(طيران الاتحاد).. موظفات التصعيد إلى أسفل!!

{ يسعى الخريج والخريجة للعمل في بلادنا بكل جهد وتسخير واسع للعلاقات، وقد يطول الانتظار لسنوات حتى يظفر أحدهم بوظيفة بالكاد تسد الرمق وتكفي للاحتياجات الأساسية، لكنه بعد كل ذلك لا يحسن الأداء ولا يخلص في العمل، والنتيجة الماثلة مشهد التقاعس العام الذي يضرب مؤسساتنا العامة والخاصة.
{ وبقدر ما يجيد الجيل الجديد من الشباب السوداني التعامل مع التقنيات الحديثة، فإنه- للأسف- في الغالب الأعم لا يجيد التعامل مع الجمهور إذا وضعته الأقدار على نافذة خدمات تتطلب سعة البال، رحابة الصدر ورسم الابتسامة على الوجه تحية لعملاء المؤسسة.
{ نماذج بالمئات يمكن الاستشهاد بها كل يوم لحالة الفشل المستمر لموظفات وموظفين لا يحسنون فعلاً غير لعب (الكوتشينة) على أجهزة الكمبيوتر، وتبادل (الشمارات) عن “فلان” و”فلانة” أو “علان وعلانة”، كما تتخلل فترات العطالة المقنعة هذي فسحة للفطور وأخرى لصلاة الظهر، وثالثة حصرية على الموظفات قبل خروجهن، لإعادة وضع المكياج على البشرة التي احترقت من كثرة المساحيق والكريمات!!
{ هناك موظفات من نوع آخر، لا مساحة متاحة أمامهن للترويح عن أنفسهن بـ(الشمارات) لأنهن في موقع خدمة مكشوف لعدة ساعات مع الجمهور، هؤلاء يتنفسن بتفريغ شحنات الضغط النفسي والعصبي على طالبي الخدمة من المواطنين، ولا يتورعن عن صدهم بعبارات صادمة من شاكلة: (السيستم قفل.. تعال بكرة)، (في مشكلة في الشبكة.. امشي وتعال أو انتظر ساعتين إمكن…).
{ البيروقراطية المخربة في دواوين الخدمة المدنية بالسودان تقتل روح العمل والإبداع وتمنع التطور في دولتنا، فما بالك إذا أضيف لسوئها موظفون وموظفات متكاسلون وساخطون من كل شيء!!
{ نموذج حي: نهار (الأربعاء) الماضي كانت الموظفة الشابة بمكتب (طيران الاتحاد) الإماراتي بالخرطوم- شارع البلدية، تطلب من مندوب شركتنا الحضور في اليوم التالي (الخميس الموافق 11/ فبراير/ 2016) عند الساعة الثامنة والنصف صباحاً، لإكمال تحويل مواعيد تذكرة سفر بعد دفع الغرامة التي نعرف أنها لا تتجاوز (50) دولاراً في معظم الشركات، وتصعيدها إن أمكن لدرجة أعلى، وعللت عدم إمكانية إتمام هذا الإجراء بأن (السيستم ما فتح) وقد كان في اليوم زمن ليفتح السيستم بعد مغادرة الطائرة ولكن هكذا تعودوا!
{ عند الثامنة والنصف صباح (الخميس) كان موظفنا هناك، ولم تكن موظفتهم في المكان والموعد المحددين.
{ وعندما حضرت (سعادتها) وكانت كالكثيرات من موظفات هذا الزمان (مركبة وش) ولا تعرف الابتسامة والترحاب طريقاً إلى وجهها، وهي أهم مواصفات العاملين بشركات الطيران، قامت بتغيير تاريخ المغادرة لكنها لم تبدل تاريخ العودة، وزعمت أنها صعّدت التذكرة لدرجة أعلى في الـ(Economy) وهذا هو الأخطر في هذا العرضحال المفتوح، فكبدت مؤسستنا غرامة ورسوماً بلغت (4980) جنيهاً، ما يقارب سعر التذكرة الأصلي!! ثم غرامة متوقعة عند تعديل موعد العودة من “جيناي” (صار الفارق يومين فقط بين المغادرة والعودة، بسبب عدم تعديل تاريخ العودة)!!
{ المفاجأة أن صاحب التذكرة اكتشف عند صعوده إلى الطائرة في الرحلة رقم (633) الخرطوم- أبو ظبي بتاريخ 11/ فبراير الجاري، أن مقعده رقم (24) في الصف قبل الأخير!! فعن أية درجة أعلى تحدثت الموظفة وأكدت على كلامها المشرفة رئيستها في المكتب؟!
{ في أية شركة طيران يحدث هذا.. أن يدفع الراكب ما يقارب سعر التذكرة غرامة على التأخير يوماً وأن يكون التصعيد إلى (أسفل)، لا إلى (الأعلى)؟!
{ لقد كان واضحاً أنها موظفة مرتبكة لا تحسن مهمتها، والأدهى أن المسؤولة عنها لم تعالج الأخطاء بعد اللجوء إليها بالشكوى المباشرة بعد وقت قليل من إصدار التذكرة والاعتذار عن الخطأ، فهؤلاء لا يفهمون قيمة الاعتذار والتراجع عن الخطأ، ثم تطلب منا المشرفة بسذاجة تشبه ارتباك زميلتها أن نتقدم بشكوانا على بريدها الإلكتروني، وهي لا تعرف من نحن، وكيف نشتكي، وكيف نرفع عن الناس ظلاماتهم، فكيف لا نستطيع أن نرفع الأذى عنا بطريقتنا ودون حاجة إلى إيميلاتهم البائسة.
{ مشهد موظفتي (طيران الاتحاد) تجده متكرراً في وزارات ومصالح حكومية وبنوك وشركات عامة وخاصة كثيراً، وهو واحد من أسباب تراجع دولتنا في المجالات كافة.
{ وإني أشهد أن (طيران الاتحاد) وللأمانة والتاريخ، تتوفر داخل طائراتهم خدمة ممتازة، ومهارة فائقة عند الطيارين يتحسسها الراكب كثير التسفار عند الهبوط والإقلاع، كما أن عجز مكتبهم في مطار الخرطوم عن إصدار (بطاقة الصعود الثانية من الكونكشن في أبو ظبي إلى جيناي)، غطت عليه موظفة “فلبينية” صغيرة في مطار أبو ظبي، حيث استخرجت البطاقة خلال (10) ثوانٍ فقط.. ودون أن تحتاج لسؤال!!
{ إذن المشكلة ليست في (طيران الاتحاد) ولا في المستثمرين الأجانب بالآلاف الذين يصلون بلادنا سنوياً ثم يغادرون محبطين، المشكلة فينا نحن.. المشكلة في هذا الكادر البشري الضعيف الذي لا يريد أن يتطور.. وفي ذات الوقت لا يرغب في التخلي عن تلك الوظائف، عسى ولعل أن يأتي آخرون أكثر غيرة ورغبة وإخلاصاً.

 

 

المجهر السياسي

Exit mobile version