أُولى الجثث في حرب الإسلاميين الجديدة

أول أمس الخميس طفت أولى جثث الإسلاميين ، في حربهم البينية الأخيرة على المال ، فقد أُخطِرت أسرة عكاشة محمد أحمد بأنه فارق الحياة ، في ظروف غامضة ، بداخل معتقلات جهاز الأمن . عكاشة من كوادر الإسلاميين ، وأحد تروس عجلة الإقتصاد لديهم ، فهو مؤسس شركة سين للغلال ، والمدير العام السابق لقنا للغلال كما أوردت عدد من الصحف، وقد ظل معتقلاً منذ أواخر مارس الماضي ، ضمن آخرين ، بتهمٍ تتعلق بتجاوزات إقتصادية ، تم بموجبها تدوين بلاغات ضدهم بنيابة أمن الدولة . لاحقاً ، وبعد انتشار الخبر ، صرَّح مصدرٌ بجهاز الأمن ل (سونا ) بأن عكاشة أنهى حياته شنقاً بعد أن سجل اعترافاً قضائياً بكل التهم المنسوبة إليه والمتمثلة في : غسيل الأموال ، التعامل بالنقد وتخريب الإقتصاد القومي .

خطورة هذه الحادثة توضح أن الحرب بين الفاسدين في صفوف النظام على أشدها ، وأن حوادث كحادثة موت غسان ستتكرر ، لكن هذه المرة بصورةٍ أكثر جرأة ، فلا وقت لدى الجناة حتى يخططوا لحادث سير ، أو غيره من وسائل التصفية الجسدية التي عرفها منسوبو النظام . ويبدو أن رعبهم من حياة القتيل أكبر من خوفهم من تبعات قتله داخل مبنىً يخص جهاز الأمن . وفي ظل إحكام صلاح قوش قبضته على جهاز الأمن ، والضوء الأخضر الذي يجده من البشير (لمحاربة المتسببين في ارتفاع أسعار الدولار ) كما قال مرة ، فإن هذه الحادثة لا تخرج من ممارسات قوش العنيفة لإخضاع المعتقلين عبر التعذيب ، وله سجلٌ حافلٌ في ذلك في فترته الأولى بالجهاز . لذلك من المرجح أن القتيل قد مات أثناء أو نتيجة للتعذيب.

حوادث التصفية لدى الإسلاميين فيما بينهم كثيرة ، ورواياتها متواترة ، لكن المفارقة هنا في اختلاف الدوافع ؛ إذ انحدر مشروعهم من القتل بغرض حماية الدولة ، وفقاً لوجهة نظرهم، كما حدث في تصفية أعضاء خلية محاولة اغتيال حسني مبارك ، ليصلوا أمس للقتل بسبب المال .

ما يمكن أن يُقرأ في حادثة عكاشة إيضاً ، أن القاتل أو القتلة لا يأبهون بقانون ولا يخشون عقاباً ، وأنهم ربما يرسلون رسائل لآخرين ، في المعتقل أو خارجه،بأن ما حدث قد يصبح قاعدة للتعامل معهم ، في ظل حكم الغاب . كذلك يمكن النظر إليها من زاوية ( الضَهَر ) فكلما كان ظهرك محمياً بسندٍ من مجموعات القوى داخل النظام ، كلما كنت في أمان . ومجموعات القوى تتكتل أحياناً على أسس تنظيمية أو مناطقية وفي مراتٍ قبلية . وفقاً لذلك فيبدو أن القتيل لم يكن من ذوي الأوزان التي يُوضع لها حساب ، فكانت هذه أولى الجثث الطافية في حرب المال والفساد . لن تكون الأخيرة ، بالقطع ، وقد تأخذ التصفيات في المرحلة القادمة شكلاً أكثر جرأة ووحشية ، إذ تجعل أزمة الوقود والضائقة المالية والسياسية النظام أكثر تخبطاً ، وبالتالي يزداد احتمال ارتكابه للأخطاء الكبيرة .

ستؤرخ هذه الحادثة لعهدٍ جديد في حكم الإسلاميين ، يسفكون فيه دمائهم ليس بدافع الصراع على السلطة فحسب ، لكنهم يتقاتلون لأجل المال ، خارج قنوات الدولة الرسمية ، وخارج أُطُر الحلال والحرام ، فمال الدولة كله لهم . ليبتذلوا مشروعهم ، فيصبح القتل في سبيل المال .

بقلم : سلمى التجاني
سودان تربيون.

Exit mobile version