الطيب مصطفى

من يقنع الباز؟!


من تراه يقنع صديقي عادل الباز أن موقفي الحالي المؤيد لاتفاق أديس والاتفاقيات التي مهَّدت له لا يختلف عن موقفي القديم الرافض لاتفاق نافع عقار ذلك أن الوثيقتين تختلفان كما الليل والنهار؟!

قال الباز (لا زلت أذكر جدلاً متطاولاً بيننا حول اتفاق نافع عقار الذي كان للطيب الأثر الكبير في نسفه بعد الحملة الكبيرة التي شنها عليه.. الآن يبحث الطيب ونحن ولعلها البلاد كلها عن ذلك الاتفاق الذي أصبح الوصول إليه حلماً من أحلام الوطن).

أقول للباز إيه رأيك يا عادل أنني لا أزال أرفض اتفاق نافع عقار ولو وُقِّع من جديد لشننت عليه ذات الحملة التي رجمته بها يوم وُقِّع بدون أن يوافق عليه أحد داخل السودان غير من وقعه واثنين من مرافقيه، هما اللذان تسببا في كثير من الخيبات التي لا نزال نتجرَّع علقمها المر منذ نيفاشا؟!

يكفي للتدليل على أن اتفاق نافع عقار يختلف كثيراً عن اتفاق أديس أبابا الذي تمخّض عمّا سبقه من اتفاقيات، أن من وقَّع اتفاق أديس هو د. غازي صلاح الدين الذي كان من أشد الرافضين لاتفاق نافع عقار بل ولاتفاقية نيفاشا عام 2005م.

اتفاق نافع عقار أخي عادل الباز كان استنساخاً لاتفاقية نيفاشا من حيث ثنائية التفاوض والشراكة السياسية بين المؤتمر الوطني وقطاع الشمال، وكان من شأنه أن يمكِّن قطاع الشمال من الحصول على كثير مما حصلت عليه الحركة الشعبية التي مُنحت بموجب نيفاشا (28%) من حكم السودان بالرغم من أن جميع الأحزاب الشمالية (ما عدا الوطني) مُنحت نصف تلك السلطة (14%)، بينما مُنحت الأحزاب الجنوبية الأخرى (6%) من السلطة المركزية، كما مُنحت حركة قرنق كثيراً من السلطات الولائية، هذا بالطبع إلى جانب منح الحركة كل السلطة تقريباً في الجنوب.

اتفاق نافع عقار الإطاري نصَّ على تضمين الاتفاق عدداً من المواد الواردة في اتفاق نيفاشا، وليتك ترجع إلى النص الذي سبق أن أوردته في ردي على تعقيب مماثل كنت قد رددت فيه يا عادل حديثاً مشابهاً لما أوردته اليوم مبدياً اندهاشاً مما حسبته تغييراً في موقفي.

اتفاق أديس أبابا والاتفاقيات التي مهّدت يا عادل لم تكن اتفاقاً لشراكة ثنائية تمنح قطاع الشمال تقاسماً للسلطة مع المؤتمر الوطني، فقد تم الاتفاقان في إطار حوار شامل يجمع كل القوى السياسية السودانية، ولم يفرد لقطاع الشمال شراكة خاصة مع المؤتمر الوطني تميِّزه عن غيره من القوى السياسية، كذلك فإن اتفاق نافع عقار يمنح قطاع الشمال شراكة سياسية (منفردة) مع المؤتمر الوطني في المنطقتين بما يعيدنا إلى المربع الأول الذي أفضى إلى الحرب حيث كان قطاع الشمال يحكم إحدى الولايتين (النيل الأزرق) ويتولى منصب النائب الأول في الثانية (جنوب كردفان)، وبعد الانتخابات لم يرض قطاع الشمال حتى بتلك القسمة، وكان بعد أن ضمن النيل الأزرق يريد أن يحكم جنوب كردفان، ولعلك تذكر أخي الباز عبارة (يا النجمة يا الهجمة) التي كان يرددها مالك عقار قبل الانتخابات والتي أدت إلى الحرب التي لا نزال نعاني منها حتى اليوم.

ليس صحيحاً أخي الباز أن الوصول إلى اتفاق نافع عقار غدا اليوم حلماً من أحلام الوطن كما أوردت في مقالك، فقد وقعت الجبهة الثورية وقطاع الشمال على استحقاقات أقل من ذلك الاتفاق وردت في اتفاق أديس أبابا الذي ارتضيناه جميعاً، فلماذا نرجع إلى اتفاق نافع عقار وتوابعه من أمثال وثيقة كمبالا وميثاق الفجر الجديد وغيرهما، وأيهما أفضل اتفاق نافع عقار أم اتفاق أديس أبابا -والاتفاقيات التي مهّدت له- اللذين أدرجا قطاع الشمال ضمن الأحزاب المتحاورة بدون تمييز وشراكة سياسية يتمتع بها قطاع الشمال دون غيره ليلهب بها ظهر الوطن المأزوم؟!
صدِّقني أخي عادل أنني لو غيرت مواقفي لكنت أعلنت ذلك صراحة، فأنا ممن يؤمنون بأن الرجوع إلى الحق فضيلة، ولكن اسمعها مني أن مبررات رفضي اتفاق نافع عقار لا تزال ماثلة ولا يزال مفاوض المؤتمر الوطني بروف غندور يرفض ذلك الاتفاق، وكذلك الحال لكل القوى السياسية التي ارتضت ما ارتضيناه من خريطة الطريق واتفاق أديس أبابا اللذين تمت الموافقة عليهما في الجمعية العمومية التي التأمت في قاعة الصداقة في السادس عشر من أغسطس الماضي.

إن أكثر ما أقنعني باتفاق أديس أبابا – والاتفاقيات التي مهّدت له – أنه وضع (وقف الحرب) عنواناً له ولم يورد ما يمكن أن يعتبر من الخطوط الحمراء التي يمكن أن تهدد أمننا القومي، وقد تسامينا عن صغائر وردت فيه مثل عبارة العمل من أجل عودة الوحدة بين الشمال والجنوب باعتبار أن ذلك مجرد أحلام (ظلوط) يهرف بها عرمان ورفاقه لن ترى النور قبل أن يدخل الجمل في سم الخياط.

دعنا أخي عادل ننطلق إلى الأمام، فنحن أبناء اليوم ولننظر إلى المواثيق التي وقَّعناها باعتبارها مرجعيات إستراتيجية أصبحت جزءاً من تاريخنا الوطني وأعني خريطة الطريق واتفاق أديس أبابا وندين من يخرج عليهما، ونلفظ ما عداهما سعيًا إلى ما ينقل بلادنا إلى مربع جديد من الممارسة الديمقراطية السلمية الراشدة بعيداً عن استخدام السلاح والاحتقان السياسي.