د. عارف عوض الركابي : بالتقنيات «تهوّروا» في نشر الشائعات ..!!

[JUSTIFY]انتشرت من يومين رسالة كاذبة تنقل عبر الواتسأب والفيس بوك بشأن طريقة وفاة الأخ عبد المنعم حبيب ميرغني وأسرته الذين توفوا في حادث حي غبيراء بالرياض قبل أكثر من أسبوعين، وقد علمت أن بعض الصحف الصادرة في الخرطوم يوم أمس نشرت «بتقليد أعمى» هذه الرسالة باعتبار صدقها..

والرسالة المجهولة المصدر تذكر أنهم أفراد الأسرة الخمسة قتلوا بواسطة شخصين وحددت جنسيتهما أن القاتل «مصري» وساعده شخص «إثيوبي» وهو الذي قبض عليه واعترف، والهدف من القتل بحسب الرسالة الكاذبة الحصول على المال الكثير والمجوهرات.
وإن ما جاء في هذه الرسالة هو كذب محض وافتراء وشائعة غير صحيحة.. فأما «سند» الرسالة ومصدرها، فهي رسالة كتبها شخص مجهول يروي عن مجهول آخر، فكاتب الرسالة يقول فيها: «حتى جاءني خبراً اليوم»، فلم يُسَمِّ ناشر هذه الرسالة مصدره في معلوماته التي كتبها ونشرها، ولا يوجد حتى هذه اللحظة مصدر لهذه الرسالة المجهولة الجهة.

وأما «متن» الرسالة و«مضمونها» فتضمنت الكذب الصريح والافتراء القبيح والمعلومات المخالفة للواقع، وقد كنتُ ممن قاموا بتغسيله وتكفينه وشاركنا في ذلك ابن عمه الأخ عوض عثمان، وحضر معنا جزءاً من مرحلة الغسيل من أقاربه الأخ حسن حمودة والأخ أحمد شربكوتي ومندوب السفارة السودانية بالرياض وإمام مسجدها الأخ مأمون الحاج وصديقه الأخ أبو بكر الجنيد، وقد جاء في رسالة الإشاعة المكذوبة: «فقد وجد الطب الشرعي أن الرجل مطعون من الخلف» !! وهكذا كتب صاحب هذه الرسالة وساعده للأسف ــ كثيرون بنشر هذه المعلومة المخالفة للحقيقة إذ تدوير رسائل «الواتساب» ليس فيه مشقة أو جهد!! وأقول: ونحن نقوم بتغسيل الأخ عبد المنعم لم يكن بظهره طعن من خلف كما جاء في الرسالة الكاذبة ولا يوجد حتى مجرد حكة ظفر على ظهره. وأما الكذب الآخر في هذه الرسالة الآثمة فهو قول من كتبها: «لقد أثبتت التحريات أن الرجل مات مقتولاً هو وعائلته، فقد وجد الطب الشرعي أن الرجل مطعون من الخلف، وسرعان ما توصلوا للقاتل» فعن أية تحريات تتحدث هذه الرسالة المفتراة ؟! وأية جهة تقصد هذه الرسالة؟! فتقرير الطب الشرعي معلوم للسفارة السودانية وأقارب المتوفى ولمحبيه ولزملائه، وقد تابعتْ أمرَ التقرير وكلَّ مراحل التحقيق والتحريات السفارة السودانية في الرياض بمتابعة لحظية وإشراف مباشر من سعادة سفير السودان في المملكة الأستاذ عبد الحافظ إبراهيم وسعادة السفير خالد فتح الرحمن وسعادة القنصل عبد الرحمن وسعادة الملحق العسكري وكافة موظفي السفارة بمختلف تخصصاتهم ومهامهم، فقد تابعت السفارة وأقارب الأخ عبد المنعم وأقارب زوجته مع الجهات المختصة في شرطة منطقة الرياض التي قامت بدور الشرطة المعهود في المملكة بدقة متناهية وحرص واحترافية وتعامل بمستوى الحادث وفجيعته، ولا يجد غرابة في ذلك من يعيش في المملكة العربية السعودية ــ حرسها الله ــ من رعاية دقيقة جداً للحقوق وكيفية تعامل جهات الاختصاص مع القضايا الجنائية، والاحتياط فيها، والأناة مع دقة البحث والتحري، ومنذ اللحظة الأولى لمعرفة الحادث وما بعده وما تم من إجراءات استمرت أكثر من أحد عشر يوماً في التحقيقات وحتى استلام التقارير التي تفيد بعد اتهام جهة خارجية بالقتل، والجميع يتابع الإجراءات مع الجهات المختصة، وجميع من لهم صلة بالموضوع من السفارة السودانية بالرياض وأقارب المتوفى وأقارب زوجته والأصدقاء والجيران وزملاء العمل وجهة عمله على علم بنتائج التحقيق والإجراءات ونتائج الطب الشرعي والتي نشرت في تفاصيل الحادث.

والرسالة الكاذبة التي تم تداولها على نطاق كبير تتضمن أكاذيب أخرى غير ما أشرتُ إليه، كإدعاءٍ لأموالٍ كثيرة بالبيت ومجوهرات، وإن أقرب الناس صلة بالأسرة يفيدون بكذب هذا الإدعاء وعدم صحته بما يعلمونه، وإن المثبتُ كذلك أن مفتاح باب الشقة كان بداخل القفل من الداخل ولا يوجد مجال لخروج شخص أو دخوله من جهة أخرى.

