تحقيقات وتقارير

غرايشن فى الخرطوم …لغة مغايرة فى الحوار !!


تتصدر زيارة سكوت غرايشن المبعوث الشخصي للرئيس الأمريكي للسودان، عدة ملفات أبرزها قرار الحكومة بطرد 13 من منظمات الإغاثة العاملة في دارفور، إثر صدور مذكرة الاعتقال بحق الرئيس عمر البشير، إلى جانب التعرف على الأوضاع الأمنية في الإقليم وسبل إحلال السلام، وذلك حسب ما أعلن من العناوين الرئيسية لمهمة المبعوث الامريكي في الخرطوم.
لكن المبعوث الذي عينه أوباما في مارس الماضي، أضاف في تصريحاته أمس موضوعا جديدا في أجندته المعلنة، حيث أعلن أن بلاده ترغب في تعزيز العلاقات مع الخرطوم، وقال في ختام لقاء مع وكيل وزارة الخارجية مطرف صديق ان الولايات المتحدة والسودان يريدان أن يكونا شريكين ونحاول إيجاد الفرص لتعزيز علاقاتنا الثنائية.
وقد أثارت تصريحات المبعوث الامريكي، دهشة المراقبين الذين كانوا يتوقعون لهجة أكثر حدة، خاصة فيما يتعلق بقرار طرد الحكومة لمنظمات الاغاثة الدولية، أو على الاقل تلميحات تشير الى أن واشنطن ترغب في ممارسة مزيد من الضغوط على الخرطوم من أجل الموافقة على استئناف أنشطة المنظمات المبعدة بدارفور.
وغير اللغة التصالحية التي تحدث بها المبعوث الامريكي، يبدو لافتا للانتباه، أن غرايشن تجاهل الحديث عن قرار محكمة الجنايات الدولية بحق الرئيس البشير، لكن مراقبين يعتقدون انه ليس من الضروري أن يكرر في زيارته الأولى للبلاد موقف الإدارة الامريكية في هذا الخصوص، وربما حرص غرايشن على عدم إثارة الموضوع «علنا» كي لا يغضب مستضيفيه، خاصة وأن واشنطن تعلم موقف الخرطوم المتصلب إزاء قرار توقيف البشير، فضلا أن الولايات المتحدة اصلا ليست هي الطرف الأكثر حماسة لموضوع المحكمة الجنائية، إذ أن المتحدث بالبيت الابيض صرح قبل اسبوع أن بلاده ليست ملزمة قانونيا بتنفيذ قرار توقيف البشير.
وبعيدا عن إسلوب المهادنة الذي اتبعه المبعوث الجديد، فان إعلان رغبة بلاده في تطوير علاقتها بشكل ايجابي مع الخرطوم، يثير تساؤلات بشأن إن كانت الخطوة استراتيجية جديدة للولايات المتحدة في التعامل مع السودان، أم هي سيناريو تكتيكي يعتمد «المرونة»، إبتدره المبعوث الجديد للحصول على فرص أكبر للتعرف على الاوضاع في البلاد عقب صدور مذكرة التوقيف.
يقول أكثر المتفائلين بإمكانية تحسن العلاقات بين الخرطوم وواشنطن، أن هنالك قضايا كبيرة ما تزال تمثل عقبات في طريق تعزيز علاقة البلدين، أبرزها الأزمة بدارفور، وما يعترض تنفيذ اتفاق السلام الشامل، واخيرا تأييد الإدارة الامريكية لقرار محكمة الجنايات الدولية.
ويشار في هذا الخصوص الى أن الولايات المتحدة كانت هي الطرف الذي اوقف الحوار مع الخرطوم عقب آخر لقاء بين الطرفين في يونيو 2008م بالنادى الدبلوماسى بالخرطوم، عندما رأس الجانب الحكومي مساعد رئيس الجمهورية د. نافع علي نافع فيما رأس الجانب الأمريكى ريتشارد وليامسون مبعوث الرئيس السابق، وأعلن وليامسون أن الحوار توقف بسبب المواجهات العسكرية الطاحنة التي شهدتها منطقة أبيي.
لكن الذي يحصل الان، ان واشنطن هي الراغبة في استئناف الحوار مع الخرطوم وتعزيز علاقتها بالبلاد وفقا لما اعلنه مبعوث اوباما أمس، وهو موقف في يثير الشك والريبة في آن، إذ يتناقض هذا الامر مع موقف الادارة السابقة في البيت الابيض والتي كانت تتخذ مواقف متشددة إزاء الخرطوم، خاصة فيما يتعلق بأزمة دارفور.
ويشار الى أن إدارة بوش السابقة قد تجنبت التدخل العسكري المباشر منذ نشوب الأزمة في دارفور، فيما ظلت إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب باراك أوباما تتعرض لمطالبات مجموعات الضغط المؤثرة مثل تحالف إنقاذ دارفور ومنظمة كفاية، لأن يتحرك بسرعة لينجز تعهدات حملته الانتخابية بأن يتخذ إجراءً أكثر قوة.
