تنام على نقيق الضفادع وتصحو على طنين الذباب ود مدني تتوسد ألم آثار الخريف

ود مدني.. المدينة الحسناء التي كانت نغمة في شفاه المغنين الذين صاغوا المعاني في تجسيد تفاصيلها الجميلة، لم تعد كذلك فقد أصابها الوهن والإعياء ودخلت غرفة الإنعاش ولم يبق منها إلا بعض من الذكريات، ود مدني لم تعد تلك المدينة الجاذبة اللافتة للانتباه حيث لا يوجد فيها أي مظهر من مظاهر الحضارة والتطور فالواقع لا يطاق والوضع لا يحتمل، فالمواطن يعيش وضعاً في غاية القسوة والمعاناة تحيط به من كل الجوانب وفي صباح كل يوم جديد تتعمق المأساة وتزداد الأحوال سوءاً على سوء، فنحن أمام مسرحية تراجيدية تحكي فصولها قصة مدينة عاشت ماضياً وواقع مراً، وكشف هذا الخريف بآثاره الكارثية أن مدني لن تعد تلك المدينة التي تغسلها الأمطار وتزيدها أناقة وجمالاً.
خياران أحلاهما مر
ومن الواضح أن محلية ود مدني الكبرى لم تقم بأي جهد يذكر للاستعداد لمجابهة فصل الخريف، فالمصارف معدومة والمتاح على قلته بحالة غير جيدة تنبت فيه الحشائش، وصارت الشوارع عبارة عن برك ومستنقعات وقواعد ينطلق منها البعوض في مهاجمة المنازل بعد أن أحكم سيطرته وحاصر الأحياء من كل الجوانب، المواطنون لا يستطيعون أن يناموا خارج الغرف وإذا فكر أحدهم مجرد فكرة سيجد نفسه فريسة سهلة للبعوض، وإذا قرر أن ينام داخل الغرفة سيواجه مصير قطوعات الكهرباء المظلم ويبقى بين خيارين أحلاهما مر إما أن يحتمل لسعات البعوض ويكون عرضة للملاريا أو حرارة الغرف المرتفعة ويعرض نفسه الإصابة بالالتهاب الرئوي.
لا أمل للعودة
المواطن عمر الجاك يرى أن الواقع في ود مدني مرير للغاية ولا أمل لعودة المدينة لسابق عهدها لوجود تردٍّ في الخدمات وكل ما يهم المواطن في سبيل كسب لقمة العيش الحلال، وقال إن محلية ود مدني الكبرى مكاتب بلا أعباء، وقد فضح خريف هذا العام مؤسسات الدولة ليعانى المواطن ويدفع ثمن الفشل الحكومي، ومخلفات الخريف تحكي عظمة المأساة حيث لا مجاري لتصريف المياه والحشائش تملأ الطرقات والبعوض يحصد المئات والمحلية لا تحرك ساكناً مما أدى إلى انتشار الأوبئة، وأضاف عمر الجاك: نحن ننام على نقيق الضفادع ونصحو على طنين الذباب، يحدث هذا ووالي الولاية يجلس في مجلس المتفرج فقد أجرم المسؤولون في حق هذه المدينة وهنالك تقصير واضح من المحلية والجهات المسؤولة التي رسبت في امتحان الخريف، وطالب المواطن عمر الجاك حكومة الولاية بتقديم استقالات جماعية لأنهم ليسوا أهلاً للثقة فقد ظلت المحلية تمتص دماء المواطنين بالجبايات والرسوم ولا تقدم لهم الحد الأدني من الخدمات فقد فقدت ودمدني العقول والخبرات التي تخطط لتفادي مثل هذه الكوارث.
قطوعات الكهرباء زادت من الأوجاع
“المعاناة تحيط بنا وظللنا نعاني من قطوعات الكهرباء بصورة مستمرة”، هكذا بدأ الأستاذ عبد المنعم حديثه وأضاف أن الخدمات متردية للغاية، وقد ظللنا ندفع من حر مالنا للمحلية دون أن نجد مقابلاً يذكر، فعربات النفايات لا تأتي بصورة منتظمة الأمر الذي أدى إلى تكدس النفايات داخل كوش وأمام المنازل ليتوالد الذباب ويرتفع معدل الإصابة بالتايفويد الذي لا تخلو منه أسرة والذي كان في السابق غريباً على مدينة ود مدني، وأضاف الأستاذ عبد المنعم أن المصيبة أكبر بعد أن غمرت مياه الأمطار الشوارع ودخلت إلى البيوت واصطدم المواطن بقطوعات الكهرباء.