وإن الواجب على من تبلغه مثل هذه الرسائل المجهولة المصدر وهي تتضمن معلومات عن أشخاص أو جهات أو حوادث أو تحقيقات، أن يتقي الله ويخاف من عقوبة نشر الشائعات والأكاذيب، ولا يعيد إرسال رسالة وردته حتى يعلم مصداقيتها، ويتأكد من صحتها من الجهات المختصة التي تتعلق بها الرسالة ..

ومؤسف جداً أن يساهم كثيرون في نشر مثل هذه الشائعات دون أن يكون لديهم من التروي والأناة ما أوجبه ديننا في مثل هذه الأمور، ولا يستقيمون لتوجيهات الخالق سبحانه في قوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين».. فما هو عذر من يعيد إرسال رسالة كهذه ويساعد في نشرها دون أن يتأكد من صحتها ودون أن يبذل جهده في التبيّن والتثبّت من صدقها؟! ولا تخفى على مسلم خطورة نشر الشائعات والأكاذيب، خاصة ونحن نعيش في زمان أنعم الله تعالى علينا فيه بوسائل تقنية تساعد في سهولة التواصل ونشر المعلومات في لحظات قليلات، فهي «نعمة» استثمرها كثيرون في نشر الحق وكسب الحسنات والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصلات الطيبة، فهي لهؤلاء «نعمة»، وأناس آخرون سخّروها في نشر الباطل وكسب السيئات والأوزار والمساعدة بتساهلهم وتفريطهم ــ في ترويج الأكاذيب والشائعات المفتريات، فكانت عليهم «نِقْمَة».

والمؤسف أن يكون نشر الشائعات المكذوبات على مستوى الصحف اليومية، فتنشر الصحيفة ما يرد من معلومات مكذوبة في هاتف أحد موظفيها دون أن تستوثق أو تقوم بأدنى واجبات الوظيفة الصحفية، وبدون تقيد بأبسط قواعد أخلاق المهنة. ويوم السبت قبل الماضي نشرت صحيفة «الدار» وعلى الصفحة الأولى صورة ادّعت أنها للأخ عبد المنعم حبيب والواقع أنها ليست صورته، ولا يوجد بين الصورة التي نشرتها الصحيفة وبينه أدنى شبه، فما هذه المهازل؟! وأين قيادات التحرير في تلك الصحف المستهترة وغير المبالية؟!

وأما ربُّ الأسرة الأخ عبد المنعم حبيب فقد عرفتُه شخصياً منذ سنوات عديدة وله في قلبي ود ومحبة وبيننا مشاعر طيبة وأُنسٌ متبادل، وإذا زرتُ الرياض وكنت بمجلس به من أبناء منطقتنا العفّاض فإنه من أوّل من أفتقده، فقد كان محافظاً على صلاته، سليماً في سيرته وسلوكه، حسن الخلق، كريم السجايا، صاحب دعابة، ونُكتة حاضرة تصحبها فراسة وسرعة بديهة، ولطافة وظرافة، وأدبٍ جم، وهذه ليست شهادتي أنا فحسب، فبمثل قولي فليسأل ليجيب به كلُّ من عاش مع الأخ عبد المنعم أو عرفه عن قرب، وقد كان بالمقبرة شباب عاشوا معه سنوات في غرفة واحدة، وجيران، وزملاء عمل، فضلاً عن أقاربه وأصدقائه الذين عاشوا معه فترة الخمس عشرة سنة الماضية بالرياض، وقد شهدت له جهة عمله وكتبوا خطاباً رفيعاً تم توجيهه لسعادة السفير عبد الحافظ إبراهيم شهدوا له به بحسن التدبير وسمو الخلق وتمام الأدب، وقد شهد كثيرون بذلك بالمقبرة لحظات الدفن لسعادة السفير الذي كان وأعضاء السفارة في مقدمة المشيّعين.

وإن الأقارب ومن حول الأخ عبد المنعم يعلمون عن مرضه الذي أصيب به قبل عدة أشهر، ويعلمون عن حالته الصحية قبيل الحادث، ويعلمون محبته لأسرته وتعلقه بذريته، فهو يشفق عليهم شفقة أشفق عليه بها من حوله من الناس، وقد كرر سؤاله ــ قبيل الحادث ــ عن مصيرهم بعد وفاته، وبما نعلمه عنه يقيناً من سيرته وصلته بزوجته وأبنائه وحبه لهم الشديد، وما عرفناه عن ظرفه الصحي ومرضه بتفصيله، وما ظهر في بعض تصرفاته وأفعاله وطريقة حديثه قبيل الحادث، يجعلنا على يقين بأنه كان في غياب عن الوعي لحظات الحادث، وقد رسخ في مخيلته ألا يدع أسرته خلفه تتعب وتعاني وتقاسي، فحدث ما حدث، ومن رحمة الله تعالى الخالق البارئ الرب الحكيم ــ وكما هو مقرر في أصول الفقه الإسلامي ــ من رفع التكليف عن المكلّف في حال إغلاق عقله وغيابه، وهذا ما نرجوه لأخينا عبد المنعم حبيب، أسأل الله تعالى أن يجمعه بزوجته وأبنائه في جنة الفردوس حيث النعيم المقيم. و «إنا لله وإنا إليه راجعون».

صحيفة الإنتباهة
د. عارف عوض الركابي

[/JUSTIFY]
Exit mobile version