جعفر عباس

فاشل في التفلسف


فاشل في التفلسف
[JUSTIFY] اقترح عليَّ معد برنامج تلفزيوني استضافتي ولما سألته عن محاور النقاش قال إنه ستكون بسيطة من شاكلة: اين وكيف نشأت وترعرعت؟ طقوسك في الكتابة.. تجربتك الصحفية، وفلسفتك في الحياة، و، و، و…. قلبت الأمر في رأسي ولم أجد مشكلة في تحديد أين وكيف نشأت، ولكنني لست واثقا من أنني «ترعرت»، فرغم أني لا أعرف ما هي الرعرعة بالضبط فإنها ترتبط في ذهني بالنغنغة، وبما أنني لم أتنغنغ فمن المؤكد أنني لم اترعرع!! هل لي في الكتابة طقوس؟ ما يصير فأنا مسلم ولست من المجوس، ولكنني سمعت كتابا يقولون إنهم لا يستطيعون الكتابة إلا بعد إغلاق الأبواب والنوافذ تفاديا لهروب الأفكار، ومنهم من قال إنه لا يكتب إلا وسيجارة او كوب قهوة في يده.. تجربتي الصحفية ليس فيها ما هو جدير بالرصد والتسجيل، وهكذا بقي السؤال العجيب عن فلسفتي في الحياة.
لحسن حظي كان البرنامج الذي سأشترك فيه على بعد عدة أيام فأمضيت أياما بطولها وأنا أحك رأسي بحثا عن فلسفتي في الحياة، حتى نصحني زميل في العمل باستخدام شامبو مضاد للقشرة فأبلغته أن ما يتساقط من شعر رأسي فتافيت من الفروة وليس قشرة، وسألته عن فلسفته في الحياة فقال إنه يعرف فلسفته في الموت وهي ان يرحل عن الدنيا وسجله نظيف، فقلت له بدوري إن ذلك ما يبتغيه كل إنسان سوي ولكنني أريد منه ان يساعدني في صوغ فلسفتي في الحياة فقال كلاما سخيفا خلاصته: ومالك أنت والحياة يا قليل الحياء.. المهم أنني تعكننت وتعقدت لأنني سمعت وقرأت لكثيرين تكلموا عن فلسفاتهم في الحياة، فكيف أكون أنا بلا فلسفة وقد مارست التدريس والترجمة والصحافة المكتوبة والتلفزيونية وصرت زوجا وأبا؟ هل عشت طوال تلك السنوات وأنا «مدرْوِش»؟
قبل اللقاء التلفزيوني المتفق عليه بدقائق حذرت المذيع الذي سيحاورني: إذا جبت سيرة فلسفتي في الحياة فسأقول على الهواء إنني وأنت اتفقنا قبل دخول الستوديو أن بيننا فلسفة مشتركة تتمثل في حمل السلاح ضد الحكومة، وأصيب قولون صاحبي بحالة هيجان عارمة، ولكنني ساعدته على احتوائها بأن يتفادى هو سيرة الفلسفة وأتفادى بدوري أن «اوديه في داهية».. ولكن ذهني ظل مشغولا لمدة طويلة: ما هي فلسفتي في الحياة، ثم استقر رأيي على أنه ليست لي أي فلسفة في ذلك المجال، لأن حياتي مثل حياة البلايين مثلي تسير في تفاصيلها اليومية بإملاءات الآخرين، وتذكرت مقولة الشاعر إيليا أبو ماضي: لما سألت عن الحقيقة قيل لي/ الحق ما اتفق السواد عليه.. والسواد هو الجمهور وفي حالتي فسوادي مؤكد لأنني سوداني.. منذ أن ولدت وعبارات من نوع: عيب.. تمام.. غبي.. جدع.. حمار.. رائع.. تلاحقني وفي المراحل التعليمية خضعت لفلسفة تعليم أعرج، وفي الحياة العملية صرت رهينة للوائح تسبب إعاقات ذهنية.. وكلما حاولت الاحتجاج على أمر اعتبره خطأ تذكرت مقولة عادل إمام «وانت بتفهم أكتر من الحكومة»؟.
أريد أن أعيش حرا وموفور الكرامة وأن أضمن «أكل عيشي»، وأتمنى لو صرت مثل غيفارا وأشعللها في كذا بلد يعاني أهله من الظلم والحرمان، ولكنني جبان، وعلى كل حال فهذه أشياء مشتركة بيني والمليارات من بني البشر مما يؤكد مرة أخرى أنني بلا فلسفة خاصة، بس أجمل ما في الموضوع أن المسألة لم تعد «تفرِق» معي
[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]