شَمْعَةٌ .. في ظَلام النَّفَق!!

نشرت صحيفة )التيار( قبل يومين، خبراً عن عملية جراحية مُعقّدة وخطيرة أجراها فريقٌ جراحيٌّ سُودانيٌّ بمُستشفى الشعب التعليمي لأمراض القلب والصدر بالخرطوم، استغرقت أكثر من 12 ساعة.. خبرٌ مفرحٌ يمسح أحزان الأخبار المُفجعة التي هَزّت الثقة في الطب والأطباء بالسودان.
عَلَى خلفية هذا الخبر وبدون موعدٍ مُسبقٍ، زُرت صباح أمس مُستشفى الشعب التعليمي للقلب.. وجدت المدير العام الدكتور الصادق محمد أحمد عسكر في اجتماعٍ كَبيرٍ مع مجموعة من الأطقم الطبية.. كان واضحاً الحماس وإحساس التّحدي عند الجميع.

بعد الاجتماع جلست مُستمعاً لشرحٍ مُفصّلٍ من الدكتور الصادق والدكتورة إصلاح إسماعيل )استشاري الجهاز التنفسي( والدكتور الجراح حسام الدين سليمان.. وهم الثلاثي الذي يمثل تخصصات المستشفى في أمراض وجراحة القلب، وأمراض وجراحة الصدر.
بصراحة، في عتمة الإحباط السوداني، وضُغُوط الحياة الاقتصادية ونكدها، تبدو هنا صُورة مُغايرة تماماً.. ليس مُجرّد نجاح باهرٍ، بل حالة )إحساس( بطعم النجاح عند جميع العاملين في هذا المرفق الطبي الحسّاس.
هذا المُستشفى يَستقبل يومياً حوالي )700( مريض لمُختلف الأقسام ومن جميع الولايات، بَل ومن خارج السودان.. ويجري مُختلف العَمليّات الجراحية بما فيها عمليات القلب المَفتوح للعشرات يومياً.. ومَجّانَاً.. على أيدي أطباء سُودانيين وأطقم مُساعدة يَعملون في صَمتٍ وبمُثابرةٍ غير مَشغولين بغبار المعارك الدائرة في القطاع الطبي.

الذي لَفت نظري بعد استماعي لقِصّة النّجاح الذي تَحَقّقَ في هذا المَرفق.. أنّه يُؤكِّد نظرية طالما ظللت أكرِّرها هنا.. أنّنا نُكابد حالة )الغرق في شبر ماء(.. رغم أنف كل الحاصل والحال المائل، لكن المسافة التي تفصلنا من بَرّ السلامة والانطلاق نحو آفاقٍ مجيدةٍ ليست بعيدة، لا نحتاج إلى مُعجزة.. بقليلٍ من العَزم الرَّشيد نَستطيع تَحويل السُّودان إلى بَلدٍ مُتحضِّرٍ يمد يده العُليا للآخرين.. لا كما هو الحال يدنا السفلى بَاتَت وصمة عَار في جبيننا الوطني.!
لماذا لا نَبني )الحُلُم السوداني( من حصيلة تجميع الأحلام في كل مجال.. سألت الدكتور الصادق عسكر لماذا لا يتطوّر النجاح إلى حُلُمٍ كبيرٍ؟ لماذا لا نَرَى بأعين المُستقبل في نفس هذا المكان بُرجاً من عشرين طابقاً لمستشفى مُتخصِّص في القلب يجتذب السياحة الطبية من الخارج، وبدلاً من تشتت السودانيين في الآفاق يبحثون عن العلاج بالخارج، يستقبل السودان المرضى الأجانب.
بالله أنظروا معي؛ بالحساب المُجرّد من الهوى.. هذا المستشفى بناه الرئيس إبراهيم عبود في العام 1959، لم يتغيّر فيه إلا القليل من الإضافات الحديثة.. بحساب حوالي )60( عاماً هي عُمر المستشفى، لو كانت بلادنا تَتَطَوّر بالمُعدّل الطبيعي العادي، لكان الحُلُم الذي أتحدّث عنه واقعاً ومنذ سَنواتٍ طَويلةٍ مَضَت.

يَنطبق ذَلك على كَثيرٍ من مَنَاحي الحَيَاة في سُوداننا المَكلوم في واقعه.
تَعالوا نبني )الحُلُم السوداني( الكَبير من مجموع ما نَحلم به في كُلِّ مجالٍ أو مرفقٍ في بلادنا..!!
أحلموا.. ليصحو مُستقبلكم..!!

عثمان ميرغني – حديث المدينة

Exit mobile version