تحقيقات وتقارير

أسفار البشير … حكايات لاتنتهي


لا شيء يشغل معظم المواطنين هذه الأيام سوى سفر وعودة الرئيس عمر البشير من الخارج، حيث لم تحظَ زيارات البشير منذ مجيئه الى السلطة في الثلاثين من يونيو عام 1989م، بكل هذا الإهتمام والجدل مثلما يحدث الآن.
ولم تخلُ الصحف المحلية أو الوكالات الأجنبية أوالقنوات الفضائية طيلة الفترة القصيرة السابقة من إيراد الأنباء والتقارير المتناقضة عن خارطة زيارات البشير الخارجية، خاصة رحلته الأخيرة التي زار خلالها العاصمة القطرية الدوحة للمشاركة في القمة العربية الحادية والعشرين، وتعرض صحافيو الأخبار والمراسلون في الصحف المحلية والأجنبية لأسوأ الاوقات في سياق بحثهم عن المعلومات بشأن موعد سفر أو عودة الرئيس البشير، وأوقع الأمر بعض الصحف المحلية في ورطة التنبوء أو الاعتماد على مصادر أنباء .
ويري أستاذ الاعلامي والصحفي محمد محجوب أن المسؤولين كان يمكن لهم ان يجيبوا الصحفيين بشأن سفر البشير، بمصطلحات معروفة في عالم الاعلام والسياسية على شاكلة « لا تعليق» او « لم يحن الوقت بعد» أو «هناك ظروف لا تسمح بالتصريح».
من جهته، يرى محمد الطيب مراسل البي بي سي في الخرطوم، أن وسائل الاعلام رغم محاولاتها المستمرة لتأكيد المعلومات والتحقق من مصداقيتها قبل نشرها، لكنها رغم ذلك إبتلعت الطعم ، وقال لـ» الصحافة» أمس انه توجه بالسؤال الى اكثر من مسؤول حول امر إخفاء أو تغيير مواعيد رحلات البشير الخارجية، ووجهتها، الا ان الرد إنحصر في أن الامر جرى بسبب دواعي امنية.
لكن الطيب يقول إن وسائل الاعلام نجحت في التعرف على الرحلتين الاولى والثانية للبشير الى اسمرا والقاهرة، لكن المفاجأة كانت في سفر الرئيس الى ليبيا، حيث سربت المعلومات لوسائل الاعلام بطرق مختلفة، حيث كانت معظم المعلومات تتحدث أن الرحلة ستكون الى اثيوبيا وهي لم تتم حتى الآن.
وقال نائب رئيس صحيفة «آخر لحظة» الهندي عز الدين في عموده أمس الاول إن الصحيفة أعتمدت على تصريح « مؤكد» من مسؤول رفيع في وزارة الخارجية لتخرج على جمهورها العريض داخل وخارج السودان بمانشيت حول قيادة نائب الرئيس علي عثمان لوفد السودان المشارك في القمة العربية، وقال إنهم غير نادمين على نشر ذلك» المانشيت» .
ولا تقتصر قصة رحلات البشير الذي تحدى ملاحقة مدعي محكمة الجنايات الدولية لويس اوكامبو، على وسائل الاعلام، فقد انتقلت إلى مراكز دراسات وبحوث الرأي العام، إذ أجرت المنظمة السودانية لدراسات المجتمع وقياس اتجاهات الرأي العام، إستطلاعا رفض فيه اغلبية المشاركين سفر الرئيس للخارج معتبرين ان من شأن ذلك أن يمثل خطورة شديدة.
وذهب الامر الى أبعد من ذلك، حيث أصدرت هيئة علماء السودان فتوى دينية تحظر على الرئيس البشير السفر إلى خارج السودان لحضور القمة العربية في الدوحة.
وجاء في الفتوى أنه لا ينبغي له المشاركة في القمة «لأن أعداء الأمة يتحركون في كل مكان»، وجاء في نص الفتوى ان « من غير المقبول بالنسبة إلى رئيس الجمهورية المشاركة في قمة الدوحة في ظل الظروف الحالية».
لكنَّ إثنين من المسئولين في رئاسة الجمهورية اعتبرا أن مشاركة الرئيس عمر البشير ألجمت الكثير من الألسن التي كانت تراهن على عدم حضوره لقمة الدوحة، وقال كل من عبد الله مسار مستشار الرئيس والفريق الهادي عبد الله القيادي في المؤتمر الوطني لـ» الشرق» القطرية أمس ان سفر البشير ألجم مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية لويس اوكامبو الذي ظل يطلق التهديدات بأن الرئيس سوف يعتقل حال سفره للخارج وانه لا يستطيع سوى السفر الى الدول القريبة من السودان مثل اريتريا ومصر وليبيا.
وغير الصحف المحلية والمراسلون، فإن مجالس الأنس العديدة باتت تلتئم وتنفض على سيرة رحلات البشير الخارجية، واضيفت تلك السيرة الى احدى مواضيع «الونسة» لتنضم الى مواضيع سبل العيش وكرة القدم كما قيل إنه بات لا يلتقي إثنان الا ويتحول الكلام عن سفر البشير بعد الاطمئنان على الأحوال.
ويعتقد أستاذ في علم الاجتماع ان موضوع سفر البشير تحول الى ما يشبه الظاهرة في الوقت الحالي، حيث ان كل شرائح المجتمع تتحدث عن سفر البشير، واعتبر أن السياسة اختلطت بالاجتماع فيما يتعلق بهذا الموضوع.
خالد سعد :الصحافة