تحقيقات وتقارير

مع إطلالة الذكرى (19) لمسيرة الإنقاذ .. قراءة في المجريات والمآلات..


[ALIGN=JUSTIFY]الوطني مطالب بتغيير يوحد السودانيين وفق مرجعية فكرية وروحية.. أسبوع (جماعات الضغط الأمريكي) وراء فشل الحوار مع أمريكا

على إسماعيل العتباني
… لم يكن هذا العام سهلاً وثورة الإنقاذ تستقبل عامها التاسع عشر.. بمعنى ان هذا العام شهد تعقيدات سياسية كبيرة.. ومن الغريب ان هذه التعقيدات أتى جلها من صناعة الذين كان يفترض فيهم انهم حلفاء الانقاذ وشركاؤها ومساندوها.. جاءت هذه التعقيدات والانقاذ تمر بأحسن لياليها من الناحية الاقتصادية.. نسبة للترشيد الاقتصادي والتنمية الكبيرة التي لا تخطئها عين.. ونسبة للتوزيع المرشد للموارد في المركز والاقاليم.. ومحاولات نشر التنمية وبسط الأمن.
ولكن في هذا الإطار وبدلاً من أن يؤدي الانتعاش الاقتصادي والازدهار التنموي والعمراني.. وإرتفاع عائدات النفط الذي انعكس إيجاباً على موارد حكومة الجنوب وموارد الحكومة المركزية.. إذا بفخاخ عديدة تنصب من شركاء الحكومة للحكومة.
فهنالك الفخ الذي نصب والحكومة تستعد لمعالجة جراح دارفور وتتأهب لمفاوضات (سرت)، فاذا بالحركة الشعبية تنسحب من الحكومة نتيجة لقضايا ما انزل اللّه بها من سلطان، وهي قضايا تقسيم الحدود وأبيي وعائدات البترول وسلسلة من المزايدات السياسية وغيرها.. ثم بدلاً أن تكتفي فقط بالانسحاب من الحكومة إذا بها تقوم بإغواء عدد مقدر من حركات دارفور المسلحة للذهاب إلى (جوبا) والبقاء فيها إلى يومنا هذا.. ولا ندري ما طبيعة العلاقة بين الحركة الشعبية التي بمشاركتها يفترض ان تكون ذراعاً مؤازراً للحكومة.. وتكون قوة وصمام أمان للحكومة.. فاذا بها تدخل في تشكيلات الطابور الخامس وللاسف الشديد.

بعد النصيحة
ومضت الحكومة.. وللأسف فإن حكومة الجنوب لم تعد إلى حكومة الوحدة الوطنية إلاَّ بعد النصيحة التي قدمها لها الأمريكان بعد ان قام الرئيس سلفا كير بزيارة لأمريكا كما هو معلوم.
وقبل أن تتجه الحكومة في مسارات جهادها ونضالها التنموي.. إذا هي تصاب بمصاب غزو أم درمان التي تقوم الحكومة الآن بجردها ومعرفة دروسها واستكناه العبر فيها.. والتي كذلك تقوم مؤسسات الحكم سواء كانت الهيئة التشريعية القومية أو قيادة المؤتمر الوطني أو غيرها بإعداد العدة لمجابهتها وتجاوزها. ولكن كذلك وقبل أن تندمل جروح مجابهة غزو أم درمان وما لفت إليه النظر من استشراء للطابور الخامس في اجهزة الدولة وفي بعض مفاصلها الحساسة فإذا بها تفاجأ كذلك بأحداث (أبيي) التي افضنا فيها في مقالنا السابق والتي كانت كذلك طعنة في الظهر.. رغم ان الرئيس البشير كان يتكلم عن الإدارة المشتركة وعن تنمية (أبيي) حتى تصبح منطقة تكامل وجذب لكل السودانيين في إطار القيادة المشتركة لها من ابنائها سواء أكانوا دينكا أو مسيرية أو رزيقات أو نوبة أو غيرهم من قبائل السودان.

