أبُو صُرة وَصَل!!

(1)
العلاقات المصرية السودانية كما ذكرنا من قبل تتحكّم فيها عوامل كثيرة وتلعب فيها أيدٍ كثيرة، لذلك تَظل عَصِيّة عن الفهم من بعد، واحد، لنأخذ لذلك مثلين هُما سد النهضة والمُنتجات الخضرية المصرية، فموقف السُّودان منهما لم يكن موقفاً فنيّاً بَحتاً، بل تَداخلت فيه السِّياسة تحديداً.. احتلال مصر لحلايب ثُمّ علاقة البلدين مع الدُّول المُجاورة كجنوب السودان وإريتريا وليبيا، لا بل يُمكن عبور الإقليم إلى الخليج، فتأييد السودان المُطلق لقيام سد النهضة كان يرجع جُزئياً للعلاقة المُتوتِّرة مع مصر في مُقابل تلك المُتنامية مع إثيوبيا التي كانت في حالة عداءٍ مع إريتريا، فالآن تغيّرت العلاقة الإثيوبية الإريترية إلى الأحسن وبالتالي تَغيّرت العلاقة بين السُّودان وإثيوبيا، سيكون من الطبيعي أن يتغيّر موقف السودان من سد النهضة ويرى به السلبيات بعد أن كان لا يرى غير الايجابيات ، وكذا موقف السُّودان من المُنتجات الزراعية المصرية، فالسُّودان قَاطعها في قِمّة تَوتُّر علاقته مع مصر التي كَانت تَرى أنّ السُّودان يدعم سد النّهضة نكايةً بها، فالآن تَغيّرت العِلاقة بين مصر والسُّودان، بعد تغيير العلاقة الإثيوبية الإريترية يكون من الطبيعي أن ينكشف الغطاء السياسي عن الموقف من الفواكه والخُضر المصرية (شفتوا الشربكة دي كيف؟).

(2)
إذاً، القرار الجمهوري برفع الحظر عن السلع الاستهلاكية المصرية ما هو إلا إزالة للبُعد السياسي لذلك الحظر، بدليل أنّ المُواصفات والمقاييس السُّودانية قالت إنّها لَن تتلاعب في هذا الأمر وسوف تُواصل عملها تجاه هذه المُنتجات كَمَا تفعل مع غيرها وستخضعها لكل أدوات الفحص السُّودانية، وأي كاني ماني سوف تكون مرجوعة في مُسمّاها، بمعنى آخر أي برتقالة أبو صرة مصرية موجودة في السوق ستكون قد مَرّت بالمُواصفات والمَقاييس السُّودانية.!
فهنا يثور السُّؤال لماذا القرار الجمهوري؟ ألم يكن من الأوفق الاكتفاء بالقرار الفني ابتداءً؟ نعم كان يُمكن ذلك لكنها السياسة يا…. فقرار الحظر لم يكن فنياً بحتاً، إذ لم يقل لنا إنّه في يوم كذا ويوم كذا ضبطت المُواصفات السُّودانية كذا في البرتقال أبو صرة المصري، وضبطت كذا في الفراولة المصرية، وكذا في “الكاتشب” والأُرز المصريين، لهذا تقرّر منع المُنتجات المصرية من دخول السُّوق السُّوداني، إنّما كان القرار مَبنياً على ما صدر من دولٍ أُخرى وعلى ما بثّته أجهزة الإعلام المصرية هذا من حيث الظاهر، أمَا باطن القرار فقد كان سياسيّاً.!

(3)
لكل الذي تَقَدّمَ كان ينبغي أن ننظر لأمر المُنتجات الزراعية المَصرية من زاوية اقتصادية بحتة، فيكون السؤال لماذا يستورد السُّودان مُنتجات زراعية من مصر أو من غيرها، والسُّودان واحدٌ من أربع دُولٍ على مُستوى العالم تَتَمَتّع بإمكانَات زراعيّة مَهولة من حيث التُّربة والمَاء العذب والشمس؟ فيما يتعلّق بمصر بالتّحديد فالماء (العَذب) التي تُروى به هذه المُنتجات هو فضلة خير السُّودان.!
السُّودان اليوم يمد السُّوق المصري باللحم والسمسم والفول السُّوداني والقطن والكركدى وحَبّ البطيخ والتبلدي وبرماد القروش!! فلماذا يستورد منها أبو صرة والفراولة والأجبان وحلاوة سمسمية ودكوة وكاتشب؟ (انظر لهذه الأخيرة فَكُلّها مُصنّعة من مُنتجاتٍ سُودانيّةٍ)!! إنّها المَحَقَة السُّودانية وإن إردت كلمة أكثر حُموضةً، قُل إنّها الخيبة السُّودانية!! وعلى هذه الخيبة ينبغي أن يبنى نقاشنا لموضوع المُنتجات المصرية وأي زواية أُخرى للنظر إليها سوف تصرفنا عن الجادة.

ليسمح لنا أهلنا في شمال الوادي بهمسةٍ في آذانهم فنسألهم قائلين لِمَاذا تُراهنون دَوماً على الخيبة السُّودانية؟ لماذا لا تُفكِّرون في زراعة أبو صرة والفراولة في السُّودان وبماءٍ عذبٍ ليكون الناتج أضعاف أضعاف الإنتاج الحالي ويشبع البلدان ونَغزو العالم أجمع؟!
رحم الله سيف الدسوقي القائل (عُد بي إلى النيل).

حاطب ليل – د.عبداللطيف البوني
صحيفة السوداني

Exit mobile version