من سِجِلِّ إنجازات (السلفيين) في السودان

هنيئاً لبلدنا بالإنجازات التي تحققت على أيدي أهل التوحيد السلفيين في مساهماتهم المتنوعة في خدمة البلاد والعباد ببلدنا الحبيب،

مما تحقّق بفضل الله تعالى ثم بجهودهم في الماضي والحاضر، ولست في هذا المقال بصدد سرد إنجازات السلفيين في مجتمعنا؛ فهو موضوع يحتاج إلى بسطٍ في مساحات كبيرة، كما أن توضيح (الواضحات) قد يكون ـ أحياناً ـ مما يعاب، ولكن لا بأس من الإشارة لبعض جوانب التميز والإنجاز الذي تحقق في العقود الماضية ببلدنا العزيز .. فمن أبرز ذلك:

الثبات على المبادئ والأصول التي قامت عليها الدعوة السلفية والتي من أهمها: تحقيق العبودية لله وحده، والتعريف بحق الله تعالى الذي خلق لأجله الخلق أجمعين، والتحذير من نقيض ذلك وهو إعطاء هذا الحق العظيم لمخلوقين خلقهم الله كغيرهم من المخلوقين لعبادته وطاعته، والاجتهاد والحرص لإرجاع هذا الحق الذي سلبه أناس وادعوه لأنفسهم ووعدوا الكثيرين بوعد الغرور ليتحقق لهم هذا العدوان على أعظم الحقوق، وهذا العدوان ـ إن لم يدرك الكثيرون ـ هو أعظم جريمة تقع على ظهر الأرض، ولذلك فقد رتّب الله على هذه الجريمة أموراً كثيرة منها الخلود في النار وعدم دخول الجنة وذلك هو الخسران المبين.

ولما علم السلفيون خطورة هذه (الجريمة) وهي صرف حق الله لغيره من المخلوقين، ولمحبتهم للخير لغيرهم كمحبتهم للخير لأنفسهم اجتهدوا في النصح وبذلوا الجهود الكثيرة والمتواصلة لأداء الأمانة في هذا الجانب الخطير، فالسلفيون قضيتهم الأساسية:
إعطاء حق الله له وحده سبحانه وتعالى، ومن حقه سبحانه: الدعاء والصلاة والنذر والحلف به والخشية والتوكل والرغبة والرهبة والتوبة والطواف ببيته .. وغير ذلك، ومن المبادئ التي ثبت عليها السلفيون ولم يغيّروا ويبدلوا فيها: نصرة النبي الكريم محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام، وتقديم محبته على غيره من سائر المخلوقين، ومحبته تقتضي وتوجب: طاعته في ما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر وتصديقه في ما أخبر وعبادة الله بما شرع، فصدق محبته عنوانه ومظهره ودليله:

التمسك بما صحّ من سنته والعمل بها والحرص عليها، ونشرها بين الناس، ودراسة سيرته وهديه، والاجتهاد في الاقتداء به عليه الصلاة والسلام، فمن الانجازات في هذا الباب التركيز على قضية (خير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم)، فليست للسلفيين لوائح وأجندة ومواد ودساتير من وضع البشر يجتهدون في نشرها في المجتمع، ويحرصون على التزام الناس بها، وإن أكبر ما يعتنون به: هاتان القضيتان، فرغم اختلاف السنوات واختلاف الأشخاص فإن منهاج الدعوة السلفية يرتكز على هاتين الركيزتين الأساسيتين المهمتين (إخلاص الدين لله الخالق سبحانه وتعالى، ومتابعة النبي الكريم وعبادة الله بهديه وطريقه وسنته)، ولا يعني ذلك أن كل من انتسب للدعوة السلفية هو كذلك ويثبت على ذلك!!
فكلامي هنا على (المنهج) وليس على (الأفراد والأشخاص)، فالحي من أية جهة كان لا تؤمن عليه الفتنة، كما هو معلوم، لكنَّ حديثي عن منهاج وأصول الدعوة السلفية وليس عن المنتسبين إليها.

ومن إنجازات السلفيين اهتمامهم وعنايتهم بالناحية العلمية، فقد أقيمت الكليات والمعاهد الشرعية، وأضافوا لمهام مراكز تحفيظ القرآن الكريم: تدريس العلوم الشرعية كالتفسير والحديث والعقيدة والفقه والسيرة وغيرها، وهذه دروسهم معلنة وهذه محاضراتهم التي لا تتوقف في سائر أيام العام في المساجد شاهدة تبرز اهتمامهم بالتأصيل العلمي، وبناء الأحكام على الأدلة من القرآن وما صحّ من سنة سيد ولد عدنان عليه أفضل الصلاة وأتم السلام، فلا تعرف مجالس العلم عند السلفيين رمي الكلام على عواهنه دون سنده بالأدلة والحجج والبراهين، وظهر جلياً عناية السلفيين بتراث الأمة العظيم مما ورثته من الصحابة الكرام والتابعين وتابع التابعين الذين شهد لهم النبي عليه الصلاة والسلام بالخيرية، وظهرت عنايتهم بتراث الأئمة الأربعة وغيرهم من علماء المسلمين الذين شهدت لهم الأمة بالاجتهاد والتحقيق العلمي وسلامة وصحة الطريق، وحُقّ لمن سلمت أصوله واستقرت على منوال واحد وأخذت من مورد ومعين قائم على: (قال الله قال رسوله عليه الصلاة والسلام) أن يسلم من التناقضات ويعافى من التلون (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً).

