الفيلم المكسيكي!!

الشعبُ السوداني أشبه بجمهور السينما.. يجلسُ مسترخياً وفي يده )قرطاس تسالي( يتفرج على الفيلم ويتفاعل مع أحداثه وأشخاصه.. يبكي تارة مع البطل وهو )مزنوق(.. ويضحك تارة لما يرى البطل وهو يبعثر شمل الخونة.. وينتهي الفيلم وتفتح أبواب السينما ويخرج الشعب.. ليعود مع الفيلم التالي..
الآن في دار السينما الوطنية.. يعرض فيلم )الفساد الكبير( من أجزاء أشبه بفيلم )الأب الروحي( زمان الذي يتكون من أربعة أجزاء.. الفيلم ينال مشاهدة عالية.. يصفقُ الجمهور مع اللعبة الحلوة.. عندما يعلن القبض على )قط سمين(!!.. وظلُّ يتابع الأحداث بشغف.. منتهى الإثارة، كيف خطف القط السمين اللحم.. وكيف تسلق الشجرة واتكأ على فرعها وراح يستمتع باللقمة الهنية إلى أن ألقي القبض عليه.. وتدور أحداث الفيلم المسلية.. ويكاد الخائن يفلت من قبضة البطل.. وتلتهبُ المشاهد المثيرة.. ثم فجأة وعلى وقع الموسيقى التصويرية تتلاحقُ اللقطات في نهاية الفيلم والبطل يعانق الخائن.. والدموع في عينيه.. ثم يمسكان بأيدي بعضهما ويسيران في اتجاه الأفق، بينما تظهر كلمة )النهاية( صغيرة في وسط الشاشة ثم تكبر إلى أن تملأ الشاشة.. وتضاء أنوار صالة السينما وتفتح الأبواب ويخرج الجمهور على أمل العودة سريعاً.. في الفيلم التالي.. وهكذا تدور الأيام والأفلام.. فيلم من بعد فيلم.. ويظل البطل والخائن بكامل صحتهما.. البدنية والنفسية يسعدان جمهور المتفرجين بالإثارة..

من الحكمة أن يفهم الشعب السوداني أنَّ هذا الفيلم المكسيكي )اخترت المكسيك لعدم وجود سفارة لها في الخرطوم(.. لا جدوى من متابعته.. فهو مجرد ترياق للضجر والملل الجماهيري.. لن يغير من الحال شيئاً..
الفساد لا ينمو ويترعرع إلا في الظلام.. في ميدان بلا إضاءة.. وأكثر ما يؤذيه بل ويوقفه الأنوار الكاشفة.. الشفافية والحرية.. وليس مطلوباً من الحكومة أن ترهق نفسها بملاحقة قطط أو فئران.. كل ذلك يتلاشى إذا تلاشى الظلام..

عمرنا الوطني ضاع سدىً، أكثر من ستين عاماً بعد الاستقلال وما زلنا نبحث عن أدنى مطلوبات الحياة الكريمة.. ليس في أصقاع بعيدة بل هنا في العاصمة.. ولو استمر الحال فسنقضي قرناً يليه قرن من الزمان..
ونظلُّ في محطة “قنِّبْ”.

حديث المدينة
عثمان ميرغني

Exit mobile version