بيد ان المراقب للسياسة الأمريكية الخارجية التي اعلنتها وزيرة الخارجية هلاري كلينتون وأطلق عليها» القوة الذكية» بديلا لسياسة» العصا والجذرة»، قد يجد إجابة لتصريحات المبعوث الامريكي سكوت غرايشن، خاصة وأن كلنتون أعلنت أن سياستها الجديدة والتي تستند الى الآليات «البراغماتية والديبلوماسية»، متعهدة «نمطاً مختلفاً» للتعامل مع الأزمة في دارفور، ويأتي في هذا السياق، إعلان الرئيس باراك اوباما أن استراتيجيته بشأن التعامل مع السودان تتركز حول تنشيط اتفاقية السلام الشامل، والبحث عن آلية لإجراء مفاوضات بين الحكومة والحركات المسلحة، وعودة المنظمات الانسانية لدارفور، وقال في لقائه الاسبوع الماضي بمبعوثه قبل أن يصل الى الخرطوم، ان مهمة مبعوثه ستكون صعبة، وأن تطبيق هذه الاستراتيجية سيكون عملا شاقا ويستغرق وقتا طويلا.
ويجئ كل ذلك متفقا مع رؤية المسؤول السابق في هيئة المخابرات اللواء متقاعد حسب الله عمر، الذي أبلغ «الصحافة» احتمال أن تكون إدارة أوباما الجديدة، موضوعية في التعامل مع الخرطوم، معتبرا أن واشنطن تعي الأهمية الاستراتيجية للبلاد في المنطقة.
لكن بعض المراقبين الذين أدهشتهم تصريحات المبعوث الامريكي، يرجحون أنها خطوة تكتيكية أو مرحلية تتعلق بظروف البلاد الاستثنائية جراء قرار محكمة الجنايات الدولية، وان الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة الامريكية تتبع خطوات مفاجئة ولكنها لا تمل من الانتظار من اجل النتائج التي ترغب فيها.
وفي هذا السياق، يعتقد مهتمون بشأن علاقات البلدين، أن الادارة السابقة ترغب في إعادة هيكلة النظام بإبعاد ما تعتبرهم «عناصر تعمل على تعطيل تنفيذ اتفاق السلام الشامل، ، وهو ما عبر عنه بشكل اخر في اكثر من مناسبة مساعد رئيس الجمهورية الدكتور نافع علي نافع الذي اتهم الولايات المتحدة الامريكية بالسعي لتغيير هيكلة النظام في الخرطوم.
ولم يستبعد المحلل الاستراتيجي الدكتور حسن مكي، تأييد واشنطن لعملية هيكلة جديدة على النظام، وربط في حديث مع «الصحافة» بين اتهامات المحكمة الجنائية للرئيس البشير، وما وصفها بمحاولة تنفيذ «جراحة كبيرة» في النظام الحاكم بالخرطوم، مشيرا الى أن القوى الدولية ترى أن الرئيس البشير أصبح صوته عاليا وبات ترياقا مضادا للتدخل الدولي، وبوجوده المآلات لن تصل الى نهاياتها، خاصة بشأن الهندسة التي طرحت في اتفاقية «نيفاشا»، معتبرا أن القوى الدولية غير متعجلة، لذلك قد لا تبدي هذه النوايا في هذا الوقت.
لكن اللواء المتقاعد حسب الله عمر، مدير مركز دراسات الإسلام المعاصر، قلل من امكانية لجوء الادارة الجديدة الى تفكيك او ازالة النظام في الخرطوم، ورأى انه موقف أفراد ومجموعات صغيرة لكنه ليس سياسة دولة، لكنه حذر في الوقت نفسه من ان تتاح الفرصة لجماعات الضغط لاستخدام آلية الادارة الجديدة في تصرفات غير مسؤولة.
كما يرى محللون أن موقف واشنطن الجديد نحو الخرطوم، على صلة بالزيارة التي تقوم بها هذه الأيام قيادات بارزة في الحركة الشعبية لواشنطن، خاصة وان الوفد التقى بمبعوث الرئيس باراك اوباما قبل وصوله الخرطوم، حيث بحث الطرفان عملية سير اتفاقية السلام الشامل، وتأثير الأزمة المالية العالمية على الاوضاع الاقتصادية بالجنوب.
ويعتقد مراقبون أن وفد الحركة الشعبية قد أقنع الادارة الامريكية بعدم ممارسة مزيد من الضغوط على الخرطوم بعد قرار توقيف الرئيس البشير، خشية التأثير على تنفيذ اتفاقية السلام، لكن آخرين يرجحون التوصل الى تفاهمات بين الطرفين، قد تصل الى بناء سيناريو جديد فى علاقات البلدين.
خالد سعد :الصحافة