ولك أن تضع كمثال لذلك موقف السلفيين من الحاكم وتنظر في هذا الجانب في أصوله وتفاصيله لديهم وترى علاقتهم بالحاكم وما يستندون إليه في ذلك من النصوص الشرعية، وليست مواقفهم قائمة على المصالح الشخصية أو الانفعالات العاطفية أو المواقف السياسية أو التكتلات الحزبية، ولك أن تنظر في واقعهم ومسيرتهم في هذا الجانب وغيره لتزداد يقيناً أنهم : آووا إلى ركن شديد.

ومن إنجازات السلفيين المُشَرِّفة:
مشاركتهم لمجتمعهم وسعيهم لخدمته، وقد ضربوا مثالاً رائعاً في هذا الجانب، وقد لا يكون هذا الجانب من المعروف لدى كثير من الناس بسبب عدم عناية السلفيين بإظهار هذه الجهود في الإعلام ونشرها في الآفاق، فلك أن تسأل عن عدد المساجد التي أقيمت في السنوات الماضية في العاصمة والولايات، في القرى الصغيرة والكبيرة، ولك أن تسأل عن عدد المراكز الصحية وعدد المستشفيات والمدارس التي اجتهد السلفيون في إقامتها، ولك أن تسأل أيضاً عن عدد الآبار التي تم حفرها، وعن الأيتام المكفولين وعن أئمة المساجد والمؤذنين والمحفظين والمدرسين الذين تمت كفالتهم ـ أيضاً ـ ليقوموا بدورهم في النصح والتوجيه والتربية على محاسن الدين والتصحيح في المجتمع، ولقد تحمّل السلفيون عبء الاتصال بالجمعيات والمنظمات الخيرية والأشخاص الخيِّرين في الداخل والخارج وعرضوا لهم احتياجات مجتمعهم، ولثقة الخيّرين فيهم فقد أوكلوهم في القيام بهذه المهمة النبيلة في خدمة المجتمع، فاجتهدوا في إقامة هذه المشروعات، كما اجتهدوا في نشر المصحف الشريف والكتب النافعة وأسسوا مكتبات علمية في جهات عديدة، وحتى المواد الإغاثية كان لهم نصيب كبير في توفيرها للمتضررين في مناطق عديدة، متحملين هم الشفاعة الحسنة لدى أهل الخير والبر والإحسان، باذلين وقتهم وجهدهم في خدمة أهلهم وإخوانهم، ولم ينتظروا ممن قاموا بمساعدتهم جزاءً ولا شكوراً، كما لم يشترطوا في دعمهم لهم ووساطتهم في ذلك تحقيق ولاءات شخصية أو حزبية، والواقع خير برهان ودليل في ذلك، فلسائل أن يسأل عن هذه الثمار اليانعة وهذه الجهود العظيمة (فاستغلظ فاستوى على سوقه) ليسأل عنها في شمال وجنوب وشرق وغرب ووسط البلاد وعاصمته، لتحدثه الإنجازات والمشروعات الضخمة ودور العبادة والعلاج والتعليم قبل أن يحدثه الأشخاص.

ومن إنجازات السلفيين سعيهم للدعوة والإرشاد بالحسنى وبالتي هي أحسن، ولذلك فقد قبلهم المجتمع، فوجدوا القبول الكبير في مختلف الجهات ولدى كافة شرائح المجتمع وفتحت لهم المساجد والمنابر، فالجهود الدعوية للسلفيين قد انتشرت في المدن والقرى وفي الأسواق عبر حلقاتها المعروفة والمشهودة منذ عدة عقود والمساجد والجامعات وغيرها، وقد اجتهد السلفيون في الإنكار عبر منابرهم على أهل الغلو وجماعات التكفير، فقامت المناظرات التي يعرفها أهل الاختصاص في ذلك، وتم تبيين منهج الوسطية والاعتدال الذي هو دين الإسلام الذي أرسل الله به محمداً عليه الصلاة والسلام للناس كافة، ولذلك فقد اعتدى التكفيريون على السلفيين وسالت الدماء البريئة في مساجد للسلفيين بسبب هذه الجهود الموفقة والمحاصرة العلمية القائمة على الحجج والأدلة.

ومن إنجازات السلفيين سعيهم للإصلاح في المجتمع بقدر وسعهم، ودعوتهم لجمع الكلمة على الحق وبيان خطورة التحزب والتفرق ودعوات العنصرية والقبلية والجاهلية التي هي من أشد وسائل الفتك بالمجتمعات، ومن إنجازاتهم تفاعلهم مع قضايا المجتمع ودعوتهم للأخلاق الكريمة وتحذيرهم من التصرفات الخاطئة في الأسواق وفي المظهر العام وفي الوظائف والأعمال وغيرها.

إن السلفيين في السودان هم جزء من المجتمع السوداني ولهم دورهم وجهدهم المعروف كما أن لهم وجودهم، فقد سعدت وتسعد بهم البلاد في الحفاظ على ثوابت الدين وأصوله ومبادئه وعلى المحافظة على العفة والطهارة والاستقامة على أخلاق الإسلام، وإن جهودهم في حفظ الأمن والأمان والاستقرار لا تخفى على ذي عينين، والشاذ والنادر لا حكم له.

د. عارف الركابي
صحيفة الإنتباهة

Exit mobile version