ذكرى مهمة
ولكن ومع ذلك فإن إطلالة الذكرى التاسعة عشرة للانقاذ هي ذكرى مهمة.. وفي هذه الذكرى يجب تأكيد التلاحم والترابط بين المؤتمر الوطني والمؤسسة العسكرية، ويجب أن لا نسمح لبذور الشقاق أو التشكيك أو غيرها أن تعمل سواء بين المؤتمر الوطني وبقية اجهزة الدولة.. أو بقية مكونات المؤسسات العسكرية والامنية، ويجب ان تعد العدة لجسور التواصل مع المؤسسة العسكرية في كامل اشكالها.. سواء أكانت قوات الشرطة أو الأمن أو جيشنا الضارب.. الجيش السوداني البطل الذي من خلاله عبرت وبرزت الانقاذ.. والذي يعتبر الرئيس البشير هو الرمز الجامع لحركة الجيش وإلتحام حركته مع بقية قطاعات الأمن ومع فصائل العمل الوطني كافة.
ولعل هذا يحتاج إلى جلسات عمل.. ويحتاج إلى رؤية عميقة ومتفهمة لأنه بات هناك من يضربون على هذا الوتر ويحاولون اللعب في هذا العصب الحيوي الحساس وهذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى.. فإنه وبمناسبة إطلالة الذكرى التاسعة عشرة، وكما كانت للانقاذ نفير زراعي تطور إلى مشروع استراتيجي مدروس ومخطط له بعناية للنهضة الزراعية.. يجب ان يبرز لها الآن نفير سياسي.. وهذا النفير السياسي يجب ان يقوم على مرجعية روحية وفكرية.. ويجب ان يقوم على قراءة للواقع السوداني.. ويقوم على قراءة للمستجدات السودانية.. حتى يتم توحيد الجبهة السودانية.. وحتى تكون الجبهة السودانية جاهزة للمفاجآت.. خصوصاً ونحن نسمع ان حركات النهب المسلح الآن بدأت تبرز من جديد في دارفور وتعود سيرتها الأولى وتحت أعين قوات (اليوناميد).. ونلاحظ ظاهرة إختطاف عربات الـ (ZY) وبيعها في تشاد من قبل حركات النهب المسلح مقابل اللاندكروزر المجهز تجهيزاً عسكرياً.. ولذلك لا بد من دراسة هذه الظاهرة.. ولكن لعلها مفردة أمنية نعلم ان من يلونها منتبهون لذلك يرصدون ويتداركون.

حركة شعبية
ولكن المفردة السياسية تبقى مهمة لنا وتستدعى ان يتحرك أهل المؤتمر الوطني حركة شعبية للتعبئة تواكبها حركة إعلامية.. وتوازيها حركة سياسية لتوسيع مواعين التراضي السياسي. فبعد أن شملت السيد الإمام الصادق المهدي نأمل أن تشمل القوى السياسية كافة.. سواء أكانت قوى جنوبية أو قوى الاتحاديين أو قوى الجماعات السلفية والاخوانية وغيرها من أهل الشرق.. وأن لا يستثنى إلاَّ من أبي وان نعمل على فتح المسارات والجبهات كافة لحوار جدي متزامن.
ولأن الأحداث الجارية تفيد ان هناك (إشاعات) تتسرب مبعثها القوات الفرنسية وقوات (اليوفور) الذي اصدر قائدها بياناً ذكر فيه ان الاوضاع في تشاد مستقرة، وأنه ليس هناك ما يدعو الحكومة للانزعاج، وأنه لا علم له بعربات للمعارضة التشادية تحوم هنا وهناك.. ولعل هذا خروج على ما قالت (اليوفور) أنه واجبها.. وأنها جاءت فقط لحماية الاجئين.. فإذا كانت فعلاً قد جاءت لحماية اللاجئين في المعسكرات فلماذا تتحدث عن الاوضاع الداخلية في تشاد.. ولماذا تنفي ان المعارضة التشادية موجودة في تشاد.. ولعلها إشارة إلى أن هذه القوات خرجت عن اختصاصها التي توجب عليها ان تكون محايدة في هذا الظرف.. ولكنها الآن تتدخل بشدة.. بل أنها تعمي وتغطي على ما يشاع على ان فلول العدل والمساواة يقومون بتجنيد الاطفال في المعسكرات قهراً وكرهاً والتي جاءت قوات (اليوفور) لحمايتها.
وللأسف الشديد فإن بعض الصحافة المحسوبة على بعض دول الخليج تقوم بنشر احاديث (مفبركة) وتنسبها للمتمرد المختفي خليل علماً بأن مصادرنا تؤكد ان مصير (خليل) نفسه مجهول.. ولا يعرف أهو حي أم ميت.

