منى سلمان

‫أقيفن صف .. النديكن كف !!


‫أقيفن صف .. النديكن كف !!
مدخل أول:
بقلب الأم المجبول على القلق والاهتمام بسلامة فلذات الاكباد، سرحت لبعض الوقت وأنا اتابع ابني حينما كان يحدثني عن العدد التقريبي للطلاب في مدرسته والذي يقارب الالف وخمسمائة طالب .. ظللت افكر لبعض الوقت في تلك المعلومة بعد ان غادرني لشأنه، وفي خاطري صورة بوابة المدرسة الوحيدة ذات الـ (ثلاث ضلف)، وماذا يمكن أن يحدث اذا حدث حادث ما لا قدر الله – ادى الى اصابة الطلاب بالفزع ثم التدافع للخروج من المدرسة .. تذكرت كيف كنا نحشر و(نعصر عصرت الليمونة) بفعل المدافسة لحظة الخروج من مدرستنا حتى يغمى على البعض منا وعددنا لا يتجاوز الثلاثمائة طالبة، لا خوف ولا فزع جماعي بل لمجرد شعورنا بالفرح لانتهاء اليوم الدراسي ورغبتنا في الاسراع للبيوت ..
عندما وصلت لهذه النقطة بتفكيري اسرعت بجمع العيال، والقيت عليهم محاضرة عن كيفية التصرف في حالة حدوث طارئ اثناء وجودهم في المدرسة، والخطوات التي يجب اتباعها ومن اهمها الامتناع عن الاندفاع نحو الابواب والمخارج والمزاحمة عليها .. حكيت لهم كضرب مثل عن زلزال القاهرة الذي حضرته هناك في اوائل التسعينات، وقد حدث في الصباح اثناء اليوم الدراسي، وكيف أن أغلب حالات الوفاة بين اطفال المدارس يومها، لم يكن نتيجة تهدم الفصول أو تضرر الابنية، ولكن كان السبب هو الفزع عندما رجت الارض رجا، والذي ادى للتدافع نحو الابواب فمات الكثيرين دهسا تحت الاقدام الصغيرة المسرعة بحثا عن النجاة ..
مدخل ثاني:
حكى لنا أحد المعارف والذي قضى بضع سنوات باليابان، انه كان يصاب بالحيرة من دولاب ابنه ذو الثلاث سنوات، وكيف انه أكثر تنظيما وترتيبا من دواليب أمه وأبيه، فقيمة النظافة والنظام سلوك تربوي حضاري يتعلمه الطفل عمليا هناك منذ دخوله الحضانة، فيشب وقد تعود عليه حتى يصير له منهج حياة، لا يحتاج لاحد كي يحفزه للعمل به أو يراقب التزامه بقوانينه .. ربما لذلك كانت دهشة احد مراسلي القنوات العربية، الذين كانوا يقومون بتغطية زلزال اليابان وما تبعه من موجات التسونامي، والتي اختبرت معدن اليابانيين واظهرت كيفية تصرفهم في الاوقات الاستثنائية، فقد كان المراسل يحكي للكاميرا باعجاب عن صبر القوم والتزامهم الهدوء والنظام والوقوف لساعات في صفوف لتلقي المساعدات، وكيف انه في ذات مرة كان باحد المراكز التجارية، فحدث انقطاع تام للتيار الكهربائي، نتيجة العجز في الامداد بعد توقف محطات التوليد، وبما ان حركة المبايعة كلها تعتمد على الالات، فما كان من الموجودين إلا ان وضع كل منهم مشترواته في اقرب مكان ثم غادروا المركز في صفوف .. تخيل هذا التصرف الاسلامي الاصيل، وتذكّر معي ما حدث عندما شب حريق في احد مولات الخرطوم الشهيرة وما فعل الزباين الموجودين يومها !! حلفوا قالوا لي واحد خامش ليهو خمستاشر موبايل وجاري !!
حسنا، كل هذه المقدمة الطويلة تداعت لخاطري لمجرد رؤيتي لصورة معبرة أغنت عن الاف الكلمات، اثناء متابعتي بقلب موجوع لتقرير اخباري عن حادث اطلاق النار الذي حدث في احدي مدارس الاساس بامريكا، والذي اودى بحياة عشرين طفل لا تتجاوز اعمارهم السبع سنوات ..
كانت الصورة تظهر احدى المعلمات – ساعة الحدث وهي تسرع بالاطفال لتجليهم خارج المدرسة وقد انتظموا في صف طويل .. اطلاق نار ودماء وموت جماعي !!! ورغم ذلك لم يفكر الاطفال في الاندفاع كقطيع البهائم نحو البوابات للهرب من الموت، بل اتبعوا ما جبلوا عليه وما تم تدريبهم على التصرف به في ساعة الطوارئ، فانتظموا في صفوف واسرعوا بمغادرة المكان برفقة معلمتهم، وكأنهم يعلمون أن الخروج المنظم اسرع طريق للنجاة، فحين اعتماد المدافسة يكون الجميع خاسرا فمن لم يمت بالرصاص مات معفّصا !!
حسنا تاني، يبدو ان اللفة الطويلة التي اتخذتها هربا من سيرة البحر قد قادتني اليه .. ايواااا تلك ياني قاصدة موقعة (حفل طيور الجنة) بساحة استاد الخرطوم !!
الدفسيبة .. المعافصة .. تسور الاسوار .. والدهس النظيف، كل هذه التصرفات غير الحضارية كان يمكن ان تكون مبلوعة لو كان الملم والحادث، نتاج مباراة قمة أو حشد جماهيري لتنظيم سياسي أو اي فعالية للناس الكبار، فالهرجلة وعدم النظام عندها يكون عادي لانه شيء شببنا عليه ومن شب على شيء شاب عليه .. ولكن أن نورث جيل الابناء هذه العشوائية فذلك أمرا يحتاج وقفة ومراجعة ..
في دول لا علاقة لها بخصال الاسلام السمحة، تسير حياة الناس في صفوف في كل مناحي الحياة .. من صف السينما وركوب المواصلات وحتى الاصطفاف لشراء الايس كريم .. أما نحن فلا نكتفي بالتقاتل على ركوب الحافلات بل نحجز مقاعدنا فيها بوضع النعال عبر الشباك .. يعني اتحضّر وافوت الحافلة عشان انتظر البتجي بعدها بي تلاتة ساعات ؟ الحضارة طايرة في السماء وانتوا بي وراها !!
نحن الوحيدين الذين نعتقد بأن الزحمة فيها الرحمة .. جيل اجدادنا واباءنا كان قليل العدد فلم يعاني الكثرة التي تدفع للتنافس والتزاحم لدرجة كسر الرقاب، وعندما تزايدت اعدادنا اخترنا نهج العشوائية بكامل ارادتنا حتى في اهازيج طفولتنا كنا ضد النظام وترتيب الصفوف فكنا نغني:
يا بنات تاتاي .. تعالن جاي .. اقيفن صف .. النديكن كف !!‬

منى سلمان
[email]munasalman2@yahoo.com[/email]


تعليق واحد

  1. اول ايامى فى السويد كان فى مناسبه وقفته انادى الى اولادى لقيت الصف واقف وراى عاينت لقيت نفسى واقفه فى صف القهوه وضحكت لمن وقعت فى الواطه :