منوعات

منع الموسيقي الكبير عربي من دخول الإذاعة


[JUSTIFY]ﻛﻴﻒ تطالب الإذاعة السودانية الموسيقيين المعروفين أمثال عبدالله عربي وعبيد محمد احمد وآخرين إيداع بطاقاتهم لدي الاستقبال حتى يتثني لهم الدخول للإذاعة التي كانوا الركن الأساسي للفرقة الموسيقية الخاصة بها لأكثر من ثلاثين عاماً مع التأكيد أنهم ليسوا ضد الإجراء ولكنهم حينما يبرزون بطاقات الهوية يتم وضعها حبيسة الدرج وكأنهم لم يكونوا في يوم من الأيام هنا.

ومن ذلك الواقع الذي عاشه مبدعين افنوا زهرة شبابهم في خدمة الموسيقي والغناء نقف لهم وقفة إجلال وتقدير لأنهم اثروا مكتبتي الإذاعة السودانية والتلفزيون القومي بالأغاني الخالدة في ذاكرة الأمة.. لذلك السؤال الذي يفرض نفسه علي المسئولين بإدارة الإذاعة هل المبدع الذي ﻳﺘﻘﺎﻋﺪ للمعاش لا يحق له أن يسجل زيارة لها بعيداً عن إبداعه علماً بأنه تم إنزاله للمعاش بالسن رغماً عن أنه قادر علي العطاء والإبداع؟ الإجابة تكمن في سوء التخطيط الذي لم يراع الجوانب الإبداعية والفنية وبالتالي حددت القوانين سن التقاعد للمعاش بالستين دون أن يستقرئوا المعطيات الإيجابية من تجاوز سن المعاش للمبدع طالما أنه قادر علي إنتاج إبداعه في الموسيقي والغناء اللذين لديه فيهما خبرات تراكمية ينتج في إطاره ما يجمل دواخلنا.. فهم بلا شك ظلوا يبدعون.. ويبدعون.. ولا تقييم يوازي إبداعهم.. الذي كانوا متفائلون من خلاله بالبذل والعطاء.

وإذا قارنا المبدع بالإنسان غير المبدع سنجد أنه يمر بمرحلة الشباب المبكر الذي ينصب فيه جل تفكيره علي السؤال الذي يشغل باله متى يصل إلي سن التقاعد للمعاش ظناً منهم أن في ذلك مكسباً لهم ولكنهم يكتشفون بمرور الزمن أنهم كانوا يفكرون بشكل خاطئ نسبة إلي عدم تحقيقهم ولو جزء بسيط من أحلامهم السعيدة فإذا كان هذا هو حال الإنسان غير المبدع فمابلك بالإنسان المبدع.. فالإنسان خلق من أجل أن يعبد الله سبحانه وتعالي وأن يعمر الأرض التي يظل يعمل فيها إلي أن يرث الله الأرض وما عليها.. فهي حقيقة يجب أن يقبلها الإنسان أن كان بيده القلم أو خلافه والعمل علي أساسها حتى لا يصطدم بواقع لم يكن موضوعاً في حساباته.

ومن هنا وجدت نفسي أقف بتأمل في الكثير من المراحل الحياتية ابتداء من نشأة الإنسان إلي مراحله التعليمية ومن ثم الانخراط في الحياة العملية ومابين الحياة العامة والعملية يجد الإنسان نفسه في سباق مع الزمن الذي ربما يتوه في بعضاً منه في الظلمات.. التي قد لا يعود منها للتوازن الذي ينشده.

وعلي الإنسان أن يخطط لحياته بشكل سليم منذ اللحظة التي تتحكم فيها الأسرة في الاتجاهات التي يجب أن تتجها دون أن يعرفوا إلي أين تقوده موهبته ثم يأتي دور المدرسة التي قد تكتشف فيها موهبتك من خلال بروزك فيما تدرس وما بين الأسرة والمدرسة هنالك عامل ثالث هو المجتمع المحيط بك المجتمع الذي قد يقودك في المسار الصحيح أو العكس.
وهكذا تتمرحل حياة الإنسان إلي أن يستقل بذاته من كل الوصايا المفروضة عليه.. ليبدأ حياة جديدة يرسم عبرها المستقبل دون معاونة الآخرين أي أن القرار النهائي بيده حيث يخطط ثم يشاور إلي أن يصل إلي مبتغاة.

أما حينما يصل إلي سن الثلاثين يكون في أوج نضوجه في العمل الذي يسعي من خلاله سعياً حثيثاً للإنجاز بكسب الخبرة والتعرف علي شخوص جدد في حياته فإذا كان مبدعاً يلتمس ذلك الإبداع يمشي بين الناس مسطراً به سيرته الذاتية بأحرف من نور..مستفيداً من التجربة التي كان يخطئ ويصيب فيها.

وعندما تمر عليه عشرة سنوات ينتقل إلي مرحلة جني ثمار ما زرعه في سنوات سابقة صابراً علي أدائه المتأرجح ما بين الإيجابي والسلبي.. فيجد نفسه يحصد بكل سهولة من واقع أنه أصبح خبيراً فيما أختاره من مجال يستطيع الإبداع فيه ثم صقله بالتجربة الحياتية فأصبح ملماً بأدق تفاصيله.. لذلك يكون قطف الثمار في هذه المرحلة سهلاً.

وعندما نتأمل ذلك الإنسان الذي نجده في الخمسينيات قد استسلم وأصبح ينتج بالخبرة إلي أن يصل سن الستين.. سن التقاعد للمعاش ولكن المبدعين يجدون أنفسهم أمام تحد حقيقي يقودهم في الكثير من الأحيان للتعامل مع الآخرين بحساسية مفرطة خاصة حينما لا يجد تقديراً للعطاء الذي قدمه طوال تلك السنوات.. لأن تقدمه في العمر يجعله لا يتقن ما يبدعه بنفس الصورة السابقة فتبدأ نفسياته في الانهيار تدريجياً.. والأكثر إيلاماً أن تستعجل الجهة العامل بها المبدع إنزاله للمعاش بعد سنوات من البذل والعطاء خاصة إذا كان غير قادراً علي أن يكون خبيراً في مجاله.

سراج النعيم _ النيلين
[/JUSTIFY]