأ الحفر … أحفر وأفكر ، ثم أفكر وأحفر … ماذا لو حفرت أفقيا داخل هذه الحفرة ؟ وحفرت أفقيا… الأرض جيدة ويمكنني صنع نفق كبير … وجاءتني الفكرة الجهنمية التي لم يسبقني لها مخلوق … وفي اليوم التالي ذهبت لأقرب مكان غير مأهول وبدأت أحفر .. حفرت كثيرا رأسيا وأفقيا حتى صنعت غرفة صغيرة تحت الأرض ، وفي الأيام التالية ومع المزيد من الحفر بدأ بيتي يتكون .. غرفتان وصالة تحت الأرض مع فتحات لدخول أشعة الشمس والهواء … ثم بمدخراتي القليلة أشتريت أثاث ومولد صغير للكهرباء … لقدصار عندي بيت .. صار عندي بيت .. وأتصلت بحبيبتي وقلت لها برومانسية :
– خلاص فرجت وحنتزوج
– نتزوج وين ؟
– إنتي مش قلتي حتعيشي معاي في أي مكان حتى لو تحت الأرض ؟
– أيوا قلت
– طيب أوعى تنطي من كلامك
وبعد أسبوع ظهرت صورتي في الجرائد مع تعليق : بالصورة والقلم عبقري شاب يحل مشكلة غلاء السكن … وبدأ عصر جديد للشباب .. ألاف منهم هبوا للحفر ليبنوا بيوتهم الخاصة .. وبما إننا في السودان فقد كان أول رد فعل للحكومة هو زيادة سعر ( الكوريك ) … ومع ذلك إنضم لفكرتي المئات والمئات وتدريجيا بدأت مدينة صغيرة تتشكل في باطن الأرض .. حفرنا الشوارع وأستخرجنا الماء من باطن الارض ونظمنا حياتنا لوحدنا وأنفصلنا بالتدريج عن عالم السطح … صارت لنا جرائدنا الخاصة وإذاعتنا والحكومة لا تتدخل مطلقا طالما الأمر ليس على السطح … كانت حياتنا جميلة وهادئة … حتى أكتشفنا البترول ذات يوم …
يتبع

الكاتب الساخر : د.حامد موسى بشير