تحقيقات وتقارير

نغمة الرسالة أصبحت مصدر رعب للنساء ..الطلاق برسائل الموبايل .. ما بقدر أبوح ما بقدر أصرِّح!!

(1)
جلست (ع. م) حزينة في منزلها الذي يقع في تلك الضاحية الراقية من الخرطوم، كانت الدموع تسيل من عينيها تحكي بدون كلمات قصّة خلافها مع زوجها الذي غادر المنزل وهو في حالة هياج عظيم.. كانت (ع. م) يعلو صوتها يومياً مع زوجها الذي أدمن مُعاقرة الخمر ويأتي للمنزل فيثير المشاكل معها وفي آخر مرة وصل الأمر أن أوسعها ضرباً.. ولكن رغم ذلك تحمّلت تصرفات زوجها غير المسؤولة وهو يومياً بتلك الحالة ولا يراعي للأطفال والأثر النفسي الذي يقع عليهم دون ذنب.. تحمّلت (ع. م) كل ذلك لأنّها تزوّجت عن قصة حب كان يعلمها القاصي والداني .. فكتمت ذلك خشية خراب بيتها وتشرُّد أبنائها.

(2)
و(ع. م) في حالتها الحزينة تلك سمعت صوت نغمة الرسائل تصدر من هاتفها الجوال .. ورغم تكاسلها ولكنها فتحت الرسالة فوجدت فيها ما ضاعف حزنها وألمها.. حيث أرسل لها زوجها رسالة كتب فيها كلمتين فقط ليس أكثر والكلمتان هما (إنتِ طلقانة).. وقعت الرسالة عليها وقع الصاقعة، بعد ذلك تركت المنزل واتجهت صوب منزل الأسرة الكبيرة وأخبرتهم بالحادثة .. ولكن ثمة خلاف نشب بين أشقائها ، فمنهم من قال لها إن هذه الطريقة من الطلاق لا يقرها الشرع ولكن شقيقها الآخر أفتى بأن الطلاق واقع.. وما بين الفتوتين وقفت (ع. م) حائرة لا تعرف مصيرها!! وتناوشتها الأسئلة الصعبة.

(3)
طارق العوض الاختصاصي الاجتماعي الذي دائماً ما نجد عنده حلاً للكثير من القضايا التي تطرحها له (الحوش الوسيع)، قال (هذا النوع من الطلاق دخيلٌ على مُجتمعنا العربي, لكن سرعة إيقاع العصر دفع عدداً من الأزواج لاستخدام هذا ‏الأسلوب في الطلاق وهو يعكس حالة تردي العلاقة الزوجية في المجتمعات المعاصرة . ويفسر علماء‎ ‎النفس أسباب استخدام الرسائل القصيرة للطلاق أنه يعود لخشية الرجل من مواجهة الزوجة وجهاً لوجه , ‏فلا يجد أمامه وسيلة لإبلاغها سوى الموبايل لكي يأمن على نفسه ويخرج من المعركة بأقل الخسائر).‏ ‏

(4)
الطلاق بالرسائل حالة دخيلة على المجتمع السوداني بالذات ولا توجد شواهد للحكم المُطلق والإفادة بجوازية ذلك الطلاق شرعاً وقانوناً.. ولكن أصدر كبير مفتي إدارة الأوقاف والشؤون الإسلامية‎ ‎بالإمارات الشيخ أحمد الحداد فتوى بوقوع ‏الطلاق عبر الرسائل النصية القصيرة‎ “‎أس. أم. أس” للجوال‎. وقال الحداد إن “العلماء اختلفوا‎ ‎فيما بينهم حول كتابة الطلاق، فبينما يرى المالكية أن كتابة ‏الطلاق كالنطق به، يرى‎ ‎الشافعية أن كتابة الطلاق كناية ولو كانت بلفظ صريح‎”.

(5)
حدث انقسامٌ في الرأي حول وقوع حالات الطلاق عبر هذه الخدمة الإلكترونية “أس. أم. أس”، حيث يُؤكِّد ‏عددٌ من هؤلاء العلماء والمشايخ أنّ اتخاذ القرار للطلاق ما هو إلاّ بالنية، وما دامت النية متوافرة للطلاق فهو ‏واقع شرعاً، لكنه لا يقع قانوناً والسبب في ذلك انه قد يحدث غشٌ، أو أساليب خداع في استخدام ‏الوسائل التكنولوجية لهذا، وأيضاً يؤكدون بشأن الطلاق عبر هذه الخدمة من رسائل المحمول يساوي ‏الطلاق الفعلي وتصبح رسالة المحمول مثلها مثل باقي وسائل الإعلام، فإنّ واقعة الطلاق تثبت طالما ‏وجدت النية. فيما يرى الرأي الآخر من العلماء بضرورة تفوّه الزوج بلفظ الطلاق كي تسمعه الزوجة ما دام ‏قادراً على الكلام والنطق، أما الطلاق بالكتابة فيجب أن يكون بخطٍ واضحٍ بحيث تستطيع الزوجة أن تتيقّن ‏منه، وإن الطلاق من خط يد زوجها لكي تتأكّد بوقوعه عليها .‏

(6)
يعتبر رجال القانون والفقه هذا الطلاق واقعاً ولا يحتاج الطلاق لمواجهة الزوجة أو الشهود, لكنهم يرون ‏التثبت من قيام الزوج نفسه بإرسال (المسج).‏ لكنهم حددوا له شروطا معينة:‏

ويقول مختصون في القضايا الأسرية، إن قبول الطلاق عبر الرسائل القصيرة مرهون بأربعة شروط هي: أن ‏يكون الزوج هو المرسل ، وأن يكون لديه العزم والرغبة على تطليق زوجته ، وألا تعني صياغة الرسالة أكثر ‏من معنى غير الطلاق ، وأن تستقبلها الزوجة . ‏وأشاروا إلى أن العبارات التي يتضمنها وقوع الطلاق سواء قيلت أو كتبت فإنها تكون صحيحة وهذا ينطبق ‏على الطلاق الذي يتم عبر الإنترنت، ولكن الإشكالية هنا تكون في الوثوق من مصدر الرسالة وهل الزوج هو ‏الذي أدخل المعلومة أم شخص آخر.

تحقيق: سراج الدين مصطفى
صحيفة الصيحة