ثقافة وفنون

رجاءً.. “لا تحفروا قبراً” يعيش صاحب “أغاني أفريقيا” أوضاعاً صحية غاية في الإزراء.. الكثير من الوعود والقليل من العمل


استمع الناس إلى قصص كثيرة تتعلق بالأوضاع السيئة التي ينتهي إليها الشعراء والمبدعون عامة، وما زال في إمكان تلك القصص أن تتوالى، فالأخبار المتواترة من شاطئ سيدي العابد، بضواحي العاصمة المغربية الرباط.. تقول إن الشاعر محمد الفيتوري يرقد طريح الفراش في بيته، ويعيش أوضاعاً صحية غاية في الإزراء، فمنذ 8 أيام لا يستطيع صاحب (أغاني أفريقيا) تناول الطعام، وتنتابه تقلصات في المعدة وحالة استفراغ عدة مرات في اليوم؛ وفوق ذلك، يعاني من ثقل في حركة الرجلين.

وكان الفيتوري من الشعراء الأوائل المناهضين للنموذج الكولونيالي في أفريقيا، إذ تماهى وتشابك مع الوعي الجمعي للقارة، واستلهم خصيصته الشعرية من جذور التمرد والعصيان الكامنة في شعبها، وامتاز الفيتوري من بين أقرانه، بخاصية المثقف الذي يكشف عن أساليب الوحشية التي يمارسها المستعمر تجاه المستضعفين من شعوب القارة.

وقال في ديوانه (أغاني أفريقيا): (إن نكن بتنا عراة جائعينا.. أو نكن عشنا حفاة بائسينا.. إن تكن قد أوهت الفأس قوانا.. فوقفنا نتحدى الساقطينا.. إن يكن سخرنا جلَّادنا.. فبنينا لأمانينا سجونا.. ورفعناه على أعناقنا ولثمنا قدميه خاشعينا.. وملأنا كأسه من دمنا.. فتساقانا جراحا وأنينا.. وجعلنا حجر القصر رؤوسا ونقشناه جفونا وعيونا.. فلقد ثرنا على أنفسنا ومحونا وصمة الذلة فينا).

ويقول مقربون منه تحدثوا لـ(اليوم التالي) من المملكة المغربية إن الشاعر الفيتوري تغشاه، مؤخراً، حالات هيجان دون أسباب واضحة، وفشل في التعرف إلى أصدقائه المقربين الذين زاروه في البيت. ويعيش الشاعر الفيتوري، المولود في العام 1930 تقريباً، مع زوجته المغربية (رجات) وابنتهما (أشرقت) بالكفاف ومساعدة الأصدقاء، دون مورد رزق ثابت، بعد أن انقطع راتب الفيتوري من السفارة الليبية قبل أزيد من ثلاث سنوات.

وكانت أسرته تلقت عدة وعود بأنه سيخصص له معاش من الحكومة السودانية في حين ستتكفل بعلاجه، لكن شيئاً لم يحدث قط. وتستعد (أشرقت) لامتحانات البكلوريا (الثانوية العامة) في ظروف صعبة جداً.

وتتلخص حالة الفيتوري المرضية كما يرويها لـ(اليوم التالي) الصحفي السوداني المقيم بالمغرب طلحة جبريل، وقد زار الفيتوري عدة مرات، إن ذاكرة الشاعر تتدهور، ولم يتعرف عليه، رغم صداقة قديمة تربطهما، إلا بعد فترة طويلة، وأنه يتقيأ باستمرار مع إسهال شديد، ولا يستطيع أن يأكل أو يمضغ، فقط يكتفي بالسوائل، وينام قليلا ويستيقظ كثيراً، ويشكو من ألم يجعله في حالة تشنج وتوتر شديدين. ولا يستطيع الفيتوري أن يحدد مكان الألم الذي يشعر به بسبب الجلطات التي أصابته.

ومنذ عدة سنوات انطلقت الإشاعات التي تُعلِن وفاة الشاعر محمد الفيتوري، لكنه استطاع أن ينجو منها جميعا، ربما بدافع من عقيدته الصماء التي ترى أن الشاعر لا يموت، بل هو نفسه (أكثرهم بعداً عن الموت)، وقد قال في ديوانه (أقوال شاهد إثبات): مثلي أنا ليس يسكن قبراً.. لا تحفروا لي قبراً.. سأرقد في كل شبر من الأرض.

تتابعت سنين حياة الفيتوري في تقلبات جغرافية وإثنية متداخلة، وكان انتماؤه أمراً مربكاً، وأصبح لا هو سوداني بوالدته ومولده، ولا هو مصري بإقامته، ولا هو ليبي بأصوله من أبيه، وواجه عدة مصاعب تتعلق بجنسيته التي منحت له وانتزعت أكثر من مرة، لكن السفارة السودانية في الرباط سلمته، مؤخراً، جوازاً سودانياً، استخرج بجهد من السفير السابق جمال محمد إبراهيم. كما يقول طلحة المقرب من الأسرة.. فقد وُلِدَ الفيتوري في مدينة الجنينة، من أب ليبي، هو مفتاح رجب كريبة الفيتوري، وأم سودانية، وعاش طفولته الباكرة في مدينة الاسكندرية، حيث تابع دراسته الابتدائية والثانوية هناك، والتحق بعدها بكلية دار العلوم لدراسة العلوم العربية والفلسفة، إضافة إلى علوم أخرى مرتبطة بالثقافة الإسلامية. وقال صديق لأسرة الفيتوري، لا يرغب في ذكر اسمه، إن زوجة الفيتوري تواجه معضلات مالية عصيبة في توفير احتياجات الشاعر المريض. ويقول جبريل الذي تحدث لـ(اليوم التالي) عقب زيارته للفيتوري إنه كان يُحتضر أكثر من مرة، لكنه يفيق. ومن المفترض أن يدخل المستشفى، لكن تكلفة العلاج والمستشفى لمدة عشرة أيام فقط حددت بـ 10 آلاف دولار، وليست لأسرته الصغيرة أية إمكانيات لتسديد ولو عشرة بالمائة من المبلغ المطلوب.

 

 

اليوم التالي