مــاذا تعنـــي زيـــارة البشـــير لجـــوبـــا؟!

[JUSTIFY]
مــاذا تعنـــي زيـــارة البشـــير لجـــوبـــا؟!

زيارة الرئيس البشير لعاصمة دولة الجنوب يوم أمس، جاءت في وقت كانت الحاجة فيه لموقف رسمي على مستوى عال حول ما يجري في الجنوب ضرورية للغاية، ولم يكن إيقاع الحكومة واضحاً، ولا المكان الذي تضع فيه أقدامها بارزاً وشاخصاً، طيلة الأيام الفائتة منذ اندلاع الحرب عقب إعلان سلفا كير عن انقلاب عسكري ضده يقوده نائبه السابق رياك مشار.
وقد احتاجت الخرطوم وقتاً حتى تستجمع كل التفاصيل وتحدد موقفها الدقيق المحسوب بعناية قبل البدء في أي تحرك، وحصرت كل جهودها في إطار هيئة الإيقاد ولجنة الوساطة التي يوجد السودان بين أعضائها، في وقت تقاطرت فيه كل الدنيا لتكون وسط الجوقة، وحتى ممثل الأمم المتحدة الأسبق الذي طرد من الخرطوم يان برونك ظهر من جديد في أروقة التفاوض بين طرفي النزاع بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا ممثلاً لبلاده ومبعوثاً عنها.
والخرطوم ليست مثل كل العواصم في جوار جوبا، التي سارع رؤساؤها للمجيء إلى قلب الحدث في عاصمة دولة جنوب السودان الوليدة، فهي ــ أي الخرطوم ــ أكثر هذه العواصم قدرةً على فهم طبيعة الصراع الدموي الذي يجري بين رفقاء الأمس في الحركة الشعبية ومآلاته ونتائجه الوخيمة على الشعب الجنوبي وعلى المنطقة.
وتشاطر العواصم الإفريقية الخرطوم في موقفها الصريح الذي عبر عنه البشير في جوبا أمس، بأنها لن تقف وراء أي تمرد يهدد شرعية الحكم في دولة الجنوب ويستهدف الاستقرار ووحدة التراب الجنوبي.
لكن الأهم من كل ذلك أن زيارة البشير إلى جوبا، تعتبر هي الأهم من بين كل الزيارات التي تمت أخيراً سواء من الرئيس الكيني ورئيس الوزراء الإثيوبي معاً، أو زيارة الرئيس اليوغندي قبل أيام، وذلك لعدة أسباب رئيسة وهي:
الزيارة وتأكيدات البشير بأهمية الحوار وتقديم كل تجربة السودان وكل ما يعين دولة الجنوب وشعبها في تجاوز حالة الحرب الراهنة، هي أبلغ رسالة عن أن الموقف السوداني متوزان وحادب وحريص على ضرورة إنهاء هذه الحرب حتى لا ينزلق الجنوب إلى هاوية الصراع القبلي ويتفتت إلى فسيفساء قبلية لا يمكن جمعها من جديد.
أغلقت الزيارة وتوقيتها بالمقاربة مع انطلاق التفاوض في أديس أبابا، وما قاله البشير لسلفا كير وتصريحاته عقب اللقاء في مؤتمر صحفي، أغلقت الباب أمام المجموعة المتمردة على جوبا، بأن السودان لن يكون طرفاً في النزاع الجنوبي، ولن يسمح بأن يتم توريطه فيه وعدم دعم أية حركة متمردة ضد دولة جارة.
ما مرَّ بالسودان وتجربته من الحروب الداخلية والتمردات وخبرته الطويلة في التفاوض من أجل الاستقرار والسلام والأمن والوحدة، ودرايته الكافية بالظروف الإنسانية التي تصنعها المواجهات والحرب واستعداده للتعامل مع الجانب الإنساني في حال لجوء رعايا دولة الجنوب إليه هرباً من القتال، تؤهله في مضمار التقييم وحسن التقدير لويلات الحرب وآثارها على المواطن الجنوبي، وتجعله قادراً على تقديم روشتة لكيفية الاهتداء إلى الدرب المفضي للسلام ومسارات التوصل إلى حلول تحقن الدماء وتوقف الصراع.
حصلت جوبا على دعم سياسي من أهم جارٍ لديها، وهذا الجار له تماس قريب من المناطق الملتهبة والأجزاء الجنوبية التي ينطلق منها العمل المسلح، وتبدو صورة جوبا اليوم أقرب إلى المريض الذي يعاني من نزيف حاد ومرض عضال يحتاج لطبيب ونطاسي ماهر وحاذق يساعده على وقف النزيف والحصول على الترياق الذي يشفيه من السقام.
إذا كانت هذه هي خطوة أولى ذهبت بالبشير إلى جوبا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، فإن الخرطوم لا تريد في هذه اللحظة الحاسمة العمل منفردة وطرح مبادراتها للحل وتكتفي بما تقوم به في إطار الإيقاد، وهذا الموقف قد لا يكون صحيحاً على إطلاقه، فإن كان للخرطوم مسعى وسبيل آخر تستطيع أن تقوم به فلتفعل!!
[/JUSTIFY]

أما قبل – الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة

Exit mobile version