الشائعات والمتربصون
جاء دورنا كشعب فى حماية المكتسبات التى أعلنها الرئيس عبد الفتاح السيسى من زيادات فى الأجور تغطى فئات واسعة من الشعب، وأن نحبط المتربصين والجشعين وصناع الشائعات وتجار الأزمات.
لكن قبل أن نتعرف على سبل حماية قوت يومنا ومستوى معيشتنا، علينا معرفة كيف يصنعون الأزمات، ومن المستفيدون منها؟
كان العالم قد تعرض لأزمتين اقتصاديتين متتاليتين عقب تفشى جائحة كورونا واندلاع الحرب الأوكرانية، وكانت مصر مثل باقى دول العالم قد تأثرت بهما، إلا أن الاقتصاد المصرى كان قد حقق نموا مرضيا رغم الأزمتين، ومضت مصر فى استكمال مشروعاتها القومية العملاقة، إلا أن تنافس الدول الكبرى على اجتذاب رءوس الأموال، وسحب الأموال الساخنة عقب الأزمتين كان الأكثر تأثيرا، خصوصا مع حاجة مصر إلى استكمال مشروعاتها الكبرى الطموح، ولم يقف التحدى عند تلك الأزمة، فقد جرى استغلال النقص الناجم عن الإنفاق الاستثمارى الكبير، وما واكبه من نقص العملات الأجنبية، لتظهر مجموعة من الضغوط المصطنعة الجديدة، أهمها الإقبال غير العادى على شراء الدولار وباقى العملات الأجنبية، وسط انطلاق وابل من الشائعات عن قرب إعلان إفلاس مصر، وتعثرها عن سداد أقساط الديون، وتأثر قطاع أخذ يتسع بتلك الشائعات، وانخفضت تحويلات المصريين فى الخارج عبر القنوات الرسمية، مع ظهور السوق الموازية، ووجود سعرين للدولار، سعر رسمى فى البنوك، وآخر فى سوق موازية أخذت فى الانتعاش كلما اتسعت الشائعات وراجت، وتحولت الأزمة الصغيرة العابرة إلى أزمة حقيقية مع حالة القلق التى تسببت فيها الشائعات، وغذتها مجموعات من المضاربين الذين دأبوا على سحب النقد الأجنبي.. ويمكننا تقسيم المساهمين فى صناعة الأزمة إلى فئات: الأولى من المضاربين المحترفين الذين يريدون تحقيق أرباح كبيرة بسرعة، من خلال شراء منظم وواسع للعملات الأجنبية، بما يرفع من قيمتها على حساب العملة الوطنية، وهذه الفئات تستفيد من أى أزمة، وتزداد أرباحها كلما تفاقمت، وهؤلاء تجار الأزمات الذين يحققون أرباحهم من خلال إلحاق الضرر بالشعب والوطن.
الفئة الثانية تعمل بتوجيهات خارجية لتعميق الأزمة، والضغط على مصر فى ملفات سياسية واقتصادية، من أبرزها إجبار مصر على تقديم تنازلات أو تغيير سياسات، أبرزها الموقف المصرى من القضية الفلسطينية وحماية سكان غزة، وهى نفس الجهات التى لا تريد أن تتمتع مصر بالقوة الاقتصادية والتماسك السياسى والاجتماعي، وأن تصبح قطبا إقليميا ودوليا بارزا، يؤثر على مجريات الأحداث بفاعلية، وتحمى مصالحها وسيادتها وقرارها الوطني، وتشد أزر أشقائها العرب.
