تحقيقات وتقارير

الصندوق الأسود لمستشفى بحري ..حـقـائـق تحت الركـام (1)


[JUSTIFY]تقول الحكمة: الرجل المناسب في المكان المناسب، ولكن عدم الالتزام بهذا المبدأ في مستشفى الخرطوم بحري التعليمي جعله عرضة لناهبي المال العام، فمعظم العقود التي أدير بها المرفق تمت مع شركات ليست لها خبرة في المجال المحدد بل إن بعض الشركات أنشئت قبل عدة أشهر خصيصاً للقيام بالمهمة المعينة، والأدهى أن رأس مالها من الضعف بما لا يمكنها من إدارة سوبر ماركت في حي متواضع سواء كانت ممن أدير عبرها الجناح الخاص أو تلك التي تدير المركز التشخيصي المتطور، ولن ننسى التي شيدت المجمع الجراحي. ولما كان الصندوق الأسود مستودعاً للحقائق تتجلى بكشفه تفاصيل أحداث مهمة تقل فيها درجة الوضوح والشفافية، بحثنا في الصندوق الأسود لمستشفى الخرطوم بحري لنكتشف خبايا وأسراراً ووريت الثرى تستأصل صحة المواطن السوداني من جذورها، فنفض عنها الغبار سننشرها تباعاً.
الحال أعلاه ينطبق على الشركة التي أدارت أحد استثمارات المستشفى وهو جناح الشهيد عوض السماني الخاص.. هذه الشركة كيف تحصلت على عقد مناقصته؟ وهل كانت تملك القدرة الفنية المالية لإدارته؟ والتصديق من الجهة المسؤولة عن إدارة المؤسسات العلاجية الخاصة بوزارة الصحة؟ وماذا فعلت؟ ومن وراءها، وأسئلة أخرى نجيب عليها بالمستندات .

(سمكير) تقول مستندات تمديد عطاء تشغيل الجناح أن مدير عام مستشفى بحري يرغب في التعاقد مع شركات وبيوت خبرة أو أفراد مقتدرين مالياً وإدارياً لتشغيل هذا الجناح، وورد في كراسة العطاء شرط أساسي لقبول المتقدمين وهو: إرفاق شهادة تسجيل للشركة وسيرتها الذاتية مع كشف بالأعمال المشابهة على أن توضح الإمكانيات المادية والفنية و الإدارية التي تؤهلها لإدارة المستشفيات ومن ثم تشغيل الجناح الخاص- مستشفى الخرطوم بحري التعليمي 2010، لكن نتساءل: هل تم عطاء حقيقي لتحقيق الأهداف المرجوة من تأجير الجناح، وما هي الشركات التي تقدمت لهذا العطاء؟

الإجابة تقول إنه أعلن للعطاء بشكل صوري ومهد الطريق لـ (عصبة) لها صلة بذوي نفوذ رغبت بإحكام سيطرتها على استثمارات مستشفيات بحري والخرطوم وأم درمان وكان لها ما أرادتـ فالشركة التي فازت دون غيرها بجناح بحري الخاص هي شركة تدعى (سمكير) للأنشطة المتعددة، كل ما تقدمت به خطاب لمدير عام المستشفى ليست به نمرة أو تاريخ ويحوي عرضها الخاص بتشغيل الجناح في شكل (12) فقرة منها: أنها ستدفع إيجاراً شهرياً قيمته (100) ألف جنيه بمقدم (4) أشهر وستبدل الأثاث بآخر فاخر وستشيد صالة ضخمة لانتظار المرضى وستؤهل الحديقة الغربية وتوسع الكافتريا، وأخيراً ستستجلب كوادر أجنبية.
وتحول الجناح تدريجياً لمركز تخصصي للجراحات والتخصصات الدقيقة فكيف يمكن لها أن تنجز هذه الأعمال وخصوصاً الفقرة الأخيرة، الشركة لم تورد سيرة ذاتية ولم تقم بأي عمل مشابه بل ليس لها حتى تصديق من وزارة الصحة – إدارة المؤسسات العلاجية الخاصة لممارسة العمل الطبي، ودليلنا على ذلك أنها سجلت لدى مسجل أسماء الأعمال وفقاً لقانون تسجيل أسماء الأعمال لسنة 1931برقم (35724) بتاريخ 15 نوفمبر 2009 أي قبل شهر ونصف الشهر من آخر يوم للتقديم للعطاء وهو السابع من شهر يناير من العام 2010، وهذه المعلومة وردت في العقد الذي وقع بين إدارة المستشفى ممثلة في مديرها العام دكتور الطيب عبد الرحمن علي كطرف أول بجانب ممثل الشركة وتدعى نادية محمد عطية خير كطرف ثانٍ، وحسب العقد أنه أبرم بمدينة بحري في الأول من شهر أبريل لسنة 2010 بين مستشفى الخرطوم بحري كطرف أول وشركة (صم كير) للأنشطة المتعددة المحدودة.