فبركة خليل
ولكن لنعود الى ما ورد على لسان المتمرد خليل في صحيفة (الشرق الاوسط) ونحن نعتقد ان هذا الحوار (مفبرك) وجرى على لسان شخص غير خليل.. ولكننا نتعرض إلى عناوينه العريضة.. لقد هاجم الهارب خليل في هذا الحوار الجامعة العربية.. ونسأل متى وأين وضع خليل الجامعة العربية في حسابه.. وهل يريد خليل من الجامعة العربية السير في ركاب (العنصرية).. خصوصاً وان خليلاً نصب نفسه قائداً للأفريقانية المعادية للعروبة والإسلام.. وأراد ان يركب مركب تحرير دارفور من القبائل العربية.. فهل يريد ان تدعمه الجامعة العربية في هذا المشوار؟
بل إذا كان هناك صوت لوم للجامعة العربية فينبغي ان يأتي من الحكومة السودانية التي وقفت مع العرب في كل قضاياهم والتي لم تعترف إلى الآن بإسرائيل.. والتي تدعم حركات التحرر الوطني.. ودعمت مصر ودعمت الكويت إبان تهديد عبد الكريم قاسم لها.. حكومة الخرطوم هي التي كان ينبغي أن تلوم العرب خصوصاً والمتوقع من الجامعة العربية كان أكبر من الذي بذل حتى الآن.. كما ان مشكلة الحكومة السودانية هي انعدام النصرة العربية، والسودان الذي تحاصره أمريكا وإسرائيل.. أصبح بفضل جهود المتمرد خليل وبفضل جهود المناوئين لحركة الثقافة العربية والإسلامية في السودان بلا نصير.. في وقت أصبح فيه خليل ومن لف لفه من نخب دارفور يتاجرون بعورات دارفور ويعرضون دارفور في السيرك العالمي، وها هي اعترافات المتمرد (عبد العزيز عُشر) تفيد بأبعاد التنسيق مع المنظمات و(لاهاي) لإعداد تقارير مفبركة حتى يدينوا المجتمع السوداني ويدمروا الخصوصية السودانية ويشوهوا الصورة السودانية.

براءة الخرطوم
ولعلنا نلفت نظر الاجهزة الأمنية إلى نموذج ما تكتبه قيادات المعارضة التشادية عن السودان.. وعلى الأخص ما يكتبه (تيمان أردمي) الذي بين يدينا مقال له في (الانترنت) يدين فيه الحكومة السودانية ويقول بأنها تنتهك أعراض القبائل الافريقية، وأن أياديها ملطخة بدماء الافارقة. ومع ذلك ومن المحزن أنه بينما (تيمان) يهاجم الحكومة السودانية تقول الدوائر المعارضة إن (تيمان) والمعارضة التشادية مدعومون من الحكومة السودانية.. فكيف بالله يستقيم ذلك؟

نهب وتخريب
ونمضي مع المقال المفبرك المنسوب إلى خليل في (الشرق الأوسط) عندما يتكلم عن الشراكة في وزارة الدفاع السودانية ويقول إنهم شركاء في وزارة الدفاع وان شراكته قائمة على النهب وتدمير ممتلكات البلد.. ولكن إذا كانت هذه هي (الشراكة) فبئس القول والمعنى.. الشراكة التي تقوم على تدمير وتخريب وزارة الدفاع.. ولكن ما نقوله إن ادعاءه بأن كل العربات التي غزت أم درمان مأخوذة من الجيش السوداني هو إفك تكذبه الوقائع. عندما عرضت هذه العربات أمام كل أعين السودانيين.. كما ان اعترافات المقبوض عليهم دلت على ان هناك دعماً تلقوه من جهاز مخابرات دولة عربية جارة وشقيقة تعطي للحكومة وجهاً بشوشاً وتطعنها في الظهر، وان السودانيين كلهم يعرفون ان مثل هذه العربات غير موجودة في السودان بل ان الاجهزة السودانية باتت تعرف ان بعض هذه العربات تم شراؤها قبل الغزو من دولة خليجية وان بعضها جاء بالطائرات الروسية عبر مطار الخرطوم وفي ذلك الوقت لا يمكن ايقافها لأنها ذاهبة إلى مصدر ثالث وهو تشاد.
ولكن نقول لخليل إن شراكته القائمة على النهب وحرق الممتلكات وقتل النفس التي حرم الله وتوسيع الحريق جعل دارفور وبفضل هذه الشراكة مدمرة ومحترقة وتحتاج إلى عشرين سنة أخرى لإعادة بنائها حتى تصبح كما كانت عليه في العام 0991م.

