توابع “الزلزال” أخيراً.. ثمة من ينقب مع السلطة الرابعة حول فرضية تضارب المصالح.. تحقيق “اليوم التالي” بين يدي لجنة وانتصار الصحافة لا ينسيها إزجاء الشكر لجهات رصدت وتابعت وقرأت

لا جدال في أن تكوين لجنة للتحقيق حول ما ورد في تحقيق (الزلزال) انتصار للصحافة، ولا جدال أيضا أن الانتصار ينسحب على الجهات الرسمية التي أصدرت القرار، لجهة أنها رصدت وتابعت وقرأت، ثم لم تنحز للوزير ولا لموظفي الوزارة، وأعلنت أنها ستحقق، ولا جدال أيضا أن التحقيق بداية لمرحلة جديدة في (الزلزال) وفي هذه المساحة سنروي جزءاً من القصة.

في حلقات الزلزال، كانت الفرضية التي نبحث خلفها، هي فرضية تضارب المصالح، مصالح الوزير البروفيسور مأمون حميدة وجلوسه في كرسي الوزارة، وهذا ما تأكد في كل حلقة من حلقات الزلزال، والبداية كانت من تقرير المراجع بولاية الخرطوم، الذي أكد أن هنالك مخالفات، وأن بروفيسور مأمون حميدة الوزير، يدعم استثمارته الخاصة، من واقع توليه لكرسي وزارة الصحة، وكان خطاب المراجع واضحا ومفصلا، وعنوانه وحده كان من المفترض أن يحفز الدولة على التحقيق قبل الصحافة وجاء عنوان الخطاب وموضوع الخطاب: (مخالفات عقد وزارة الصحة ولاية الخرطوم، وأكاديمية العلوم الطبية والتكنولوجيا، في إدارة المستشفى المقام على قطعة الأرض 14/1، مربع (9)، امتداد الدرجة الثالثة الخرطوم)، وهو تقرير أو خطاب أعد بعناية فائقة وأورد تلك المخالفات بدقة ومهنية عالية.

الزلزلة الكبيرة، وكلها بالمستندات، تجلت عندما كشفنا العقود التي يتمتع بها ابن الوزير في المستشفى الأكاديمي، وهي عقد إدارة الكافتيريا وعقد البقالة داخل المستشفى، والأدهى قرارات وزير الصحة التي تعسفت بمواطني حي الامتداد، والمستثمرين الصغار أصحاب الكناتين، والكافتريات، وبائعات الشاي، وهي قرارات تمنعهم من العمل بجوار المستشفى، جوار كافتيريا ابنه وبقالته، للدرجة التي سير معها أهل الامتداد وفدا لوالي الخرطوم يشتكون مما فعل بروفيسور حميدة الذي أغلق محالهم ودكاكينهم الصغيرة.

استند تحقيق الزلزال على المستندات، كل واقعة وحكاية يدعمها حشد من المستندات، وكل مستند نتحقق من كونه صحيحا، وللأمانة بعد الحلقات الأولى، كانت المستندات تصل حتى باب الصحيفة، وكذلك المشتكون والمتضررون من سياسات الوزير.. أطباء ونواب أطباء واختصاصيون، لا تصرف رواتبهم في المستشفى الأكاديمي الذي يديره من تربطه قرابة قوية مع الوزير مأمون، وهو شخص غير معين في الوزارة، ويستطيع عبر علاقته بالوزير أن يعلق داخل كشف المرتبات ويوصي بإيقاف أطباء معينين من وزارة الصحة نفسها، وهذه رواية لم نحك فصولها بالكامل بعد، والشكوى لم تنحصر في الأطباء وحدهم كما لم تنحصر أضرار سياسات الوزير المستثمر عندهم، وشملت صيادلة، وأصحاب مستشفيات خاصة، وأصحاب شركات التخلص من النفايات الطبية، وكل ذلك عرض في (الزلزال) بالمستندات وإفادات الشهود والأدلة الدامغة.

عندما أكدنا أننا حصلنا على ما يؤكد فرضية تضارب المصالح، كانت بين أيدينا عقود تدريب طلاب جامعة مأمون حميدة، (جامعة العلوم الطبية والتكنلوجيا) في مستشفيات وزارة الصحة، وهي عقود لا يأتيها الباطل من أي اتجاه، ومن وقعوها أحياء، هذه العقود أخضعناها للمقارنة مع عقود جامعات وكليات أخرى منافسة لجامعة مأمون حميدة، وكان الفارق مذهلا، بينما تدفع إحدى الجامعات (50) ألف جنيه مقابل هذه الخدمة شهريا، تدفع جامعة مأمون حميدة لذات الخدمة أقل من (5) آلاف جنيه شهريا.

أما استغلال أموال الدولة لتشييد قسم أسنان، ثم وضع لافتة عليه يكتب عليها (كلية الأسنان) فهذا ما لم يستطع الدفاع عنه كل من انبروا للدفاع عن حميدة، في صحيفته التغيير أو في صحيفة الصيحة، كما أنهم لم يدافعوا عن فضيحة جهاز الأشعة المقطعية، الذي جرى تركيبه في المستشفى الأكاديمي، وسنستدعي فقرة من حلقة جهاز الأشعة لعلها تساعد لجنة التحقيق وتنشط ذاكرة القارئ، وهي:
(في مطلع العام 2014، وتحديداً في فبراير منه، خاطب عادل محمد عثمان، وزير المالية والاقتصاد بولاية الخرطوم، وزارة الصحة الولائية، بشأن الاستفادة من مبلغ مليون يورو كانت مخصصة لتمويل مشروع زراعي ممول عبر الصكوك، ووقف عدم توفير العملة الحرة من بنك السودان عثرة دون تنفيذه، راجياً أن يذهب الدعم لمستشفيي الخرطوم بحري وجبرة.

* بعث الدكتور مامون حميدة، وزير الصحة الولائي، بفاتورة إلى عادل عبد العزيز وزير المالية الولائي تحوي عرضاً لشراء جهاز أشعة مقطعية.
* طالب الدكتور مامون حميدة بتخصيص مبلغ بالدولار؛ حوالي ثلاثة ملايين ونصف المليون جنيه، لجهاز الأشعة المقطعية المذكور، وذلك من جملة أربعة ملايين وثلاثمائة ألف جنيه تقريباً قلنا إن المالية الولائية خصصتها لدعم مستشفيي بحري وجبرة.
* في أسفل الفاتورة نقرأ بوضوح ما يلي: (الأخ الأستاذ عادل، وزير المالية، أرجو مساعدتكم في استعمال المبلغ المقترح من المالية لصالح شراء ماكينة الأشعة هذه، مع الشكر). والتوقيع لدكتور مامون حميدة.

* وزير المالية لم يتردد في الموافقة لجهة أن وزير الصحة أعلم باحتياجات وزارته وأحرص على مصلحتها.
* لم تحدد الصحة الولائية اسم الجهة التي ستستفيد من الجهاز، علماً بأن الدعم بحسب مخاطبة المالية كان ينبغي أن يذهب لجبرة وبحري، لكن تم تحويل الجهاز لمستشفى الأكاديمي الذي يدرب فيه طلاب جامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا المملوكة للوزير).
في بحثنا عن فرضية تضارب المصالح، زرنا مستشفيات كثيرة، واستمعنا إلى شهود كثر، وحصلنا على مستندات، بعضها نشر وبعضها لم ينشر بعد، وفي انتظار ما سيصدر عن اللجنة.

الخرطوم – شوقي عبد العظيم
صحيفة اليوم التالي

Exit mobile version