مأساة مدرسة أولاد يس

دُهشت لمن انبروا للدفاع عن والي الجزيرة محمد طاهر إيلا لمجرد أن نقداً قد وُجه للولاية جراء (فضيحة لم ينجح أحد) التي ألمت بمدرسة (أولاد يس) بمحلية جنوب الجزيرة.

كون إيلا حقق نجاحاً في عدد من الملفات ومشاريع التنمية لا ينبغي أن يحصنه من النقد، فقد عجبت أن أحدهم ذكّرنا بالقصة التي رويت على لسان المطربة عشة الفلاتية حين سئلت عن أميتها فقالت: نعم أمية (أنا وأخوي الكاشف) فعاجلها إبراهيم الكاشف رحمه الله بدعوة أرجو ألا تكون قد استجيبت: (الله يكشف حالك ..انتي مالك ومال الكاشف)؟.

لولا أن نبي الله يونس كان من المسبحين للبِثَ في بطن الحوت إلى يوم يبعثون، ولولا أن حاطب بن أبي بلتعة شهد بدراً لما تم تجاوز (الخيانة) التي اقترفها في حق العصبة المؤمنة وفيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

نعم، حق لمريدي إيلا أن يكفّروا عن خطاياه بسابق صنيعه، ولستُ مختلفاً عنهم أو منكراً فضل الرجل الذي عاصرته في الجامعة وزاملته في الدفاع الشعبي بالقطينة عام 1992 وبعد ذلك ولكن (ده برا وده برا) فإحسانه لا يمنع التصدي لتقصيره إصلاحاً للشأن العام.

فقد قال أحد الكتاب المحبين لإيلا (وهل بقت علي الجزيرة؟ ليه ما اتكلمتوا عن ولاية نهر النيل التي تكررت فيها تلك الواقعة المأساوية؟.

قد يكون ما حدث لمدرسة أولاد يس تكرر في ولايات أخرى، ولكني قد أعذر مثلاً ولايات الحرب التي يفتك المتمردون ببنياتها ويروعون ويشردون مواطنيها كما يمكن التماس العذر للولايات الأكثر فقراً ولكني لن أعذر ولاية الخرطوم أو الجزيرة الخضراء .

المهم أن من تصدوا للدفاع عن إيلا تحدثوا عن كثرة وتبعثر القرى التي تحتاج إلى المدارس في الولاية وقلة سكانها بالرغم من قربها الجغرافي لبعضها مما يزيد العبء الإداري والمالي، وكذلك عن تسرب التلاميذ خلال اليوم لمساعدة أهليهم في الزراعة والرعي والسوق .

لكن كل ذلك لا يعفي والينا الهمام إيلا ذلك أن كل المبررات التي سيقت لن ترد على حقيقة أن بالمدرسة ثلاثة معلمين فقط يقومون بتدريس (480) تلميذًا وحتى المعلمين الثلاثة استقال منهم اثنان وبقي واحد مع بيئة طاردة تعاني من فقر في الإجلاس والكتاب المدرسي وغيره.

مما يُضعف حجة التسرب التي تحدث عنها المسؤولون في وزارة التربية بالولاية أن لإيلا تجربة ناجحة في البحر الأحمر عالجت مشكلة تسرب التلاميذ الذي اتخذه البعض مبررًا لفشل المدرسة، فقد نفّذ الرجل برنامج (الغذاء مقابل التعليم) بنجاح تام، فلماذا فشل ذلك البرنامج في الجزيرة؟.

لو كنتُ مكان وزير التربية بالولاية لاستقلت تحمّلاً للمسؤولية وحتى أجنِّب الوالي، الذي عهد إليَّ بالمسؤولية ومنحني ثقته، الحرج السياسي والأخلاقي وكان ينبغي أن تتوالى الاستقالات أو الإقالات حتى مستوى المعتمد وإدارة التعليم في المحلية بما في ذلك مدير المدرسة والموجهون الذين يفترض أن يمروا على المدرسة ويقدموا تقارير عن الأداء عدة مرات خلال العام فلو قام أي من هؤلاء بدوره الإداري لعولج الخلل أولاً بأول ولما حدثت تلك الطامة المحزنة.

أما السلطة الرقابية والتشريعية ممثلة في البرلمان الولائي فهذه علة وطنية شاملة لن تنهض البلاد وتلحق بركب الأمم الأخرى ما لم ينصلح حالها في إطار إصلاح سياسي شامل.

بربكم أين دور المجلس التشريعي في ولاية الجزيرة في فضيحة التلاعب بنتيجة الأساس عام 2014 التي فجّرتها صحيفة “التيار” مؤخراً؟.

(الحال من بعضو) .. فالعلة الإدارية تكمن في النظام السياسي الذي يجرّد السلطة التشريعية الرقابية من دورها ويجعلها تابعاً منصاعاً للسلطة التنفيذية لا رقيباً عليها أما نائب مجلس تشريعي المنطقة التي تتبع لها مدرسة أولاد يس فقد اختار ألا (يهش ولا ينش) دفاعاً عن من حملوه المسؤولية للدفاع عن حقوقهم شأنه شأن أمثاله الذين لا يعلمون أنها أمانة وأنها يوم القيامة خزي وندامة.

مما زاد الطين بلة أن مدرسة (الشقلة بابكر) القريبة من مدرسة أولاد يس تكررت فيها نفس المأساة حيث نجح تلميذ وتلميذة.

إني لأطلب رفع درجة المساءلة والمحاسبة إلى السلطة العليا التي يخضع لها الولاة بحيث تقدم تقارير الأداء في شكل استمارات ترصد كل شيء بما في ذلك عدد معلمي كل مدرسة، فقد تعلمنا خلال فترات عملنا التنفيذي أن المتابعة اللصيقة هي التي تؤمن حسن تنفيذ الخطط المجازة كما تعلّمنا كيف ننزع التفويض من أي مستوى إداري عاجز لنغوص في المستوى الأدنى.

إن ما حدث لمدرسة أولاد يس يفضح خدمتنا المدنية التي تحتاج إلى ثورة شاملة تعالج المشكلة من جذورها.

زفرات حرى – الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة

Exit mobile version