وهم الزعامة
ويتحدث خليل عن الشركاء العالميين.. ونسأله من هم الشركاء العالميون الذين نسجوا له وهم الزعامة والقيادة.. وهل ما يقوله عن قتله (0052) من إخوانه من الجنود السودانيين في معركة أم درمان صحيح وهذا بالضرورة يعني نصب (0052) سرداق للعزاء في الشهداء بالعاصمة القومية، فهل رصد سكان العاصمة هذا العدد الكبير.. ولكن لنفترض انه قتلهم فما هو العائد على السودان الذي يريد ان يحكمه بعد ان أقام مأتماً لـ (0052) أسرة سودانية، وهل يشفى تدفق الدم (غبينة) خليل.. وماذا يجني خليل من ازهاق (0052) جندي سوداني يحفظون الأمن ولم يصبحوا (وزراء) مثله.. ولم يعرفوا فنادق العالم ولم يقبضوا الثمن.. هل كان خليل واعياً لما قاله في مقابلته المزعومة مع (الشرق الأوسط) أنه قتل (0052) مستضعف من جنود السودان الذين هم أهله ولو أصبح حاكماً لكانوا عسكره.. كما ان جل جنود السودان من مناطق الهامش الذي يدعى انه نصيره.. اذاً كيف يفخر بإقامة مجزرة ومذبحة ولو ادعاءً كاذباً للمستضعفين من ابناء جلدته.. وكيف كانت ستمتد المذبحة لو أنه تمكن من تصفية حساباته مع مستضعفي الخرطوم وقياداتها السياسية حسب ما يعتمل في نفسه من جنون وحسابات السلطة واستراتيجياتها التي لا تعرف للشفقة نصيراً.

المأساة أكبر
ونحن لا نريد أن نمضي في هذه الحسابات لأننا نعلم عدد شهداء معركة ام درمان وأن الحكومة تقوم بإنصافهم وتعويض أسرهم ورعايتهم ومعاملتهم كأسر شهداء. كما أن الحكومة لم تنسحب من مسؤولياتها تجاه هؤلاء الشهداء كما فعل هو حيث ترك عائلته وإخوانه وأقاربه في العراء، منهم من أكلته النار ومنهم من ضاع في الصحراء بينما لاذ هو بالفرار ولم يفتح عليه الله بكلمة أو صورة تعين على تحديد مكانه وماذا كان يريد أن يفعل خليل بقوم لا يعرفون طرق الخرطوم وهل يصلح من جاء بهم في إدارة وسياسة الناس وهم لا يعرفون حتى طرق الخرطوم؟
ولكن يا خليل.. المأساة اكبر مما تقول .. المأساة انك غرست (الخنجر) في عائلتك. وعشيرتك.. ومن لم يرحم عائلته وعشيرته هل نرجو منه أن يرحم المساكين.. ومن يغزو باخوانه وابناء عمومته بلده ليعرضهم للتلف.. ماذا سيضيره إن كان القتلى (2500) أم نصف مليون.. والآن ما هو العائد مما فعلت.. ربما قد تكون قد أصبحت (نجماً) في نظر الاستخبارات العالمية.. وفي نظر الاسرائيليين الذين يريدون تدمير السودان وشعبه.. ولكن هل كل ذلك يتفق مع تعليمك وأنت (الطبيب) الذي كان من المفترض أن ينذر نفسه لمحاربة المرض والذي من صميم عمله تخفيف (الألم) ودمل ( الجراح) .. ندعوك للتأمل والتوبة والاستغفار.

