رأي ومقالات

محجوب عروة : الصحافة السودانية وكارثتها القادمة


[JUSTIFY]ستواجه الصحافة السودانية وضعا كارثيا اذا استمر حالها كما نرى ونشاهد .. لا أقول ذلك تشاؤما ولاضربة لازب بل بقراءة صحيحة وفاحصة لما أشار اليه تقرير أخير عن هبوط هائل فى توزيع الصحف فاذا ازدادت تكلفة اصدارها مرة أخرى فعليها ان تتخذ من القرارات المفصلية لتستمر فى الصدور أو لا يكون أن يودع معظمها قراءها وتنسحب بهدوء وكرامة أو تواجه الأسوأ قانونيا وهو معروف اذا تراكمت عليها الديون وراء الديون ولو وقفت وراءها الدولة التى هى نفسها عاجزة عن سداد مرتبات العاملين بالسفارات فى الخارج.. فالدولة تواجه عجزا هائلا فى موازنتها السنوية وهى بين خيارات اقتصادية أحلاها مر وقد انتهت تلك الأيام التى تغدق فيها بكرم حاتمى على بعض الصحف الفاشلة مجاملة لبعض الصحفيين أو لأسباب سياسية بحتة. فلماذا تستمر الدولة فى الصرف على الفشل على حساب أمن الوطن والتنمية ؟

وهنا تنشأ عدة أسئلة لماذا حدثت هذه الحالة الكارثية والمأساوية للصحافة السودانية وهل يمكن تجاوزها وكيف ذلك؟ فى تقديرى كصحفى ثم ناشر منذ عقود منذ ان كنا نبيع الصحيفة بقرشين ثم بعشرة قروش عام 1985 حتى وصلت جنيهين ثم عملت مشرعا فى البرلمان وأخيرا كعضو فى المجلس القومى للصحافة لعامين قبل سنوات أستطيع ان احدد الأسباب التى أدت لهذه الحالة المأساوية.. انها أسباب سياسية واقتصادية تتعلق بالأنظمة الحاكمة فى المقام الأول وثانيا بسبب الناشرين أنفسهم ثم لا أستبعد الأدوار السالبة لاتحاد الصحفيين ومجلس الصحافة نفسه..اسميه البنتاغون الذى غرقت داخليه الصحافة وجعلها فى هذه الحالة البائسة أخبارها واحدة وكذلك تعليقاتها الا ما ندر فانصرف عنها القراء..

الأسباب السياسية معروفة تتعلق بعدم الاستقرار السياسى والتحجيم المستمر للصحافة من قبل الأنظمة الحاكمة وسلوك بعض صحف الاثارة الضارة والتى بدأت منذ الديمقراطية الأخيرة ساهمت صحف بعينها فى تقويضها (صحف يعرفها الجميع) ووصل التحجيم قمته فى نظام الانقاذ بالاغلاق والرقابة القبلية واللاحقة والمصادرة والتحكم من بعد والتحكم فى الاعلانات التجارية والاشتراكات لمن يحاول العمل بمهنية واستقلالية.

أما السبب الاقتصادى فواضح من التدهور المستمر فى الدخول وأحوال المعيشة فكيف لقارئ أن يشترى صحيفة أو صحفتين كما مضى وهو يحتاج للطعام والشراب ومقابلة التزاماته وضرورات أسرته فى ظل تضخم مستمر وانخفاض فى قيمة العملة وزيادة مضطردة فى سعر الصحف مع ضعف الاعلان وضعف التحصيل مع الاستمرار الواضح فى تدهور مستمر فى الأوضاع الاقتصادية التى أضعفت ميزانيات الاعلان لدى الشركات .

أما عن الناشرين فحدث ولا حرج.. لا تعاون بينهم الا عندما يجتمعون لزيادة سعر الصحيفة بل الأسوأ يضربون بعضهم بعضا تحت الحزام ( للأسف يستعين بعضهم بالسلطة التى يروق لها ذلك لتحجيم الصحف) وأصبحوا مثل الأحزاب السياسية فى حالة أميبية دائمة تتكون شراكات فتنفض لمجرد الطمع والخلافات التى يمكن تجاوزها لو كبّروا عقولهم فأضعفوا بعضهم بعضا. والملاحظ ان بعض الناشرين تدور عليهم الدوائر بسبب المنافسة غير الشريفة والطمع وسوء النية والعمل ضد بعضهم البعض أو ربما انطبق عليهم الحديث القدسى( أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما الآخر) !!؟

وأخيرا لاتحاد الصحفيين والمجلس القومى للصحافة أدوارا سالبة فالاتحاد ضعيف للغاية ليست له القدرة على دعم الصحافة خاصة فى قضايا حريتها او جلب مكاسب اقتصادية للمؤسسات الصحفية حتى تقوى مهنيا واقتصاديا فينعكس ذلك ايجابا على الصحفيين . أما مجلس الصحافة فهو محكوم بمؤسسات سيادية أخرى لا يقوى على مواجهتها خاصة فى قضية الحريات الصحفية كما أن ميزانيته من الدولة ضعيفة فيلجأ للجباية من الصحف رافعا تكلفتها فأرهقها ماليا..

هل يمكن الاصلاح ووقف الكارثة؟ نعم ممكن وقد تحدثت كثيرا ولكن يبدو لا حياة لمن تنادى!!

صحيفة الجريدة
[/JUSTIFY]