من المسؤول
أما طارق قسم فقد قال: مع حلول فصل الخريف وضح تماماً التردي الذي وصلت إليه مدينة ود مدني فقد فشلت المحلية في تصريف المياه بأي شكل من الأشكال وكأن الأمر لا يعنيها في شيء فالضابط التنفيذي والمعتمد كلاهما في مكتبيها وحتى وإن خرجا فلا فائدة من جولتهما، ومن يسجل زيارة إلى السوق الكبير وخصوصاً منطقة الأكشاك تتضح له الأوضاع المخيفة المتمثلة في انعدام إصحاح البيئة في هذه الأكشاك والتي تعمل على تقديم المأكولات والمشروبات للمواطنين ولا أعتقد أن هنالك مسؤول صحة من المحلية قد طاف بهذه المواقع، ولم يقم بإخلائها وفق الصلاحيات الممنوحة له، ومن يغالط في هذا الأمر عليه أن يذهب بنفسه ليتأكد من صحة ما ذكرته، علماً بأن هذه الأكشاك لم تخطط بالصورة الهندسية الصحيحة وذلك بسبب احتياج المحلية إلى أموال طائلة من أصحاب الأكشاك بهذه الصورة غير الصالحة حيث كان من المفترض أن تكون بشكل أكثر حضارة.
الحال يا هو نفس الحال
وفي السوق الجديد وتحديداً موقف مواصلات المسلمية وود الشافعي وطيبة الشيخ عبد الباقي جنوب استاد ود مدني هذا الموقف تأثر كثيراً بهطول الأمطار فتحول لبرك من المياه ولعدم وجود التصريف تحولت إلى معسكرات لجيوش البعوض التي تغزو الحلة الجديدة وما جاورها كل مساء، وتضرَّر سائقو المركبات من صعوبة الدخول للموقف، وهذا السيناريو ظل يتكرر كل عام، رغم الرسوم التي تفرضها المحلية على كل مركبة إلا أنها فشلت في تقديم الخدمات التي ترتقي بهذا الموقف.
عبد الكريم عبد الله سائق مركبة بالموقف قال “إن المحلية ظلت بعيدة كل البعد عن هموم المواطن وكل ما يهمها كيف تتحصل على الأموال وهذا الموقف لوحده يدخل للمحلية أموالاً يمكن أن تحدث تحولاً كبيراً للموقف ولكن لم يحدث شيء من هذا القبيل وظل الحال كما هو عليه وهنا يثور سؤال أين تذهب هذه الأموال وفيم تصرف، فالأمور هنا تسير بالبركة وإذا هطلت الأمطار تظل المياه راكدة دون تصريف إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً، فلا توجد متابعة من المحلية ولا مجلس تشريعي يحاسب ويردع المتخاذلين في واجبهم ونحن كمواطنين حار بنا الدليل وطفح الكيل وبح صوتنا ولم نجد من يسمعنا من المسؤولين، وأنا هنا أتساءل “الحديث ما زال لعبد الكريم” أين والي الجزيرة من كل هذا وأين الوعود التي قطعها للمواطنين، ولماذا لا يتابع حال الناس بنفسه، وأقولها بملء الفم محلية ود مدني فشلت فشلاً ذريعاً في تقديم أي خدمات للمواطن، ولم نر لها أي عطاء ملموس على أرض الواقع.
تدهور صحة البيئة
تعاني مدينة ود مدني منذ عقدين من عدة مشاكل يمكن أن تكون موضوعاً لعدة دراسات اجتماعية واقتصادية، هكذا بدأ الدكتور كمال عبد الرحمن حديثه، وأضاف أن أس هذه المشاكل انهيار مشروع الجزيرة الذي كان يمثل الشريان التاجي للجزيرة وعاصمتها ود مدني وقد كان ذا أهمية بالغة في استقرار السكان الذين تربطهم علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالمشروع هذا إضافة الى تطور الخدمات الصحية والتعليمية إذ كان المشروع مساهماً بنسبة كبيرة في الخدمات المذكورة بجانب زيادة الدخل القومي والمحلي الذي ساهم في الارتقاء بإنسان الريف والحياة مما أنعش المدينة وجعلها جاذبة، أما اليوم ـ والحديث للدكتور كمال ـ فقد انقلب الحال رأساً على عقب فلا يخفى على أي انسان يعيش في المدينة أن يدرك تدهور صحة البيئة وهجرة الأطباء خاصة أهل التخصص وانتشار أمراض تمت السيطرة عليها في الماضي وندرة الدواء خاصة الأدوية المنقذة للحياة، فضلاً عن ارتفاع أسعارها إن وجدت، إضافة إلى ظاهرة ما يعرف بمافيا سوق الدواء واستغلال السماسرة للخصخصة وإنشاء مستوصفات باهظة التكاليف تخدم شريحة ضيقة من المواطنين، هذا علاوة على الدمار الذي لحق بالبيئة بتراكم النفايات وعدم إصلاح وصيانة شبكات المياه المعطوبة وانعدام المياه للتصريف ولد الكثير من الحشرات، وهذا هو حال المدينة اليوم، وهنا لا أبد أن أطرح عدة تساولات يجب أن يتسع لها صدر معتمد مدينة ود مدني الكبرى: هل تم توظيف ميزانية التنمية لتحقيق أهدافها.. وأين تذهب الأموال المتحصلة من موقف أمجاد والموقف العام .