نكسة هيكل
وننتقل إلى ما قاله محمد حسنين هيكل عن السودان.. والاستاذ هيكل لمن لا يعرفه ولم يقرأ كل كتاباته لا يجد كلمة واحدة طيبة تجاه السودان والسودانيين .. وهيكل الذي بات يمثل الآن عهد (عبد الناصر) وكان وراء ازمة السودان.. لأن أزمة السودان الحقيقية هي تأييده لعبد الناصر.. وتأييده للمشروع الناصري.. والمشروع الناصري كان وراء نكسة او هزيمة (يونيو 1967م) .. والسودان الآن ياهيكل يدفع فواتير (كامب ديفيد) .. و(كامب ديفيد) هي ابن شرعي وثمرة من ثمرات نكسة (يونيو).. وثمرة من ثمرات المشروع الناصري.. وثمرة من ثمرات (السادات) خليفة (عبد الناصر).. والوريث الشرعي له والذي اختاره عبد الناصر بملء إرادته وجاء بعدها ليتنكر لهيكل .. فماذا كان يريد هيكل لمصر.. هل كان يريد أن تكون الاستمرارية للواء عبد الحكيم عامر وصلاح نصر وللبيسوني والسجن الحربي و(الكرابيج) وامتهان كرامة الإنسان.
ومن الغريب أن يسب (هيكل) دول النفط علماً بأنه يتنفس من خلال دولة من دولها ومن قناة الجزيرة.. ويتنبأ (هيكل) بأن هناك جراحة تتم للسودان ولكنه لا يمضي فيتوسع.. فمِن مَن هذه الجراحة وكيف يمكن تفاديها..وما هي أسبابها.. ولكن (هيكل) ليس مشدوداً للسودان ولكنه مشدود هناك للبنان ومنطقة الشام.. لأنه يرى أن أمن مصر الاستراتيجي هناك في الشام وفلسطين وفي سيناء .. ونقول للأستاذ محمد حسنين هيكل إن الأمر لا يتجزأ.. وأن الأمن القومي كتلة واحدة.. ولذلك فإن أمريكا بمثل ما تفكر في أمن البحر الأبيض المتوسط.. وبمثل ما تفكر في أمن الشرق الأوسط فإنها تفكر في الأمن الأفريقي.. وها هي سبقت تفكيرك بإنشاء قيادة جديدة كاملة متكاملة لأفريقيا.. وأهم ما في هذه القيادة هي رؤيتها للسودان .. والسودان الذي يحاصر ويعاقب ليفكك، إنما ذنبه الأساسي أنه يمثل الحديقة الخلفية لمصر.. وإنما ذنبه الآخر أنه يطل على البحر الأحمر ليمثل البوابة الآمنة لقلب أفريقيا.. وانه يمثل خلفية آمنة لإسرائيل وانه جزء من منظومة الدول المحيطة بإسرائيل.. وذنب السودان الأساسي انه دولة ذات موارد مهولة وأن صوته الإسلامي عال وأن السودان ظل يمثل جسراً للثقافة الإسلامية والعروبة لأفريقيا.. ولكن كل هذه الموسوعة غائبة عن ذهن الأستاذ هيكل الذي يتكلم من حسابات سريعة وعاجلة للفت أنظار العرب نحو الشرق الأوسط ولا يكاد يغشى ويغطي ببصره كل الأفق الاستراتيجي.. ليلتفت قريباً ليرى أن (إسرائيل) خلفه وخلف مصر وهي الآن موجودة في القرن الأفريقي وشرق أفريقيا وفي جنوب السودان وفي تشاد وفي البحر الأحمر.

الايباك والتشاؤم
وفي هذا الإطار كذلك لا بد أن نمر على مسألة المفاوضات (السودانية – الامريكية).. وفي الحقيقة نحن لم نكن ابداً متفائلين بأن يكون هناك حوار (سوداني – أمريكي) حقيقي.. خصوصاً في الأيام السابقة.. ولأن الاسبوع السابق للحوار كان هو اسبوع (الإيباك) أو جماعات الضغط الإسرائيلي واليهودية الامريكية في اجتماعها التاريخي الذي ضم ولأوّل مرة (7 آلاف يهودي) في منطقة واحدة.. يخطب فيهم مرشح الرئاسة الامريكي (ماكين) ويخطب فيهم (أوباما) ثم (كلينتون).. وكانت اجندة هذا الاجتماع العلنية والباطنية.. وان قضية (دارفور) كانت واحدة من القضايا الرئيسية التي ناقشها (الإيباك) وان رئيس كتلة حزب العمال الإسرائيلي صرح قبل هذا الاجتماع ان مبادرة الحوار (السوداني – الامريكي) مبادرة مجهضة ولا مكان لها.. وكان على السلطات السودانية ان تقرأ هذه العبارات مرة ومرتين وثلاثة.. وكذلك كان عليها ان تقرأها في ظل البيان الثلاثي الذي مهره (ماكين) و(اوباما) و(كلينتون) حول قضية دارفور.. والآن يأتي هذا الكلام المبهم والمعمم من المدعى العام (اوكامبو) الذي يذكر فيه ان الحكومة السودانية كلها مسؤولة عن ما سماه بالابادة وجرائم ضد الانسانية في دارفور.. كما تأتينا الانباء ان حركة العدل والمساواة اجتمعت بالسفير الامريكي في تشاد وأبلغته نيتها في غزو الخرطوم لتأخذ مباركته لهذا الفعل الشنيع.

