رأي ومقالاتمدارات

عبد الحي يوسف: إن العين تدمع والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا {إنا لله وإنا إليه راجعون}


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على قضائه، وإن العين تدمع والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا {إنا لله وإنا إليه راجعون} وإنا لفراق الشيخ عبد الباسط لمحزونون، أما بعد
ففي عشية اليوم الأخير من رمضان نعى الناعي الشيخ القرآني، والفارس الرمضاني، والإمام القدوة الشيخ عبد الباسط علي، وسبحان الله الكريم الحليم الذي قبض عبده المبارك في آخر أيام الشهر المبارك، وهو الذي أحيا فيه سنناً وأمات بِدَعا؛ فكان له فضل ربط الناس بختم القرآن في صلاة التراويح، وأحيا سنة التهجد في العشر الأواخر، وليست تلك كل فضائله، بل مناقبه غزيرة وسيرته عطرة وسيبقى ذكره بإذن الله فواحاً بين الأجيال، ومن تلك المسيرة المباركة أقتطف في عجالة جملاً مبعثرة، منها:
أولاً: الشيخ رحمه الله تعالى أحسبه ممن قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم (خيركم من طال عمره وحسن عمله) فقد عاش رحمه الله عمراً مديداً نيَّف على الثمانين، وإلى آخر عمره كان في كامل لياقته البدنية والذهنية والنفسية، لا يشكو مما يشكو منه أقرانه ومن هم دونه، بل كان مثال المؤمن القوي العالم العامل
ثانياً: أحسبه ممن قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم (ورجل قلبه معلَّق بالمساجد) فقد عرفته من أهل الجمعة والجماعة، متردداً على بيت الله عز وجل، لا تكاد تخطئه صلاة، بل يقبل على الصلاة هاشاً باشاً
ثانياً: عرفته محباً للعلم حريصاً على صحبة أهله، فقد كانت له مع الشيخ يوسف إبراهيم النور رحمه الله تعالى صحبة وأخوة، وكذلك مع أستاذنا الشيخ الدكتور زين العابدين العبد وغيرهما من أهل الفضل، وله معهم نوادر وطرائف
ثالثاً: الشيخ رحمه الله تعالى عرفت فيه دماثة الأخلاق وطيب المعشر وحسن الأدب، مع كرم النفس وسخاء اليد، وقد زرته في بيته وزارني، ورافقته في الحج غير مرة، فما سمعت منه إلا خيراً، مع دعابة مرحة وروح وثابة وفوائد ينثرها في ثنايا حديثه
رابعاً: في ميزان الشيخ رحمه الله تعالى أولئك القُراء الأفذاذ من حملة القرآن الكريم ممن جعل الله لهم قبولا في الناس، فقد كان مبدأ شهرتهم على يد الشيخ في مسجد أبي بكر الصديق في بحري؛ حيث جمع الناس عليهم في التراويح والتهجد، وكانت له قدم صدق في اختيار هؤلاء الفضلاء وتقديمهم للناس؛ فجزاه الله خيرا
خامساً: الشيخ رحمه الله على كبر سنه وعظيم فضله لا تكاد تشعر بحاجز بينك وبينه، يداعبك ويمازحك ويتواضع لك ويخفض الجناح، وهو كثير الثناء على الناس يظن بهم خيرا، ويسوق لهم الخير، وهكذا من حَسُنَ عملُه حَسُنَ في الناس ظنُّه
سادساً: عرفت الشيخ منذ عشرين سنة أو تزيد؛ فما سمعته يوماً يأسى على الدنيا أو يشكو إدبارها عنه، وقد كان حيناً من الدهر في عداد أثريائها وموسريها، بل كان رحمه الله تعالى بصيراً بزمانه، مقبلاً على شانه، حافظاً للسانه، كثير الذكر لربه جل جلاله
سابعاً: الشيخ رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم، وقد عرف عنه أهله في بربر بسط اليد بالمعروف والمسارعة في خصال البر، ولا زلت أذكر أنه حال خروجه من المسجد بعد شروق الشمس يوماً وهو يقود سيارته، وقعت له حادثة حيث صدم رجلاً من أهل المسجد كبير السن، فقدَّر الله تعالى أن يُتوفى من أثر تلك الصدمة، وجاء ولد المتوفَّى – جزاه الله خيرا – إلى قسم الشرطة، وطلب من الضابط إطلاق سراح الشيخ فورا؛ وحين تعلل الضابط بإجراءات البلاغ، قال له ذلك الشاب: ما عندنا بلاغ!! وكان الشيخ يحدِّثني بذلك متأثرا، ويقول لي عن ذلك الرجل الذي توفي: كان يصلي معنا في المسجد من زمان بعيد، وما رأيته يوماً يكلم أحداً بل كان مقبلاً على الذكر والدعاء والقرآن، ويوماً ما سألته عن اسمه فأخبرني، ولم يسألني عن اسمي أنا ومن أكون؟!
هذا، وأثناء تجهيز الشيخ رحمه الله تعالى لحق به أخوه الأكبر (علي) فكأنهما تحابا في الله تعالى، وتآخيا أخوة صدق إيمانية بعد أخوة الرحم؛ فجمع الله بين روحيهما، وأسأله تعالى أن يجمعهما في جنات النعيم {إخواناً على سرر متقابلين. لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين}
وأخيراً :
إذا مات ذو علم وتقوى .. فقد ثلمت من الإسلام ثلمة
وموت الحاكم العدل المُولّى .. بحكم الشرع منقصة ونقمة
وموت فتى كثير الجود مّحْلّ .. فإن بقاءه خصب ونعمة
وموت العابد القوام ليلاً .. يناجي ربه في كل ظلمة
وموت الفارس الضرغام نقص .. فكم شهدت له بالنصر عزمة
فحسبك خمسة يُبكى عليهم .. وباقي الخلق تخفيف ورحمة
وباقي الخلق هم همج رعاع .. وفي إيجادهم لله حكمة
يا آل الشيخ عبد الباسط وأخيه علي: أحسن الله عزاءكم، وعظم أجركم، وجبر كسركم، والحمد لله على ما قضى وقدّر
اللهم ارحم الشيخ عبد الباسط وأخاه علياً، وارفع درجتهما في المهديين، واخلفهما في عقبهما في الغابرين، واغفر لنا ولهما يا رب العالمين، وأفسح لهما في قبورهما، ونوِّر لهما فيها، وجازهما بالحسنات إحسانا، وبالسيئات عفواً وغفرانا
ولدكما المحب/ عبد الحي يوسف


‫2 تعليقات

  1. إنا لله وإنا إليه راجعون نسأل الله له الرحمة والمغفرة وأن يوسع قبره ويحسن مثواه ويجعله في الفردوس العلي مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

  2. له الرحمة والمغفرة وتقبله الله قبولا حسن وجعل مثواه الجنة مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. والرحمة لشقيقه وان شاء الله في عليين