التشريعي في الواجهة
في ظل إخفاق الجهاز التنفيذي لحكومة الولاية ووجود محمد طاهر إيلا في إجازة بشرم الشيخ المصرية لم يجد المجلس التشريعي غير محاولة سد النقص الرسمي، وذلك حينما عقد جلسة اولى طارئة للاستماع إلى وزير الصحة الذي اعتذر، إلا أنه عاد ليمثل أمام المجلس. وأقر وزير الصحة ووالي الولاية بالإنابة الدكتور عماد الدين الجلال بتزايد الملاريا عن الأعوام السابقة بالولاية، وعزا الأمر لزيادة مياه الأمطار، لكنه أشار إلى توفر علاج الملاريا بالمجان في محليات الولاية المختلفة، وأضاف أن وزارته قامت بمكافحة نواقل الأمراض « الذباب» بنسبة (34)% والتخلص من النفايات بنسبة (64)%، لكنه أشار إلى أن الوضع لم يصل لمرحلة إعلان الولاية منطقة كوارث، إذا ما تمت مقارنته ما حدث بما يجري عالمياً.
تفاعل مع الخريف
وشهدت الجلسة إصدار المجلس قراراً بالإجماع قضى بتعديل الميزانية بإيقاف التنمية وتوجيه الميزانية لغرفة الطوارئ لمجابهة الآثار المترتبة من الأمطار، وقال رئيس المجلس بروفيسور جلال الدين من الله إن تحويل (5%) من ميزانية الولاية والتي تقدر بـ(50) ملياراً، يمثل خطوة لمعالجة ما لحق من أضرار بالولاية، بجانب مخاطبة المركز لمزيد من الدعم، وشدد على ضرورة مراجعة الشركات المنفذة للطرق والأنترلوك في الولاية بعد أن تبين أن غالبية الغرق داخل المدينة تسببت فيه تلك الأعمال، نسبة لعدم تنفيذها بصورة علمية، وانتقد العضو الزهاوي بشير إغفال تقرير غرفة الطوارئ لنفوق الحيوانات، بجانب عدم تحديد ما وصل إليه من دعم من حكومة الولاية، واقترح الزهاوي تعويض المتضررين ولو (50%) من ما فقدوه، وذهب في ذات الاتجاه العضو العبيد بابكر الذي قال إن ما تم من دعم لا يتعدى (10%) مما تحتاجه الولاية، ومع ذلك تجاهل التقرير حجم ما قدم لهم من أموال من حكومة الولاية، ولم يكن حديث العضو سمية أحمد محمد نور ببعيد عن ما ذكره المتحدث قبلها، عندما أشارت إلى أن ما تم من رش بالمبيدات تم بالجهد الشعبي، ودعم من المركز والمساعدات الإنسانية، وإن ما تم لا يكفي لمحلية واحدة.
مفتاح غائب
أما العضو يوسف الضو، فقد شن هجوماً عنيفاً على الوالي محمد طاهر إيلا وأعضاء حكومته وطالبهم بتقديم استقالاتهم ووضع القلم لأنهم أصبحوا في مناصب بلا إمكانيات، مبيناً أن العمل يحتاج لمال، وقال مفتاح المال مع إيلا في شرم الشيخ، وأشار إلى أن أكثر من (7) آلاف أسرة مشردة، وثلث طلاب الجزيرة في العراء نتيجة لانهيار مدارسهم، وأضاف: ما يحدث ليس له أي تفسير سوى غياب حكومة الأمل والتحدي، في إشارة منه للشعار الذي رفعته حكومة إيلا، وحملهم كل ما حدث من أضرار وما لحق بالولاية لأنها لم توفر المال، وزاد: الموجودون من حكومة الولاية لا حول لهم ولا قوة.
اعتراف
أما النائب طارق سيد أحمد فأشار إلى أن سوء التخطيط الذي صاحب تنفيذ كثير من المشروعات كان واحداً من الإشكاليات التي تسببت في إغراق الأحياء، وأضاف أن الانترلوك كان جزءاً من الأزمة لأنه لم يعمل بصورة علمية ومدروسة، وانتقد التحجج بضعف الميزانية من قبل الجهات العاملة في الجانب الصحي لمكافحة الذباب والبعوض، مبيناً أن طلمبات الرش تعمل نصف ساعة ثم تتوقف لعدم كفاية الجازولين، وذهب في ذات الاتجاه العضو حسن محمد أحمد بأن الأسفلت والطرق التي تم تنفيذها لم تعمل بصورة علمية، وزاد شاهدنا لأول مره في التاريخ ” وحل شاحنة في زلط”.
الموت جوعاً
وطالب العضو الزاكي الزين باستمرار غرفة الطوارئ، ووجودها طوال العام وانتقد احجام حكومة الولاية عن تقديم الدعم للمتضررين، وقال « والله في ناس كان كتلهم الجوع لو ما التكاتف» فيما حذر حسين محمد سعيد من دخول المزارعين السجون هذا العام نتيجة للخسائر التي تعرضوا لها بغرق الأراضي الزراعية التي تقدر بـ(39) ألف فدان.

الصيحة

Exit mobile version