تحقيقات وتقارير

النيل “خط أحمر” تحذيرات من كارثة صحيّة بيئيّة نتيجة ازدياد معدلات التلوّث البيئي


[JUSTIFY]المعلومة قديمة ولا جديد فيها؛ تلوث البيئة يؤدي إلى الإصابة بالعديد من الأمراض مثل (السرطانات والحساسيات المختلفة)، بيد أنّ ما يفاقم الأزمة حسب خبراء في المجال، التلوّث الكيميائي الناجم عن مخلّفات المصانع المنتشرة بالبلاد، وتفرق دم الرقابة والمتابعة لتلك المصانع بين الوزارات والمؤسسات الحكوميّة، ما ينتج عنه ضعف في متابعة تنفيذ القوانين والتشريعات الخاصة بالضوابط والاشتراطات الصحية، التي تحكم عمل المصانع فيما يتعلق بالأثر الصحي البيئي.

حسناً، في راهن الأزمة فإنّ تخوفات وزارة الصحة الاتحادية؛ المتمثلة في تدهور الغطاء النباتي، بجانب ضعف نظم التصدّي لتداعيات التغيّر المناخي الذي لم يسلم السودان من آثاره السالبة، تمثل قمة جبل الجليد، باعتبار أنّ الغطاء النباتي يشكل توازنا بيئياً بين الانبعاثات الغازية والأكسجين الذي تنتجه النباتات.. هذا من جانب، أما عدم التزام المصانع بدراسات الأثر البيئي فيمثل النصف الآخر من المعضلة. يقول مصعب برير مدير إدارة تعزيز الصحة بوزارة الصحة الاتحادية إن عدم الالتزام يؤدي إلى كارثة صحية لأن هذه المصانع تفرز العديد من المخلفات الكيميائية والصلبة، خاصة أن أغلب الصناعات بالبلاد صناعات تحويلية تستخدم موادا كيميائية تتسبب في تلوث المياه مثل مصانع (الصابون، البطاريات، ودباغة الجلود …إلخ)، ويتهم مصعب في تصريح لـ(اليوم التالي) قطاع المصانع بعدم الالتزام بدراسات الآثار الصحية والبيئية المنصوص عليها في قانون صحة البيئة لسنة 2009، قبل أن يطالب بمراجعة مسؤولية صحة البيئة بالمحليات، لافتاً إلى الحاجة لتكامل المسؤوليات على كافة المستويات؛ (الاتحادية، الولايئة والمحلية)، مبيّناً أنّ التردّي في صحة البيئة لا يعرف الحدود، ولابدّ من قيام كل جهة بمسؤولياتها لضمان بيئة صحية وآمنة.

إلى ذلك اعتبر خبراء في صحة البيئة أن وجود العديد من الجهات ذات الصلة بالمصانع يؤثر على الرقابة عليها وضبط المخالفات البيئية التي ترتكبها. حيث كشف محمد عبد الماجد عضو اللجنة الفنية للأنشطة الصناعية بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس خلال حديثه بمنتدى المستهلك الأسبوعي (السبت) حول (الأثر الصحي والبيئي للصناعة.. صناعة الجلود نموذجا).. كشف أن الأزمة الحقيقية تتمثل في عدم وجود متابعة لصيقة لتطبيق الاشتراطات، إضافة إلى عدم اهتمام جهات بعينها بالاشتراطات وتركيزها على (الرسوم) فقط، محذراً من كارثة صحية بيئية نتيجة ازدياد معدلات التلوث البيئي في مياه النيل والأراضي الزراعية، وأشار إلى وجود (18) مدبغة يتم التخلص من مخلفاتها السائلة التي تحوي موادا كيميائية (كالكروم وغيره من المواد) دون معالجة للمياه الناتجة عنها والمحملة بالسموم إلى المصارف وتصب في النيل مباشرة منذ سنوات.

