عبد اللطيف البوني

تكنوقراط سِياسي


(1)
كُل المَطروح من أفكارٍ وسياساتٍ يشي بأنّ مجلس الوزراء القادم سَوف يكون أهم وأخطر مُؤسّسة في الفترة الانتقالية وهو المُناط به تنفيذ كل مطلوبات مَرحلة الانتقال, وأهم مَطلوبات هذه المرحلة هي تَحقيق السَّلام وإخراج البلاد من أزمتها الاقتصادية والمُحاسبة على جرائم الفَساد المَالي والسِّياسي كَافّة، ثُمّ وضع مَلامح الدَّستور الدَّائم للبِلاد وقانون الانتخابات ومِن ثَمّ إجراء الانتخابات وتَسليم الحُكم للحكومة المُنتخبة, فمَجلس بهذه المَهام الجِسَام لا بُدّ مِن التّدقيق في اختيار عُضويته، وجميلٌ جداً أن يكون هُناك اتّفاقٌ عامٌ على أن لا يقوم اختيار الوزراء على مُحاصصةٍ حزبيةٍ أو جهويةٍ، إنّما سَيقوم على الكَفاءة، أي أن يكون الوزير المُختار عالماً بشؤون وآفاق الوزارة التي سَوف يَشغلها، ثُمّ أُضيف لهذا شَرطٌ آخر وهو أن لا يكون مُتحزِّباً، أي مُنتمياً لحزب، بيد أنني بدأت الحظ أن هذا الشرط الأخير بدا البعض يعمل على تواريه، إذ ظهر من يدعو إلى أن لا يمنع الانتماء الحزبي شخصاً من تولّى الوزارة أو حتى رئاسة الوزارة (الجماعة طمعوا).. وفي تقديري أنّ هذا انزلاقٌ خَطيرٌ وهُبُوطٌ بالفكرة.
(2)
لا بُدّ من أن نَقِـر بأنّ هُناك كَفاءات وطنيّة وفي المَجَالات كَافّة في كل الأحزاب الوطنية أي يُمكن أن يكون الإنسان كُفئاً ومُتحزِّباً في نفس الوقت، وبالمُقابل هُناك كَفاءات وطنيةٌ مُستقلةٌ عن الأحزاب ولكنها سِياسيّة وتَفهم في السِّياسَة أكثر من المُتحَزِّبين.. ثالثاً منصب الوزير منصبٌ سِياسيٌّ بالدرجة الأولى لأنّ الاختيار له لا يَقوم عَلى قَواعد مَوضوعيّة، إنّما على شُرُوطٍ تُحَدِّدها طَبيعة المرحلة السِّياسيَّة، فالوزير ليس مُوظّف خدمة عامة مدنية كانت أم عسكرية، عليه بالضرورة أن يكون وزراء الفترة الانتقالية تكنوقراط سِياسيين غير مُنتمين لِحِزبٍ مُعيّنٍ، إنّما للوطَـن كَافّة ومِن هُنَـا جاءت صِفَة كفاءة وطنية.
أمّا لماذا غير مُتحزِّبة وذلك ببساطة، لأنّ الفترة الانتقالية سَوف يُصاغ فيها قانون الانتخابات ومجلس الوزراء على وجه التّحديد هو الذي سَيقوم بتنفيذ النّواحي الإجرائيّة في العَمليّة الانتخابيّة، لذلك لا بُدّ من أن يقف على مَسافةٍ واحدةٍ من كل الأحزاب.
وهُنا نذكر أنّ الناس رفضوا انتخابات 2020 لأنّها كانت سوف تُجرى في ظِل حكومةٍ مُتحيِّزةٍ مُتحزِّبةٍ تجيد (الخض والرج).
(3)
قلنا أعلاه، إنّ الوزير التكنوقراط بالضرورة أن يكون سياسياً، فكيف نعرف ذلك وهو بَعيدٌ عن النّشاط الحِزبي؟ ببساطة نعرف ذلك من سيرته الذاتية، فلنخرج هُنا من التّجريد قليلاً ونَأخذ مثالاً عمليّاً من الشخصيات المطروحة الآن لرئاسة الوزارة الدكتور عبد الله حمدوك، فسيرته الذاتية تقول إلى جانب تأهيله الأكاديمي العالي، إنّه عمل في مُنظّمات إقليميّة اقتصاديّة ومُنظّمات اقتصاديّة دوليّة وشَغِلَ فيها وظائف عُليا، وعَمِلَ في مَجَال الإدارة والحَوكمة، وهو عَلَى عِلمٍ تامٍ بأوضاع البلاد الاقتصاديّة من خِلال عَمَلِه في الإقليم الأفريقي، رجلٌ بهذه السِّيرة الباذخة هل يُمكن أن يقال إنّه غير سياسي؟ شخص من خلال سيرته الذاتية نَالَ شهادات عُليا في الزراعة أو البيطرة، وعمل في مجال الزراعة أو البَيطرة لعشرات السِّنين، وَهُوَ عَالِمٌ بمُجريات الزِّراعَة وأوضاع الحيوان في السُّودان وكل مُنقصاتها ومُدْرِكٌ لما عليه الأوضاع الزراعيّة والثروة الحيوانية في العالم، هل يُمكن أن نقول إنه ليس سياسياً؟ نعم هناك تكنوقراط مُنهمكون في تخصُّصهم فقط، وإذا خرجوا منه (الغنماية تأكل عشاهم).. وبالمُقابل هناك حزبيون، لا بل ناشطون سياسيون لا يعرفون (كُوع السِّياسة من بُوعها) ولا يجيدون إلا طق الحنك.. فعليكم بالسيرة الذاتية.

حاطب ليل – د.عبداللطيف البوني
صحيفة السوداني


تعليق واحد

  1. جماعة التجمعين ناس طق حنك ساي. ولمم من كل جهة وافكارهم مختلفة منهم الفكر الحربي ومنهم الثوري ومنهم افكار الخراب والبوار ومنهم لافي ساي مع الجوقة
    من الأفضل شوفوا ليكم جماعة تانية قبل فوات الأوان.