والناظر لهذه الفقرة يجد أن الشركة باشرت إدارة مؤسسة صحية بعد أربعة أشهر من إنشائها أي أنها لا خبرة لها في المجال على الإطلاق. ويلاحظ التغيير الواضح في اسم الشركة حيث الاسم الأصلي هو (سمكير) وليس (صم كير) كما هو في العقد، فهذا الاسم اتضح لاحقاً أنه لم يسجل من قبل، فتقول إفادة من المسجل التجاري لقاضي محكمة بحري الجزئية وسط بتاريخ 11 نوفمبر 2013: بعد البحث في سجلاتنا لم نجد ما يشير إلى تسجيل الاسم المذكور كشركة أو اسم عمل مما يتعذر معه إفادتكم بالمطلوب.

وتنص نفس الفقرة من العقد على ان الشركة المسجلة لدى مسجل عام أسماء الأعمال وبالبحث عن شركة سمكير نجدها تحمل نفس الرقم ولكن تم التحايل في العقد باسم مختلف لشيء في نفس يعقوب.

وتتضح أركان اللعبة تدريجياً عندما ضربت إدارة المستشفى عرض الحائط باشتراطاتها الخاصة بأن يكون مشغل الجناح ذو مقدرة مالية حيث إن رأس مال الشركة والبالغ (50) ألف جنيه لا يكفي لشراء جهاز موجات صوتية واحد ناهيك عن إدارة مستشفى علاجي أما الإمكانات الفنية فلا توجد على الإطلاق، والسؤال الذي يطرح نفسه من الذي اختار هذه الشركة وهي لا تملك أدنى المقومات الموجودة في كراسة العطاء؟

الست المديرة أما الفقرة التالية من العقد فتوضح لنا كيف بلغ الاستهتار بالمرافق العامة الصحية الخدمية والوقوف حجر عثرة أمام تطورها بل تكبيلها واحتكارها حيث ورد في بند التزامات الطرف الأول الفقرة (3) الآتي: يلتزم الطرف الأول (أي المستشفى) بعدم منح أو إيجار
قطعة أرض أو مبنى أو الدخول في شراكة مع أي شركة أو بيوت خبرة أو أفراد أو أسماء أعمال لتقديم أي نوع من الخدمات الطبية يقوم الجناح الخاص بتوفيرها للمرضى من تاريخ توقيع العقد، وهذا يعني بلا شك أن الشركة احتكرت وقيدت تطوير المستشفى.
وجاء في العقد في بند التزامات الطرف الثاني فقرة(3): أن يلتزم الطرف الثاني بدفع الأجرة الشهرية وقدرها (100) ألف جنيه، وأن يلتزم بسداد فاتورة استهلاكه من الماء والكهرباء والخدمات الأخرى. لكن ما حدث أن الشركة منذ استلامها الجناح الخاص لم تدفع جنيها واحدًا مقابل صرفها للكهرباء وكانت المستشفى هي التي تدفع هذه الفاتورة التي يبلغ متوسطها (50) ألف جنيه شهرياً ولم تلتزم كذلك بدفع مستحقات الإيجار حتى فاق جملة المطلوبات المالية منها (4) مليارات جنيه.