في ذات المنحى، أكد مصعب برير التزام وزارة الصحة القيام بدورها في تعزيز خدمات صحة البيئة لمنع التأثيرات الصحية السالبة جراء تدهور البيئة، داعياً الولايات لتوفير البنى التحتية والتشريعية والهيكلية الأساسية لتقوية التدخلات الروتينية لصحة البيئة بالولايات والمحليات والقرى والفرقان، مشيراً إلى أن اليوم العالمي للبيئة والذي يصادف (يوم 5 يونيو تحت شعار “ارفع صوتك.. لا مستوى سطح البحر” يعتبر فرصة ذهبية لمراجعة فاعلية الجهود التي تبذل لصيانة البيئة وإعداد العدة لمواجهة التحديات المتصاعدة من الملوثات التي تهدد التوازن البيئي وصيانة الغطاء النباتي وتحقيق سلامة الموارد المائية والغذائية.

بالعودة لمخلفات المدابغ وأثرها المباشر المتمثل في الانبعاثات (الروائح الكريهة) وهي إحدى المشكلات التى يعاني منها السكان في المناطق التي تقع في محيطها، مثل منطقة (الباقير والرميلة) حيث يشتكي سكان تلك المناطق من الروائح المنبعثة من هذه المدابغ، لكن البروفيسور أبو سالمة خبير صحة البيئة ومستشار مدبغة الباقير، ينفي وجود إصابة بالأمراض نتيجة الروائح، إلا أنه أقر بأنها مزعجة وغير مقبولة، مبيناً أنهم يستخدمون تقنيات حديثة في التخلص من المخلفات.

وأشار محمد عبد الماجد، من المواصفات، إلى وجود سوء تخطيط في قيام عدد من المدابغ بالبلاد، لافتاً إلى أن وجودها وسط المناطق السكنية ومصانع الأطعمة خطأ كبير، ومخالفاً للمواصفات القياسية لقيام مثل هذه الصناعة، وطالب بضرورة تجميع الصناعات المماثلة في منطقة واحدة بعيداً عن المناطق السكنية، مبيناً أن جميع المدابغ لا تلتزم بالطرق المثلى للتخلص من المخلفات وأن تطبيقها لا يتعدى مرحلة الترخيص فقط، ولفت إلى عدم وجود شبكة صرف صحي للتخلص من المياه الملوثة عدا منطقتين فقط بالسودان في الخرطوم وتغطي (5-7%) فقط ومنطقة كنانة الصناعية.

في ذات الاتجاه قال محمد علي عضو اللجنة الفنية للبيئة والصرف الصحي بالمواصفات، إن عدم وجود نظام للصرف الصحي يمثل أس المشكلة، متهما المسؤولين بالمدابغ بعد تطبيق المواصفات بقوله: (المشكلة تكمن في كميات المياه الكبيرة المستخدمة في دباغة الجلود والتي تحوي موادا كيمائية ضارة خاصة (الكروم)) وأضاف: (ناس المدابغ ماخدين راحتم) وزاد: إن البيئة (يتيمة) مقسمة بين عدد من الجهات العاجزة عن تطبيق القانون.

فيما اعتبر قرشي عبد الله خبير صحة البيئة أن التخلص من مخلفات الصناعة بالنيل يؤدي إلى تلوثه ما يضر بصحة الإنسان والنبات، وزاد بقوله: النيل خط أحمر ولن نسمح بتلوثه حفاظا على حياة الإنسان، لافتاً إلى أن عمليات (إزالة الشعر والتحنيط) من أخطر مراحل الدباغة. حيث يستخدم فيها موادا كيميائية ضارة (الصوديوم، الجير، حامض الكبريتيك، الملح، حامض الفورميك ومادة الأمونيوم) قال إنها تزيد حموضة الأرض وغلويتها ما يؤدي إلى خصوبة التربة، وأشار إلى أن خطورة النفايات الصلبة لا تقل خطورة عن النفايات السائلة بسبب انتشار الروائح الكريهة وتجمع الحشرات.

صحيفة اليوم التالي
أ.ع[/JUSTIFY]