اوكامبو الحاقد
ولنسأل (أوكامبو) هذا الحاقد الغرير ماذا يريد من الحكومة السودانية ان تفعل.. هل تجلس مكتوفة الايدي.. ومن العجيب انه يقول هذا الكلام وهو يرى ان واحدة من الحركات المسلحة تجتاح حتى أم درمان وتقتل أهل السودان حتى في أم درمان، وتجئ المعلومات الموثقة لتؤكد انها مدعومة بتشاد ومدعومة بمن وراء تشاد.. ولكنه لا يتكلم في ذلك كأن في فمه ماء ولأنه يريد ان يصرف النظر عن اتهام العدل والمساواة. ونحن نقول الحوار مهم.. ولكن الحوار (السوداني – الامريكي) يجب ان يدور حول المصالح (السودانية ـ الامريكية) المشتركة. ويجب ان لا يكون هذا الحوار قائماً على مواقف السودان الداخلية.. أو على قضايا سودانية داخلية.. فاذا كانت امريكا هي التي ستصرف قضايا السودان الداخلية.. وهي التي ستحدد كيف سيكون شكل (أبيي) مثلاً.. وكيف سيكون شكل مشروع الجزيرة وكيف سيكون شكل علاقات المركز مع دارفور.. فماذا بقى من الإرادة الوطنية.. وماذا بقى من السيادة.. وماذا بقى للحوار.. فالذي تهدف إليه امريكا ليس حواراً بل إملاء (Dectation).. والمطلوب ليس ولن يكون ابداً الإملاء.. وليست التبعية ولذلك كان من الأوجب ان تحدد اجندة الحوار قبل الدخول في الحوار.

الكيل بمكيالين
ولنسأل لماذا لا تستطيع امريكا ان تفرض على اريتريا مثلاً المصالحة مع اثيوبيا ولماذا تترك لأريتريا هذا الهامش الكبير في ان تجابه حتى القوات الامريكية في الصومال.. وتساند المعارضة الصومالية.. فهل كان سيقبل من السودان مساندة المعارضة الصومالية أو استضافتها.. ولماذا تقبل امريكا ان لا تتكلم مع مصر في تجديد قانون الطوارئ.. أو في محاكمة أيمن نور.. ونحن لا نريد الخوض في هذه الأمور ولكننا نشير إليها لإبراز سياسة الكيل بمكيالين.. وأن امريكا تتلطف مع ليبيا وصالحتها بعد ان اتهمتها بأنها وراء تدمير طائرة (لوكربي).. وها هي (كونداليزا رايس) تنزل ليبيا.. وها هي الشركات الأمريكية تهرول لتحاول إستخراج النفط الليبي.. وتلهث وراء القيادة الليبية.. وها نحن نرى المملكة العربية السعودية تستضيف الرئيس (رفسنجاني) لتؤكد علاقاتها مع إيران رغم التهديد بالويل والثبور وعظائم الأمور لمن يتعاون مع ايران.
ولكن لماذا السودان.. نحن نعلم ان الكيد ضد السودان والعمل ضد السودان إنما هو ضد النفس والمزاج الاسلامي للسودانيين، وضد المشروع الإسلامي، ولهذا فهم يحاولون بكل الطرق تفكيك هذا المشروع سواء كان بسياسات النزول الناعم التي تحدثنا عنها من قبل، أو عن طريق سياسات شد الأطراف أو عن طريق الحصار والعقوبات أو الحرب النفسية أو غيرها كثير.
ولكن.. فان مواقف السودان ستظل ثابتة وصولا إلى وطن موحد يظلله الانحياز الى قيم العدالة والمواطنة وسيبقى محروساً بعد الله تعالى بهمة بنيه وتلاحم مؤسساته ومواقف رجاله الأوفياء في القضايا الإستراتيجية الكبرى.
(smc)[/ALIGN]