مصطفى أبو العزائم

من عالم الجن..!


[JUSTIFY]
من عالم الجن..!

لم نتوقع أن يثير ما كتبناه على هذه المساحة يوم أمس من ردود الأفعال ما أثار، توالت الرسائل القصيرة والمحادثات ممن يعرفون رقم الهاتف، وتتابعت الرسائل القصيرة الورقية المكتوبة، وناقشنا أكثر من شخص حول موضوع الأمس الذي جاء تحت عنوان «بلة الغائب.. رحلة بين طيات السنين»، وقد تبين لنا من ردود الأفعال تلك أن الناس تستهويهم ـ بحق ـ الكتابة عن كل ما هو غامض، سواء كان في عالم الإنس أو في عالم الجن.

قصص الجن تبدأ.. لكنها لا تنتهي، والذاكرة السودانية تختزن من التراث قصصاً عن عالم الجن، ولا بد أن تسمع» دون أن تكون قد رأيت، أن لك قريباً أو إحدى القريبات، صادف أو صادفت موقفاً مذهلاً، تمت فيه المواجهة مع جني أو جنية ـ أو تكون قد سمعت بأن «فلاناً» صادف شخصاً عجيب الشكل والمظهر فاكتشف أنه ليس من البشر، وأنه من «الجن».. فجن ذلك الفلان..!

الغريب في أمر الجن الذي يزعم البعض استخدامهم، وقد أشرنا إليهم بالأمس، أن برلمانياً مستقلاً، وهو السيد محمد الصديق دروسة قال خلال الجلسة التشريعية يوم أمس الأول إن هناك دستورياً يعاني من «الجنون» ـ شفاه الله ـ وأن آخر يعاني من فقدان الذاكرة، ويستعين بالقوائم لمعرفة أسماء منسوبي حكومته..!!

البرلماني المحترم لم يقل بأن الدستوري الثاني مصاب بمرض «الزهايمر» لكنه ألمح لذلك، ولم يقل أنه يحتاج إلى «كرت ذاكرة» وإن كان آخرون يتمنون أن تكون هناك «كروت ذاكرة» يستخدمها البشر حكاماً ومحكومين، والساسة يعدون ولا يوفون في كثير من الأحيان.. والمحكومون لا يتذكرون بسبب الجري وراء لقمة العيش، وإن تذكروا أسماء أبنائهم فإن ذلك يعتبر إنجازاً ذهنياً جباراً.. وكذلك تجدهم لا يتذكرون أسماء الأزواج.. فالزوجة دائماً هي إما «الولية» أو «الحاجة» والزوج دائماً هو «أبونا» أو «الحاج»!!

موضوع الاهتمام بالجن كمخلوقات يجمعنا معها كون واحد واسع شاسع، لا يقتصر علينا نحن السودانيين، بل يمتد ذلك الاهتمام ويتمدد إلى كل أنحاء الدنيا، لذلك «اخترع» البعض مهناً يصعب التثبت منها، مثل «الكهانة» و«ضرب الرمل» و«رمي الودع» و«التنبؤ» بأي شكل من الأشكال حتى ولو من خلال استخدام الحيل النفسية في معرفة شخصية الضحية، والتعامل معها وفق الرغبات الحقيقية الكامنة داخل العقل الإنساني والنفس البشرية.

من أغرب ما رأيته في مدينة طرابلس الليبية ومعي أفراد أسرتي، أن شخصاً زعم أنه شيخ و«واصل» وأنه يعالج حالات السحر والعين و«الذي منه» وكان يضع أمامه بيضة دجاج عادية، ثم يجعلها بين كفيه ويقرأ بعض القراءات غير المفهومة، ويفتح يديه لتخرج البيضة سوداء كاملة السواد.. داكنة.

تلك واحدة.. أما الثانية فقد كنت ومعي أبنائي، وكانوا صغاراً آنذاك، داخل سيرك يجمع الحواة والسحرة والبشر والبهلونات والحيوانات، ونحن خارج السودان، وجاء إلينا رجل يزعم أنه ساحر، ووقف أمامي وأسرتي وقال لي ما كنت أفكر فيه لحظتذاك ـ بالضبط ـ إذ سألني قائلاً: لماذا تفكر أنني اخترتك في بداية هذه الفقرة لأنك أسود؟».. ذهلت وابتسمت في بلاهة الذي ضبط وهو يفعل فعلة نكراء أعجزه الرد عن تبريرها.. ظل الرجل يحدق في وجهي ويقول لي أخرج محفظتك من داخل جيب الجاكت الذي ترتديه، فيها كذا من المال، وبطاقة، ورخصة قيادة سيارة.. وفي الجيب الآخر «بيت نضارة».

أذهلتني المفاجأة، وتمنيت لو أنه غادر.. نظر إليّ ثم ابتسم وقال لي: «أنا ذاهب إلى غيرك»!

أما أغرب ما سمعته في بلاد المغرب، وهي تشتهر بالاهتمام بالسحر والسحرة، أن أكثر شخصيات الجن شعبية لدى المغاربة تسمى بثلاثة أسماء من بينها «عيشة السودانية» وتحمل اسمين آخرين هما «عيشة الكناوية» و «لا لا عيشة».

لم أعرف السبب.. ولم أسأل فبيني وبين عالم الجن تستطيل حوائط.. ليلٌ.. وينهض ألف باب.. أو كما قال أستاذنا وصديقنا المبدع الراحل الأستاذ مصطفى سند في رائعته البحر القديم.

اللهم.. لا إله إلا أنت عدد ما مشى في السموات والأرضين ودرج.. لا إله إلا الله بيده مفاتيح الفرج.. والحمد لله على كل حال. ونعوذ بالله من أهل الكفر والشرك والسحر والضلال، ونصلي ونسلم على الهادي البشير، والسراج المنير نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.. آمين.
[/JUSTIFY]

بعد ومسافة – آخر لحظة
[EMAIL]annashir@akhirlahza.sd[/EMAIL]