رأي ومقالات

الصحفي أشرف عمر خوجلي المعتقل منذ مظاهرات سبتمبر 2013 : “أليس منكم رجلٌ رشيد”


يتخيل البعض أن ما وصل إليه من علو في المكانة ورفعة في المنزلة -ما يُمكنه من أن يتسلط على الخلق ورقاب العباد- يتخيل أن ما وصله وأتاه على علم عنده، كما قال قارون. وأنه يتخيل أن إلتفاف الناس حوله ما هو إلا إلتفافُ محبةٍ ومودة، ولكن الحقيقة أنه لن يلتف حوله إلا المؤلفة قلوبهم، والذين في قلوبهم شكٌ وهم في ريبهم يترددون.

رأيت الناس قد مالو إلى من عنده المالُ، ورأيت الناس قد ذهبوا إلى من عنده الذهبُ. فالبطانة هي الهواء الذي يُتنفس به، فإن صلحت صلُح معها ما يُتنفس به، وإن فسدت فالعكس صحيح.

قد يظن البعض أني أقصد بكلماتي هذه فئةً معينة وجهةً محددة، لكنها هي الحقيقة، أقصد بكلماتي ما جال بخاطركم وحاك في أنفسكم من خبر القوم “إحنا بِ نَفصِل، وإنتو لبسو”، قومٌ تجسدوا فعلياً في أيامنا هذه، فهم “مذبذبين بين ذلك، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء”. قومٌ إنشغلوا ببكنزِ الأموال وزيادة الأولاد، وجمع المتاع الدنيوي الزائل. جاعلين الدين مطيةً للوصول السريع إلى غايتهم ومبتغاهم “السلطة والحكم”، فالقضية ليست قضية لبس، ولكنها قضية تغيير في المرتكزات والمبادئ، التي كانت ترتكز على الوسيلة والغاية.

فبدأً كان الإيهام منهم بأنه إذا كان لابد من الوصول للغاية السامية -والتي هي الدين- وتمكيناً لشرع الله، إذا فلابد من الحكم كوسيلة موصلة له. ولكن ما لبثت أن كشفت الأيام زيف المبتغى والوسيلة، إذ أن الدين والتمكين أصبح مطيةً شعاراتٍ للوصول إلى الغاية الأسمى والمبتغى الأعلى، وهو الحكم والعياذ بالله.
كثيرٌ منا أتت إليه الدنيا فاتحةً ذراعيها، متمثلةً في السلطةِ الشهرةِ والحُظوةِ والسُدة.
وفي سبيل ذلك يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل، ويبيع دينه بعرض من الدنيا زائل، فيُصبح المرء فينا و ويُضحي سجين وعبد عطايا أولياء النعمة. لا يستطيع أن يقوّم أمراً ، ولا أن يصلح مفسدةً، أو يُعالج مسألةً، لا لأنه عاجزٌ عن ذلك لعدم قدرته، ولكن بسبب أن ما قد يُحدِثه من تقوّيم قد يكون ممتداً ومحتوياً وشاملاً لمن مكّنوه في البدء، فلا يستطيع أن يفعل شيئاً حيال ذلك لخوفه من أن هذا التقوّيم والتصحيح قد يؤدي إلى قطع المنح والعطايا الهبات عنه، إذا ما تم فتحُ هذه الملفات، فقد صدق المثل: “أطعم الفم تستحي العين”.

من كان يظن أن يستقيم الظل والعود أعوجٌ فهو واهم، ومن كان يظن أن سبيل الرِفعة والمَنعة والمِنعة يأتي بدون صدق وإخلاص فهو أيضاً واهم لا محالة، قال الشاعر:
وقد تُنكرُ العينُ ضوءَ الشمسِ من رمدٍ
وقد يُنكرُ الفمُ طعمَ الماءِ من سقمِ
هل يمكن سادتي أن نخدع أنفسنا، ويُوهِم بعضنا بعضاً، ويُداهِن بعضنا بعضاً، وكلٌ منا يعرف الآخر من لحن قوله -وفينا سمّاعون لهم-
دون أن يكون لنا بصيص أمل في غدٍ مشرقٍ من غير نفاقٍ ولا شقاقٍ ولا سوء أخلاق. في غدٍ ساطعٍ بالتآخي وحب الناس والسعي لنفعهم وإرادة الخير لهم. في غدٍ مزهرٍ بالحق والعدل والأمانة والنزاهة والشفافية والوضوح HD. في غدٍ مفعمٍ بالشباب وبالنشئ الواعد، الذي يعلم سبيل الخير والحبة والإيثار والتوقير وعدم الأنانية والإكتراث بالآخرين. في غدٍ مبشرٍ لجيلٍ غيرِ محملٍ بالديون والتبعات، ولأولادٍ وأحفادٍ يزهون فخراً عند المرور بذكرانا، وينتشون فرحاً إذا سمعوا تقدير الأباعد والأعداء قبل الأقارب والأصدقاء، عن صنيعنا وفعلنا،

فالرجال مواقف، وأصحاب رُشدٍ وهدى، لا أصحابُ غيٍ وهوى. لذلك فلابد من أن نعمل لذلك اليوم، الذي نخشى أن نتوارى خجلاً من الأفعال وقبح الأعمال.
فيا يا أيها المدّعين من …………، “أليس منكم رجلٌ رشيد”.

الصحفي/ أشرف عمر خوجلي