جعفر عباس

شردونا ولكننا استمتعنا بـ«حقوقنا»


[JUSTIFY]
شردونا ولكننا استمتعنا بـ«حقوقنا»

توقفت قناة بي بي سي العربية عن الإرسال بعد خلاف مع شبكة مملوكة لسعوديين، كانت تشتري وتمول خدماتها، وفقد عشرات الصحفيين العرب وظائفهم، ولأننا عرب فلم نكن نعرف كيف نناضل دفاعا عن حقوقنا، بل ولا ما هي حقوقنا أصلا (سوى مكافأة نهاية الخدمة)، ولكن «متلقي الحجج» في النقابات الصحفية البريطانية تولوا تبصيرنا بحقوقنا، بل وتصدوا للدفاع عنها (متلقي الحجج في العامية السودانية هو الذي يتصدى لكل قضية أو مشكلة سواء كانت تخصه أو لا تخصه)، بل إن النقابات التي يسيطر عليها اليساريون حرضتنا على المطالبة بتعويضات عن عشر سنوات هي مدة الاتفاق بين بي بي سي والشبكة المملوكة لسعوديين.

ولجأت الإدارة الى المكر بتطويل المعركة، لعلمها بأن صبر الصحفيين الذين أتوا من خارج بريطانيا سينفد، لأنهم يريدون الحصول على وظائف جديدة في بريطانيا أو خارجها، وانتهى الأمر بأن قبلت الغالبية بتعويض يتمثل في ما يعادل راتب خمسة أشهر للفرد، وكان زملاؤنا العرب المقيمون في بريطانيا ضد هذه التسوية وربما كانوا على حق فلو لجأنا الى القضاء، لربما فزنا بتعويضات بعشرات الآلاف لكل منا، وكنت ضمن من قبلوا بالتعويض لأن «اتصالات قطر- كيوتل» كانت قد قدمت لي سلفا عرض عمل تلقيته وأنا في زيارة للدوحة وقت إعلان وقف خدمات القناة… يعني سواء ظلت بي بي سي مستمرة أو ستتوقف عاجلا أم آجلا، فقد ذهبت الى بي بي سي تاركا وظيفة مريحة ومربحة في قطر وأنا مدرك أنني مقدم على حماقة من الناحية المالية، ولكنني كنت أدرك في ذات الوقت أن العمل في بي بي سي سيرفع أسهمي في بورصة الصحافة والإعلام وكنت قد أكملت العامين في القناة وكانت تلك مدة «كافية» في تقديري لتحسين سيرتي المهنية الذاتية.

عشت العامين في لندن معتمدا بصورة أساسية على المدخرات التي أتيت بها من قطر، ومع هذا فإن التعويض الذي نلته من بي بي سي بعد إغلاقها، كان في تقديري مجزيا، لأنه عوضني ما أنفقته من تلك المدخرات، ولكن أكثر ما علق في ذاكرتي من تلك التجربة هو التمتع بحرية الاحتجاج، في الشوارع وداخل موقع العمل، وصولا إلى لعن خاش إدارة بي بي سي من أكبر رأس «وأنت نازل»، وكنا نوزع المنشورات ضد تلك الإدارة في الشوارع على المارة ويبدي معظمهم تعاطفا معنا، وأدهشني أنه لم يتم استدعاء الشرطة، بل إن رجال أمن بي بي سي كانوا يحثوننا على عدم قبول تعويضات هزيلة.. تخيلت لو أننا كنا نعمل لدى جهة عربية وتم إنهاء خدماتنا تعسفيا وقمنا باحتجاج جماعي: وسائل الإعلام تصمنا بالخونة والمارقين وشذاذ الآفاق وعملاء إسرائيل .. تحريك سلاح المدرعات والمشاة والطيران لقصفنا ونقلنا الى غوانتاناموات ليس فيها كهرباء ولا ماء (منذ سنوات والإعلام العربي يستنكر احتجاز بعض العرب في معسكر غوانتنامو الأمريكي في كوبا، متناسيا أن بعض الدول العربية بكاملها عبارة عن غوانتانامو ضخمة (ناقصا المارينز) وأن بعض المعتقلين في غوانتانامو في هذه اللحظة قالوا للأمريكان عندما قرروا إعادتهم الى بلدانهم: خلونا هنا أحسن، لأنهم يعرفون أن ما ينتظرهم في أوطانهم سيجعلهم يترحمون على غوانتنامو الأمريكية ويقولون: اللهم لا اعتراض كنا فين وبقينا فين).. بل إن رب العمل العربي قادر على حسم أي احتجاج بدون الاستعانة حتى بالشرطة: تفرنقعوا وللا تاخدوا بالجزمة القديمة؟
[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]