رأي ومقالات

عبدالباقى الظافر : ما بنجي بالضغط. .!!


[JUSTIFY]لم يعد الرئيس السادات يفضل الإقامة في القصور الرئاسية بمدينة القاهرة الكبرى..تظاهرات انتفاضة الخبز عام ١٩٧٧ سببت له كوابيس..في يناير من ذاك العام خطت حكومة السادات خطوات جريئة في تحرير الاقتصاد فرفعت الدعم عن خمس وعشرين سلعة أبرزها الخبز..

في ساعات قلائل كانت مصر تخرج ضد الرئيس الذي صنع نصر أكتوبر.. شعارات شعبية انتشرت كالنار في الهشيم مثل (لابس آخر موضة ونحنا عشرة في أوضة) و(هم بياكلوا حمام وفراخ واحنا الفول دوخنا وداخ).. بعد يومين من التظاهرات العارمة أمر الرئيس السادات الجيش المصري بالنزول إلى الشوارع وفي ذات الوقت قام بسحب القرارات الاقتصادية.. استجاب السادات للضغط الشعبي على مضض لأنه كان سياسياً (براغماتياً).

أمس نقلت الصحف تصريحات جريئة لوالي الخرطوم .. الوالي وعد بإطلاق حريات التعبير خلال أسبوع من الآن.. بيد أن الوالي حذر من استغلال الحرية في تخريب الممتلكات العامة متوعدًا باستخدام القوة. وقال بالحرف حسب الزميلة (الانتباهة) (قفل شارع تاني ما في) وأضاف:(نحنا ما بنجي بالضغط)..الكلام الساخن واللغة الناشفة جاءت في غير موضعها ومن والٍ عرف بتقديره للرأي الآخر..ترى ماذا يقول النائب دفع الله حسب الرسول؟.

بصراحة وعد والي الخرطوم بإطلاق حرية التعبير والتظاهر ورغم الشروط التعسفية يضع الحكومة في مأزق ..هذا اعتراف رسمي بأن الحكومة كانت تضع قيودًا على الحريات أفرزت بيئة شمولية طاردة للآخر..
وعد الوالي يعززه حديث للأساتذة سامية أحمد محمد نائب رئيس البرلمان التي صرحت للصحف بأنها لا تعلم بالأسباب التي جعلت الحكومة تفض ندوة لأحزاب المعارضة في دار حزب المؤتمر السوداني.

في تقديري أن الحكومة لن تستطيع احتمال إطلاق الحريات.. وإن فعلت فستسقط في أيام معدودات.. الحكومة تواجه تحديات اقتصادية لن يتحملها الشعب الذي ذاق أيام الرخاء المرتبطة بتدفق نفط جنوب السودان قبيل الانفصال.. كما أن نذر الحصار الاقتصادي تعدت الغرباء لتدخل دائرة الأقارب.. الدول التي تشهر سيف المقاطعة كانت وما زالت في عداد الدول الشقيقة التي تقف معنا في كل الملمات.. الآن الاستثمارات العربية تبحث عن نوافذ للخروج الآمن من اقتصاد يتدحرج بسرعة نحو الهاوية.. لن نتحدث عن الحرب وضعف هيبة الدولة التي جعلت زعيم عشيرة مثل موسى هلال يرفض مقابلة نائب الرئيس حسبو عبد الرحمن .

التضييق على الحريات ليس أمرًا متاحاً ويسيرًا للحكومة السودانية.. نحن في عالم أصبح من شدة ترابطه غرفة مفتوحة الأبواب.. إن حاولت الدولة التحول إلى مربع الشمولية فستكون النتيجة كارثية ينتج عنها تغيير عنيف..

مخاطر التغيير العنيف نتائجه غير مضمونة فربما يضيع الوطن المتنازع عليه كما في حالة الصومال أو تحل الفوضى بكامل البلد كما في السيناريو الليبي حينما أنجبت الثورة الفوضى وبات الناس يحنون لأيام القائد الأممي.

في مثل أحوالنا التغيير الإيجابي المستجيب لضغط الشعب يجنب الأمة السودانية مخاطر السيناريوهات السيئة.. التغيير في قمة السلطة وقاعدتها المصحوب بتغيير في السياسات يولد أملاً جديدًا ويفتح أبواب التواصل مع العالم .. بغير سيناريو التغيير الإيجابي فسنظل في حالة ترقب حتى يأتي بيان للناس وحكامنا في غفلة من أمرهم.

هل يتذكر والي الخرطوم آخر كلمات الرئيس جعفر نميري وهو في طريقه للعلاج بواشنطن.. المشير نميري تحدث باطمئنان (ما في واحد يقدر يشيلني)..حينما هبط جعفر نميري مصر ورأى رجال المراسم يطوون البساط الأحمر من تحت قدميه لم يصدق أن الشعب فعلها دون أن يأذن له الرئيس بالخروج.

صحيفة الصيحة
[/JUSTIFY]