جعفر عباس

ليس كل مسكن «بيت»


[JUSTIFY]
ليس كل مسكن «بيت»
مثل أمام القضاء في العاصمة الايطالية روما زوجان بتهمة إلحاق الأذى الجسيم بولدهما الوحيد، والبالغ من العمر 12 سنة، وقد أنذرهما القاضي أنه في حال ثبوت التهمة عليهما سيقضيان خمس سنوات في السجن.. ما فعله الزوجان هو أنهما تفارقا بغير معروف، أي تطلقا بعد معارك لسانية طاحنة: اسكت يا فاشل يا سكران يا بتاع النسوان،.. فيأتيها الرد: وانت عندك وجه تتكلمي في أمور الشرف يا قليلة الحياء .. والحاجة الوحيدة المشرّفة في حياتك هي انك زوجتي (كل هذا بالطلياني طبعا).. شتائم متبادلة على مدى عامين خاضا خلالها معركة الطلاق في ساحات المحاكم، وتناولت الصحف بالتفصيل المملّ مباريات الردح بينهما.. ومعارك كلامية في البيت أمام الصبي حتى أصيب بالاكتئاب وصار كثير التوهان وتدنى أداؤه الأكاديمي ووجد الزوجان في ذلك ذخيرة إضافية لتبادل الشتائم: الولد طلع فاشل وخائب على أبوه.. أنت مشغول بملذاتك وسهراتك وغزواتك النسائية.. والنتيجة هي ان الولد سائر على طريقك و«ما عنده نفس للدارسة».. فيرد الأب: وما دورك أنت كأم؟.. طبعا واحدة جاهلة مثلك لا يهمها نجاح او فشل ابنها… أنت إما نائمة أو جالسة أمام المرآة أو التلفزيون!! في النهاية، راح الأب والأمّ كل في طريقه، وراح ولدهما في ستين داهية، حيث صار نزيل مستشفى الأمراض النفسية، ولولا انتباه مدرسيه لحاله لكان قد انتحر.
في كثير من البيوت يتلاسن الزوجان بأقذع الألفاظ، من دون اكتراث لوقع معاركهما الكلامية على العيال، إما بافتراض ان الصغار «جهال» ولا يفهمون المفردات المستقاة من قاموس المزابل، وإما لأنهما من فرط جهلهما لا يهمهما في كثير او قليل الى أي مدى سيتأثر الصغار بمعارك والديهما.. الطفل البالغ من العمر ستة أشهر ينفجر باكيا إذا صرخ شخص بالقرب منه او أحدث جلبة وضجيجا مزعجا، فما بالك بابنة او ابن ست سنوات؟ هناك بيوت تمارس فيها الشتائم بين الزوجين وكأنها «النشيد الوطني» لاستهلال كل يوم.. ولكن بدون طلاق.. والسبب في عدم حدوث الطلاق ليس كونهما يعرفان أهمية الرابطة والمؤسسة الزوجية بل بالضبط لأنهما لا يعرفان قيمتها وأهميتها.. ولهذا يواصلان العيش تحت سقف نفس المنزل.. ومثل المكان الذي يعيش فيه زوجان يتناقران كما الديكة باستمرار، لا يستحق كلمة «بيت».. بل حتى كلمة منزل كثيرة عليه، ولكن اللغة تجعل كل مكان يقيم فيه الناس نزلا، ومنزلا، والعرب كانت تسمي الفندق/الهوتيل نزلا! حتى في الانجليزية فإن كلمة هاوس تعني البناء/المنزل، بينما كلمة هوم والتي تقابلها كلمة بيت بالعربية توحي بالوئام والمودة والترابط.
مسكين هو الطفل الذي ينشأ في بيت كله صراخ وشجار وشتائم، لأنه في غالب الأحوال يستخدم القاموس العائلي في الشارع والمدرسة ويصبح بالتالي منبوذا ومن ثم عدائيا! ولم لا، وهو يرى في العداوة والبذاءة بين الأم والأب ممارسة يومية ومن ثم طبيعية.. وإذا اكتشفت ان طفلا يفترض انه «ابن عائلة» يستخدم ألفاظا سوقية، ولا يعرف حدود الأدب فاعرف ان والديه سوقيان في الواقع، ولكنهما يحافظان على مظهر «العائلة المحترمة» أمام الآخرين.

[/SIZE][/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]