فلترة !!

*هو شاب ممن يقال عنهم (تتمناه أي بنت)..

*وتمنى بنتاً…وتمنته…وتزوجا……ورُزقا بنتاً وولداً..

*ومضت حياته هادئة هانئة وادعة… رغم الضنك والرهق والغيرة..

*فقد كانت تغار عليه حتى من ظله الذي يتبعه نهاراً..

*وتغار عليه ليلاً من خيالات في رأسها تتبعه إلى داخل أحلامه..

*ثم جاء اليوم الذي وقف فيه الظل….وما زاد..

*وتوقفت الغيرة…والخيالات…والأحلام…والدموع في أحزان عيون الناس..

*وفي عينيها تحديداً……. بعد مرير بكاء..

*وكانت رائعة الدوش (بناديها) هي عنوان مناداتها لذاكرة خرجت… ولم تعد..

*ففي صباح ذلكم اليوم استيقظ زوجها بلا ذاكرة..

*لم يعد يتذكر أي شيء…ولا أي أحد… ولا أي مكان وزمان ومعان..

*حتى هي لم يتذكرها… رغم استدعائها (كلمات سر) قديمة..

*وحار إزاء حالته شيوخ الطب…والدين…والغيب..

*وبعد مضي عام تعايشت الزوجة مع حالة ذاكرة خرجت… وابتسامة رجعت..

*وشاطرها التعايش هذا الأهل… والصحاب… والنسابة..

*وقد كان فارق التبسم… وفارقه… مذ تفرق دم حظه بين قبائل الإحن..

*فنجاحه كان أكبر من أن تتحمله أنفس الفاشلين..

*وفوق هذا النجاح المكتسب حظوظ وراثية…. لا يد له – ولا للطبيعة – فيها..

*وبسببها درجت زوجته على أن تناديه ترنماً (يا قائد الأسطول)..

*ولكن قائد الأسطول تقوده زوجته الآن..

*وحيثما قادته لا تغادر البسمة شفتيه ؛ بعد أن عادت إليه…ولم تعد الذاكرة..

*فكلما تعرِّفه بشخص هو أصلاً (يعرفه)……يتبسم فقط..

*ومع التبسم هذا مفردة (أيواااااه)……ولكنها لا تعني أي شيء..

*لا تعني التذكر…ولا التفكر…ولا التبصر..

*وما يهمني في هذه القصة الحقيقية تماماً شيء واحد فقط… حسدت (بطلها) عليه..

*ولكنه حسد (بعد) المصيبة لا (قبلها)….. كحسد الآخرين..

*وهذا الشيء هو التبسم السعيد.. مع نعمة النسيان..

*فالذاكرة – في زماننا هذا – باتت مثل ذاكرات الهواتف الممتلئة…تحتاج مسحاً..

*ولكن مسح الذاكرة البشرية ليس بسهولة مسح ذاكرة الجوال..

*بل قد يحدث أمر عجيب….لم تتحسب له..

*فقد تُفاجأ بأن الذكريات السعيدة هي التي تنمحي….وتبقى التعيسة..

*ويبقى غير المرغوب فيه من الأسماء…كذلك..

*ويستعصي من ثم التبسم الصادق…ولو من باب (تبسمك في وجه أخيك صدقة)..

*وتظل محاولة (رسم) بسمة على وجه حزين مفضوحة دوماً..

*فما من حل إلا أن تصحو – ذات يوم – فتجد ذاكرتك (مفلترة) بالكامل..

*ويقودك شخص من أهل البيت إلى حيث تريد..

*أو إلى حيث (لا) تريد ؛ بما أنك أصبحت خارج الزمان…والمكان… والسودان..

*وحين تصادف وجهاً كرهت كثرة (طلته) – وكلامه – لا تبالي..

*ولا تفعل – حال تعريفك به – سوى أن تتبسم..

*ثم تصيح بفرح طفولي (أيوااااه) !!.

صلاح الدين عووضة
صحيفة الصيحة

Exit mobile version