عبد اللطيف البوني

الشّيطان في الفَوَاصِل


كَانَ أبو الحجاج (رَامِي عينه) على أرملة في قريةٍ مُجاورةٍ، وبعد تردُّدٍ، حسم أمره وتوكّل على الحي الدائم وركب حماره عصراً ويَمّم شطر تلك القرية فَوَصَلَ إلى المنزل وقدّم طلبه فكانت المُوافقة، فأخرج بُقجة وقدّمها قائلاً (المال يا جماعة)، فكان (ما شاء الله يا حاج كمان جاهز؟) (الله.. دا كلامكم.. أها داير العقد هسي فخير البر عاجله)، (أبشر بالخير)، قبيل صلاة المغرب تمّت إجراءات العقد، (أها يا حاج أحسن تتراوح بالضوء وبعدين أدِّينا خبر بالجية)، فكان ردّه (أتراوح وين؟ عليّ الطلاق أنا تاني مِن هنا مَا مَارق دا حين جهِّزوا عروسكم, بس أدُّوا الحمار دا كلّيقة قصب)!! أصبح الجماعة أمام الأمر الواقع، فاتّصل الحاج بأولاده وأبلغهم، فعقدوا اجتماعاً عاجلاً مع أمهم المعروفة بشراستها، فكان الاتّفاق التّـام بأنّه لا يُوجَد هَامِشٌ للمُنَاوَرَة و(السّترة واجبة)، فاتّجه الدفار لسُوق القرية وبسُرعة تمّ تستيفه بكُلِّ لوازم الشّيلة بما في ذلك الخَروف وكيلة فتريتة للحمار، ومع صلاة العشاء كَان عَمّنا عريساً بحق، فعلّق قائلاً: (عليّ الطلاق اللقيتها الليلة في عرسي الأولاني الجاب الرجال ديل “مُشيراً لأولاده” ما لقيتو)..!! 

(1)
قصدنا بهذه الرمية، القول إنّ أبو الحجاج أدرك أنّ أيِّ فاصلة زمنية بين إبداء الرغبة والخطوبة، أو بين الخطوبة وخلاص المال، أو بين خلاص المال والعقد، أو حتى بين العقد ويوم الدُّخلة قد (تطرشق) الموضوع، لذلك اختصرها كلّها في ضربةٍ واحدةٍ خَوْفاً من شيطان الزّمن, فيا ليت لو كَانَ قادة ثورة “ديسمبر – أبريل” المجيدة حذوا حذوه ولعبوا ضَاغطاً وبدون فَواصل زَمنيّة، فقد سَمعت بأضاني الشقية دي البموت وبيأكلها الدود، أحد قادة الثورة، بل أيقونة من أيقوناتها وهو يتكلّم لقناة “الحدث” في يوم 11 أبريل يوم الإطاحة بالبشير وتَولِّي ابن عوف رئاسة المجلس العسكري، قائلاً إنّ الثّورة وَصَلَت مَحَطّتها المَرجوة، وعندما قالت له المذيعة إنّ ابن عوف كَانَ وزير دفاع البشير رَدّ عليها بالقول: لدينا تجربة سوار الدهب مَع نميري، فَقَد كان وزير دفاعه والقائد العام للجيش احتوته الثورة بقُوتها فَسَار في ركبها وأمضى الفترة الانتقالية وسلّم الحكم للحكومة المُنتخبة.. فأكاد أجزم أنه في ذلك اليوم لو رضي الناس بابن عوف وهو ومُؤسّسته في حالة عدم تَوازُن، لنُفِّذ للثُّوّار كل ما يطلبون.. ولكن يبدو أنّ بَالَ الناس كان في الفترة بعد الانتقالية، فكان ما كان من تَطَاوُل زمن، ومع كل يَومٍ يمر يَظهر حدثٌ جديدٌ لم يكن في الحُسبان، وهذه المُعطيات الجَديدة أثّرت على الطاقة الثورية وجعلت الناس وَحلانين في آثَار الأشهر الثلاثة الأخيرة وتقديمها على آثار ثلاثين سنة البشير..!

(3)
في مُنتصف مايو وصلت “قحت” والمجلس الانتقالي إلى 95% من الاتّفاق على شكل ودستور الفترة الانتقالية، وبدل إكمال الخمسة في المائة، كان رفع التّفاوُض والرفع المُضاد وكارثة فض الاعتصام، فأصبحنا أمام واقعٍ جديدٍ، في يوم الجمعة الخامس من يوليو الجاري كَانَ الاتّفاق على المجلس السِّيادي، وعِوَضَاً عن إضَافَة مُنجز يوليو إلى مَا تمّ في 15 مايو وتَشطيب الشّغلانة، كَانَ الرفع للإعلان السِّياسي.. أهَا في يوم الأربعاء 17 يوليو كَانَ إعلان الاتّفاق السِّياسي وبدلاً من ربطه مُباشرةً مع الإعلان الدستوري، رُفعت المُفاوضات ليوم الجمعة، وفي يوم الجمعة الأول من أمس رُفع التّفاوُض 72 ساعة، لا بَل حتى الاتّفاق السِّياسي والذي تَمّ الاحتفال به تَعَرّضَ لوابلٍ من النّقد ومن فصائل “قحت” ذات نفسيها!!
إذن يَا جَماعة الخَير، شيطان السُّودان ليس في التّفاصيل فقط، بل في الفَواصل الزَّمنية… وربنا يَكَضِّب الشينة..!

حاطب ليل || د.عبداللطيف البوني
صحيفة السوداني


‫2 تعليقات