لقاء غندور كيري.. نظرة أخرى ..!

> برغم اللقاء المهم والإيجابي الذي جمع البروفيسور إبراهيم غندور وزير الخارجية بوزير الخارجية الأمريكي جون كيري أول من أمس الجمعة بنيويورك، إلا أن الطريق لايزال طويلاً أمام العلاقات السودانية الأمريكية، حتى تتحسن وتصل إلى ما كانت عليه، والسبب لا يخفى على أحد، أن الولايات المتحدة تتحدث بأكثر من لسان. فالخارجية الأمريكية، لديها موقف مرن يتفق مع طبيعتها الدبلوماسية، ولا تملك كل القرار في هذا الشأن، بينما تنشط دوائر أخرى في الإدارة الأمريكية مثل البنتاغون في مسار أكثر تشدداً، بينما يظل الكونغرس هو العقبة الكأداء أمام تطور علاقة البلدين، لارتباط الكونغرس بشكل أكثر متانة وقوة بحركة جماعات الضغط والناشطين الذين يناصبون السودان العداء..
> والغريب أن لقاء (غندور – كيري) بحضور ليندا توماس مساعدة الوزير للشؤون الإفريقية، والمندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة سامانثا باور، والمبعوث الخاص للسودان دونالد بوث وآخرين من الخارجية الأمريكية، الذي بحث الملفات التي تم نقاشها، لم يبحث قضايا ومشاكل في العلاقات الثنائية، بل كان مركزاً على ما ينبغي على حكومة السودان أن تفعله لتقابلها الإدارة الأمريكية بفعل مقابل، وهذا يحدث في كل اللقاءات والحوارات مع الجانب الأمريكي منذ فترة طويلة، فالداخل السوداني هو الذريعة التي تتخذها واشنطن للتباطؤ في تطبيع علاقاتها معنا، وكأن السودان جزءاً من ولاية أمريكية أو مستعمرة تم وضع اليد عليها. فمن الطبيعي أن تكون هناك ملفات حقيقية متبادلة بين الجانبين يتم نقاشها، ولكن على مدى سنوات في كل لقاء يطرح الجانب الأمريكي تحفظاته وقضاياه داخل السودان التي تهمه وتهم حلفائه من المعارضة السودانية والمتمردين وقطاع الشمال، ويتم ترك كل قضية الشعب السوداني المتأذي من الحصار والعقوبات الأحادية الأمريكية ..!فواشنطن تختزل علاقتها مع السودان في قضية المنطقتين ودارفور، وتنطلق من وجهة نظر ضيقة تتعلق بالأمور العسكرية والأمنية، وهي وقف الحرب وفرية قصف المدنيين، ومرور الإغاثة، ولا تريد أن تنظر بإيجابية نحو قضايا السودان الأخرى المتعلقة بالتطور السياسي والاقتصادي والتنمية والبناء والنهضة وعلاقة الشعبين والمنافع المتبادلة وكيفية رفع الضغوط عن كاهل السودان حتى يتخلص من قيد الديون الخارجية، ومنع القروض والمنح للانطلاق من جديد مثله مثل بقية دول العالم النامية المتطلعة للمستقبل.
> وعندما تُطرح قضايا الشعب السوداني وما يعانيه من الأزمات المترتبة على الحصار والعقوبات الأمريكية والتحويلات المالية وغيرها من أنواع التضييق التي يعاني منها السودانيين، يُحسن الجانب الأمريكي التخلص ويدعي أن هذه القضايا تأتي عقب حل قضية المنطقتين ودارفور، وأن الإدارة الأمريكية وأجهزتها تدرس الكيفية التي يتم بها رفع العقوبات وحل قضية التحويلات المالية ..!
> ينبغي النظر الى تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة بأكثر من زواية وكيفية، فلا يمكن الرضوخ للرغبة الأمريكانية في كل الأوقات، فهي التي تحدد أين وكيف ومتى تتم عملية تدفئة العلاقة، ومتى توضع داخل المبردات!. فإذا كان المطلوب من السودان هو الإيفاء بكل تعهداته والتزامات كما تشترط واشنطن وتريد، ويعيد ترتيب أوضاعه الداخلية وحل مشاكله بناء على الوصفة المقدمة من البيت الأبيض، فإن ذلك يختلف تماماً مع رغبة الشعب السوداني الذي يطمح في علاقة طبيعية مع الولايات المتحدة تقوم على المنفعة والمصالح المشتركة. وإذا كانت الإدارة الأمريكية واقعة تحت ضغوط الناشطين والمنظمات غير الحكومية التي تناصر قطاع الشمال بالحركة الشعبية وتدعم الحركات المتمردة في دارفور وتريد تغيير وجهة السودان وإنتمائه الثقافي والحضاري، فذلك لا يعنينا كثيراً في ملف تطبيع العلاقات. فالحوار مع كوبا وإيران، لم يكن يتم على خلفية الروشتة الجاهزة، وكان هناك حوار حقيقي وتفاهمات على قضايا متبادلة، حتى تم التوصل إلى ما يجري الآن. فواضح من سلوك الإدارة الإمريكية إنها تريد من السودان أكثر مما تريد أن تعطيه. فهم يتحدثون حديثاً مفرغاً من التعهدات، وعود بلا قدمين، سحاب خلب بلا ماء، ويأتون للاجتماع بأيدٍ خاوية ليس لديهم ما يعطونه، ويريدون أخذ كل شيء.
> ينبغي على متخذي القرار والدبلوماسية السودانية التغيير في نهج التفاوض والحوار مع الولايات المتحدة. فمن يأخذ يعطي، ومن يطلب شيئاً ليتم تنفيذه، عليه المساعدة في الوصول إلى النتيجة التي يتمناها ويرجوها. فعندما نشاهد سلوك واشنطون مع دول كثيرة مشابهة لحالتنا، والمجالات التي تفتحها لها ومساعدتها للإندماج في المجتمع الدولي مرة أخرى، نوقن أكثر أننا في حاجة إلى انتهاج نهج جديد، وأعتقد أن البرف غندور ماضٍ في هذا ويفهم ماذا نعني..

Exit mobile version