لمن الرسائل..؟!

لن تخطئ عين ما ورد بشأن تطوير القدرات العسكرية السودانية، في خطاب السيد رئيس الجمهورية مساء أول من أمس في الاحتفال بالذكرى الـ (62) للاستقلال المجيد بالقصر الجمهوري، فقد ركز الرئيس بعبارات واضحة ولغة مباشرة ومحددة المعاني لا تحتمل التأويل ولا التفسير،

على بذل الجهد المطلوب لبناء قدراتنا العسكرية ردعاً وقتالاً وفق منظومة قتالية متطورة تردع كل من تسول له نفسه النيل من مقدرات شعبنا، لأن السلام الذي لا تحرسه القوة سيكون عرضةً للإجهاض والانهيار، وسمى الرئيس القوى التي تريد لبلدنا الانهيار وإجهاض استقراره وسلامه (قوى التربص الخارجي الطامعة في موارد بلادنا)، ثم حدد البشير ما كان يسكت عنه من أفكار وخطط في هذا الجانب، ويظل مكتوماً مخفوراً في حرزه، بقوله: (سيظل هدفنا مُشرعاً ومشروعاً لبناء القوة الذاتية للسودان عددياً وتنظيمياً وتسليحاً وردعاً، وأرجو أن أؤكد لكم أننا بفضل الله وتوفيقه وبجهود أبناء شعبنا المخلصين، شرعنا في تنفيذ مشروع وطني شامل لتطوير قدرتنا العسكرية والقتالية، وأصبح بفضل ذلك لدينا جيش مهني محترف يتمتع بالجاهزية لمواجهة التحديات التي تواجه البلاد وحماية أراضيها وما تحتويه من موارد وخيرات خص الله بها أبناء السودان)، وحيا الرئيس القوات المسلحة والدعم السريع وقوات الأمن والشرطة والمرابطين في الثغور، وأشاد بقواتنا التي تشارك في إعادة الشرعية لليمن، وهي مشاركة كما قال فرضتها قيمنا الدينية وموروثنا الأخلاقي في مناهضة الإرهاب والعدوان.

> ثم في فقرة تالية جدد الرئيس وأعاد ما قاله بعالي خطابه، الالتزام بالاستمرار في تطوير القدرات القتالية وفق منظور قائم على عقيدة قتالية، لتكون القوة العسكرية السودانية قوة ردع تمنع مجرد التفكير في الاعتداء على بلادنا أو التطاول على سيادتها ومواردها، وزاد على ذلك بتأكيده أننا سنكون معتمدين على الله تعالى ومطبقين كل مخرجات العلم والابتكار والاختراع لنبلغ ما نريده في مدى زمني معلوم.
> وقبل أن نبدأ في قراءة ما وراء هذا الخطاب المباشر الصريح، واللغة الدقيقة التي اختيرت بعناية لايصال كلمات محددة تصل إلى آذان تسترق السمع، لأن لكل كلمة واردة في هذا المجال معناها ودلالتها الواضحة، نقول إن خطاب الرئيس لا بد أنه قد تعرض لتفكيك وتفسير منذ إطلاقه من عدة جهات دولية وإقليمية وصلتها الرسائل وحاولت فهمها وتفسيرها وربط المرتبط بها من معطيات ومعلومات ودوافع.

> وفي الاتجاه السليم للتحليل لا يمكن التغافل عن حقيقة أن السيد الرئيس كان يعني ما يقول تماماً، ويدرك أن السودان في المرحلة المقبلة وبناءً على مؤشرات دالة ومعلومات مؤكدة مقبل على تحديات جسام تستهدف أمنه واستقراره، وأن هناك مؤامرات تُحاك ضده في الجوار، كما حدث في مايو من السنة الماضية عندما تمت مهاجمته عبر الحركات المتمردة المدعومة بالسلاح والمال من الخارج (من ليبيا ودولة جنوب السودان)، وكانت بعض الدول في الإقليم والغة ومتورطة في هذين الهجومين، وبعد إخفاقهما والفشل الذريع للعدوان لم تغلق معسكرات التدريب في ليبيا التي تنتظم إمداداً وتدريباً وتسليحاً وعتاداً بدعم مصري ومن دول أخرى شقيقة!!، ويجري تجميع مرتزقة آخرين غير سودانيين من بلدان إفريقية لدمجها مع حركات دارفور للهجوم مرة أخرى، بينما إشعال الحرب والتخريب في جنوب السودان لإشاعة الفوضى فيه وفتح مجالاته لتدريب العناصر السودانية وإعدادها لغزو أراضينا هو عمل تقوم به جهات معلومة ومعروفة، هذا بالإضافة إلى مهددات مباشرة أخرى واحتلال جزء من أراضينا ومحاولة طمس معالم حدودنا وجغرافيتها، ومحاولة اغتصاب حدودنا البحرية.

> وإذا كانت رسائل الرئيس واضحة وموضحة في ذاتها، فإن ايصالها بهذه الكيفية يبدو أيضاً مقصوداً في ذاته، فمنذ زيارة السيد الرئيس إلى روسيا ولقائه مع الرئيس فلادمير بوتين في أكتوبر الماضي ثم زيارة الرئيس التركي قبل أيام، ظل الرئيس البشير أكثر وضوحاً في حديثه عن مسائل التعاون العسكري والاتفاقيات الثنائية التي تعمل على تطوير القدرات العسكرية مع روسيا وتركيا، وجعل جيشنا جيشاً حديثاً ومتطوراً ويختلف عن الجيوش النظامية في المنطقة التي تكلست قواها في نسقها التقليدي القديم، والجيش السوداني بعراقته وتاريخه الناصع يشهد له بأنه الجيش الوحيد في المنطقة الذي لم ينهر، فهو يقاتل منذ عام 1955م في الجنوب ومناطق أخرى من السودان، وحتى اليوم صامد وقوي ومتطور وصلد، بينما انهارت جيوش حولنا وتلاشت وذهبت مع الريح.

ونستطيع أن نقول إن رسائل الرئيس كانت واضحة جداً، وقوية بما يكفي ليفهمها من أراد، ليتجنبنا من يفكر في الاعتداء، فقد وصلت كلمات الرئيس إلى كل أذن صاغية، وسمعها كل متربص… فمؤداها النهائي أنه بعد يومنا هذا .. ستدور على الباغي الدوائر.

الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة

Exit mobile version