جرائم وحوادث

موجة الأسى وذبذبات الاهمال.. مجدداً الاسفلت على جنبيه الدماء


[JUSTIFY]مقطع الفيديو يبدأ ناقلاً حكايات دراما النكات السريعة لإحدى المجموعات الكوميدية. تعجز شاشة البص المثبتة في الأعالي عن نقله جيداً؛ إنّها حفر الطريق.. همهمات الركاب تبدأ؛ قهقهة من قبل البعض وسخرية من قبل آخرين وهدوء يطبع سمت البقية ممّن يحفظون تلك النكات المتكررة. قبلها كانت موجة الراديو متقطعة. الذبذبات كلما تهدأ في محطة فسرعان ما تجرفها اهتزازت البصّ السياحي في الطريق الوعر. لربّما في هذه الرحلة حلم صغير؛ فتاة تسبق أشواقها إلى حبيب طال بينهما السفر.. طالبة تحمل في جوف حقيبتها هدية صغيرة لصديقتها في “الخرتوم”. رجل آخر لا يكثر من الحركة في مقعده، فجلبابه الأنيق لن يسعفه وقت لاستبداله؛ مقصده صديق عمر يرقد في مستشفى خاص بشارع الحوادث.

أحلام وأمنيات الوصول، يعبث بها خوف صغير يرقد في دواخل الجميع من حركة الطريق المميت القاتل، فحوادث المرور في بلادي كم اهتزت لها خلجات الرجال!.

الحادثة المروعة حكت عنها أرجاء مدينة الدامر أمس، مثلما تلقفتها الصحف والوكالات الخبرية المحلية بكلّ أسى؛ بينما كان أحد البصات السفرية في طريقه إلى الخرطوم، زلزلت هدوء رمال الصحراء في الطريق، وأشعلت الكثبان، وروضتها؛ لتصبح مجرد “كيمان رملة” صغيرة، قرابة الـ(20) روحاً صعدت لبارئها في لحظة خاطفة، وقطعت حبلها من الأمل في الحياة، وأنهت النفس الطالع ونازل لركاب كان كل قدرهم أنّهم ارتكبوا ذات الطريق، وتنقلوا بذات الهواجس وذكريات الدم السائل على جنباته وأطرافه، وجر الجثث من بين ثنايا الحديد ذي البأس الشديد.

حوادث الطرق في بلدي أضحت أسهل وسيلة للموت وأبرع طريقة لصناعة المأساة وأسرع ما يجذب الإنسان من لحظاته السعيدة وهدوء حياته فيحيلها في دقائق معدودات إلى ركام من انكسار وحزن وفجيعة جديدة.

الطرق ومشاريع التنمية التي تربط بقاع السودان المختلفة ظلت هي الهاجس الذي يؤرق مضاجع الجميع، لكن الحلقة أكبر من ذلك بكثير، إنها مجموعة القيم والشرف والأمانة، إذ لا يخلو طريق من التي تم تشييدها من همسات بتعثر إنشائه مطابقا للمواصفات التي تجعل منه طريقا سالكا. بدلاً من إنشاء الطريق بطبقاته السميكة وكميات مواده التي تحفظ تماسكه وتمنع الانهيار من أطرافه وأجنابه، يظل عرضة للكثير من الأهواء والأغراض.

في خلفية كل حادثة من الحادثات المتواترة، ثمّة من يلعن جهات منفّذة تريد أن تجني الأرباح من عملياتها، بلا أدنى ضمير ولا مراعاة لمن يستغل الطريق، تلك الجهات التي يكون كل همها أن يجري الأسفلت الأسود على الطريق في أسرع وقت وأقرب فرصة، لتجني من وراء ذلك حصاد إنجاز سريع، دون أن يردع ضميرها مثل تلك المآسي التي تحدثها وعورة الدرب الذي سرعان ما تهلكه العلل وعوامل التعرية.

مدير شرطة المرور بولاية نهر النيل في حديثه للتلفزيون القومي أمس في برنامج (بيتنا) حمل الحادث وظروفه وملابساته للتخطي الخاطئ.. جملة إحصائيات الحوادث المرورية للنصف الأول من عام 2013م، طبقاً لمدير الإدارة السودانية للمرور الفريق تاج الدين وديدي بلغت 6191 حادث سير بكل ولايات البلاد، أحدثت 775 حالة وفاة و2103 جروح و3313 أذى جسيما..

على الحكومة أن تفزع لهذه الأرقام المخيفة وأن تعيد مراجعة كل جهاتها المختصة بالطرق والسفر والموت الذي عمق من جراحات هذا الوطن المكلوم أصلا، وأن تغلق أبواب من يتلاعبون بأرواح الناس، فطرق المرور السريع مفتوحة على مصراعيها بالأخطاء والإهمال، والجهات المعنية تفتأ تنظر للبصات السياحية كأبقار مقدسة، لا تقترب من رقابتها، حتى وإن فتكت بالناس.. كلّ الناس

صحيفة اليوم التالي[/JUSTIFY]