وما يدعو للاستغراب والحيرة أن الشركة مكثت فترة السنوات الثلاث تراهن علنًا بأكلها للمال العام بعدم تسديد استهلاكها من الكهرباء والخدمات الأخرى الذي ظلت المستشفى تسددها خصمًا على تقديم خدماتها وتطورها رغم أن دخلها من تنويم المرضى والعمليات شهرياً يفوق (500) ألف جنيه.
وعندما أمنت الشركة عدم المساءلة أطلقت شائعات بأنها تتبع لجهاز الأمن وهي خطة تحايل محكمة بدأت منذ تأسيس الشركة ويظهر ذلك جلياً في بنود العقد الذي يظهر لامبالاة الطرف الأول وعدم توخي الدقة من المستشار الذي يتبع للوزارة او المستشفى الذي أبرم العقد.

ودليل آخر على اللامبالاة هو استخدام هذه الشركة ترويسة وزارة الصحة واسم المستشفى في معاملاتها وتعاقداتها، ولا ننسى أنها فتحت حسابات تديرها بنفسها باسم وزارة الصحة والمستشفى الجناح الخاص في عدد من البنوك دون رقيب ولا حسيب، فحسب خطاب صادر منها لإدارة العلاج الموحد بديوان الزكاة أنها تفوض من يدعى إيهاب محمد بشير لاستلام الشيكات الخاصة بالجناح الخاص بمستشفى بحري مما يجعلنا نتساءل ما هو مصير هذه الحسابات؟ وهل هنالك شيكات أصدرتها الشركة من قبل ما زالت مستحقة الصرف؟ ومن سيكون المسؤول عنها؟ وما مصير مستحقات العاملين في التأمين الإجتماعي بعد خصم مبالغ طائلة من العاملين بحجة التأمين عليهم، إلا انها لم تورد.

وما يمكن الإشارة إليه أن الشركة استخدمت موقع الجناح لأغراض أخرى لم ينص عليها في العقد حيث خصصت داخل الجناح موقعًا لإحدى المنظمات الطوعية ألا وهي منظمة العون الإنساني المتواصل.
وبعد إصرار الشركة المستميت في عدم دفع المطلوب من الإيجارات المستحقة عليها قامت المستشفى باستخدام حقها الذي منحته لها الفقرة (2) من العقد والتي تقول بأنه (يحق للطرف الأول تكوين لجنة فنية مشتركة مع الطرف الثاني للحصر ولمتابعة العمل الفني وتكون ملاحظاتها ملزمة له)، وتم تكوين هذه اللجنة بعد مضي ثلاث سنوات ليس للمتابعة ولكن للمساءلة تحمل معها تفويضاً من المدير العام وضمت كلاً من مدير الورشة الطبية والهندسية والمدير الطبي والمدير الإداري والمدير المالي ومدير المراجعة الداخلية والمدير الأمني، وكانت هذه اللجنة برئاسة طبيب استشاري في درجة قيادية من إدارة المستشفى، وبعد ذهاب تلك اللجنة للجناح والجلوس مع مديرة الشركة التي تدير الجناح كان ردها صادماً ألقت خطاب المدير العام الذي كان بحوزتهم في وجوههم وردت عليهم قائلة: (دي مسخرة) وأنها لا تعترف بما ورد في هذا الخطاب.

الإخلاء بالقوة وبما أن العقد ينص على أن يحال أي صراع ينسب بين الطرفين إلى التحكيم قامت مستشفى بحري بقيد إجراءات بالرقم (1811/ 2011م) أمام محكمة بحري الجزئية وكونت هيئة للتحكيم وتقدمت المستشفى بعريضة دعوى أمامها وانعقدت إحدى جلساتها بمستشفى بحري وبحضور مديرها العام د. أحمد يعقوب والذي أبدى موافقته على سير إجراءات التحكيم والتزم بسداد أتعاب المحكمين.
وفي يوليو 2012 أرسل خطاب من مكتب وزير العدل للشركة بإخلاء المبنى إلا أنها ظلت تماطل وبتاريخ 9 سبتمبر 2012، ردت الشركة على طلب إخلاء الجناح الخاص بأنه لا يوجد أي سبب قانوني لتقديم هذا الطلب لوجود إجراءات التحكيم بإشراف محكمة مستدركة بقولها إن كانت هنالك دعوى فإن المادة 30 من قانون الإجراءات المدنية لا يسمح برفع دعوى لنفس السبب وبالتالي لا يوجد مسوغ قانوني لهذا الطلب.
وواصلت الشركة التحايل وبتاريخ 15/3/2013، قامت بتغيير اسمها إلى شركة (زاس) العالمية للهندسة بشهادة تحمل رقم: ش/ 35724 دون أن تعلن إدارة المستشفى بهذا التغيير، وظلت تخاطب إدارة المستشفى بالاسم القديم وكان تغيير اسم الشركة بداية للخطوة التي تليها وهي تصفية الشركة اختيارياً حتى تضيع الديون المستحقة عليها.

بالرغم من أنه كان يمكن فسخ العقد بالإرادة المنفردة فورًا وذلك حسب ما جاء في العقد الشروط الجزائية فقرة (1) والتي تنص في حالة عدم التزام الطرف الثاني (الشركة) بدفع الأجرة في التواريخ المحددة في التزاماتها بدفع 1% من قيمة الأجرة الشهرية عن كل يوم تأخير وإذا جاوز التأخير خمسة وأربعين يوما يحق للطرف الأول فسخ العقد بالإرادة المنفردة أثناء فترة التعاقد دون إعذار أو إنذار للطرف الثاني لكن لم تستخدم إدارة المستشفى أو حتى وزارة الصحة هذا الحق حتى كان الإنذار القانوني للشركة بتاريخ 25 أبريل 2013 يهددها بالإخلاء الجبري حال عدم الوفاء بسداد التزاماتها المادية.

وبتاريخ 1/7/2013 وبناء على قرار وزير العدل بتاريخ 20/6/2013 وعملاً بسلطاته الواردة بقانون إخلاء المباني العامة لسنة 1969ولإعمال نص المادة المادة 3 من قانون إخلاء المباني العامة لسنة 1969 أخلي المبنى وعند الاخلاء لم يتواجد به أحد من مسؤولي الشركة التي لم يكن لها مقر أصلاً.
وبعد قرار وزير العدل بالاخلاء استمرت الشركة في خطتها بعدم دفعها لمستحقات الإيجار والكهرباء والملحقات الأخرى فشرعت في إجراءات التصفية بواسطة محامٍ، وظهر الإعلان بصحيفة الرأي العام بتاريخ 12-9-2013 وأرسل المصفي الذي تم تعيينه وبكل استخفاف خاطب إدارة الجناح الخاص مطالبًا بتسليمه أصول الشركة التي بطرفه ولم يأخذ في باله ما جاء في العقد من شروط جزائية فقرة (2) في حالة فسخ العقد قبل انتهاء فترة التعاقد لإخلال الطرف الثاني بالتزامه الخاص بدفع الإجرة تؤول المباني و الأجهزة الواردة في خطة التطوير للطرف الأول دون دفع أي مبالغ عنها.

من المحرر هنالك حديث يدور عن علاقة ما تربط هذه الشركة بشركة أخرى كانت تستأجر القسم الخاص بمستشفى الخرطوم والمستأجرة لمستشفى البقعة التخصصي التابع لمستشفى أم درمان التعليمي والتي قامت بتأجيره لشركة من الباطن تسمى (سابينا)، ويلاحظ تشابه السيناريو المطبق وتزامن استئجار هذه الأجنحة وعدم التزام كلٍ بدفع الإيجار والمستحقات الأخرى، وبما أن وزير الصحة بروفيسور مامون حميدة كان قد اتخذ إجراءات ضد شركة (باجعفر) والتي كانت تدير الجناح الخاص بمستشفى الخرطوم لإلزامها بسداد مبلغ (1.227.130) جنيه بجانب سداد استحقاقات الكهرباء والمياه والخدمات الأخرى فإننا نتساءل عن إغفاله توجيه مستشار وزارته القانوني لاتخاذ الإجراءات اللازمة ضد شركة (سمكير) سابقاً و(زاس) العالمية الهندسية لاحقاً والتي تستعد للتصفية، ونتساءل لماذا لا يحول الأمر للمحكمة التجارية والتحقيق الفعلي والجاد مع الذين أبرموا هذه العقود التي تشتم منها رائحة غير كريمة.

صحيفة الصيحة
تحقيق: نبوية سرالختم
ع.ش[/JUSTIFY]


تعليق واحد