أما الفئة الثالثة التى شاركت دون أن تدرى فى تعميق الأزمة فكانت شرائح من المصريين العاديين الذين يحبون وطنهم، لكنهم انجروا وراء الشائعات، وعندما وجدوا أن الأزمة المصطنعة لها انعكاساتها فى الواقع، وأن السوق الموازية تنتعش، ويرتفع فيها سعر الدولار وباقى العملات الأجنبية بمعدلات سريعة وغير عادية، وخافوا على مدخراتهم الصغيرة، اشتركوا فى شراء الدولار والذهب بدلا من الجنيه المصرى كملجأ مأمون للقيمة، ليدخلوا فرادى وجماعات إلى جانب المضاربين، وهذا ما أدى إلى الارتفاعات السريعة وغير المسبوقة فى أسعار السلع، ليتوجه المستهلكون العاديون، ومن لم يستطع شراء الدولارات، إلى تخزين السلع التى يرتفع أسعارها، فنتج عن هذا السلوك اختفاء أو إخفاء الكثير من السلع، وتخزينها، لتصبح المضاربة على السلع أداة جديدة فى إشعال الغلاء، الذى بلغ حد تهديد الأمن القومي، وتهديد المجتمع فى لقمة عيشه.
الفئة الرابعة من صناع الأزمة هى صناع الشائعات، الذين برعوا فى فبركة الأخبار، واستغلوا حالة الاضطراب والقلق فى تمرير أخبار وصور وفيديوهات مزيفة تزيد من حدة الأزمة، أو على الأقل تجعلها مستمرة، وهؤلاء من المحترفين القادرين على تزييف الصورة والصوت، وبث شائعاتهم بكل الطرق التقليدية والمستحدثة، وعلى رأسها منصات التواصل الاجتماعي، وأنشأوا حسابات مزيفة، ومواقع إلكترونية تبث تلك الأخبار العالية التقنية، والمعروفة بالكذب العميق، الذى لا يمكن للقارئ أو المشاهد العادى أن يعرف أنه مزيف، ويحتاج إلى خبراء لكشف التزييف.
كان هناك سيل من تلك الأخبار المزيفة، وإظهار مسئولين كبار يقولون كلاما غير مقنع عبر برامج تقلد الأصوات، تعتمد على تقنيات عالية، وهدفها نسف الثقة بين الشعب والقيادة، وإظهار الحكومة بالعجز والتخبط وعدم الكفاءة، واتباع سياسات خاطئة، عبر إلصاق أقوال بهم غير معقولة، بعيدة عن المنطق، لتظهرهم وكأنهم فى عالم آخر، أو بعيدون عن الواقع.
هذا الوضع الذى عاشته مصر فى الأسابيع والشهور الأخيرة كان من أخطر التحديات، لأنه صنع الأزمة، ووسع من نطاقها وزاد عدد المشاركين فيها، ولو استمرت تلك الحالة لكان الاقتصاد المصرى قد تدهور بشكل خطير وحقيقي، لأن قطاعات واسعة من الشعب صدقت تلك الشائعات، ثم بدأت تتصرف على أنها حقيقة، ثم شاركت فى تعميق الأزمة بالتوجه الجماعى نحو شراء الدولار والعملات الأجنبية وتخزين السلع.
جاء القرار الأخير للرئيس عبد الفتاح السيسى برفع الأجور والمعاشات، وتعيين أعداد كبيرة من المعلمين والأطباء والممرضين، ضمن جملة من الإجراءات التى تعيد الانضباط والاستقرار الاقتصادي، وتوقف شبح الغلاء، وتضع حدا للمضاربات، وتعيد الثقة فى النظام المالى الرسمي، وتنهى السوق الموازية. فهناك حملات لضبط المضاربين على الأسعار، وجامعى العملات الأجنبية بهدف إحداث ندرة فى السوق، وفى الوقت نفسه توفيرها للمستوردين الذين يشترون متطلبات الإنتاج والسلع الضرورية، لكن هذه الإجراءات المهمة والضرورية تحتاج إلى مهام أخرى من الشعب، لتجعلها أكثر فاعلية واستقرارا، وتتسم بالديمومة، أهمها ألا ننساق وراء الشائعات، وأن نتوقف عن الشراء من أجل التخزين، لأن الإقبال المتزايد على التخزين سوف يؤدى حتما إلى ارتفاع الأسعار، كما أنه سلوك سيئ، لأن تخزين المواد الغذائية يحتاج أماكن مجهزة تحميها من التعفن والتسمم، ولهذا سنجد إصابات كثيرة بالتسمم وغيره من الأمراض الناجمة عن تخزين المواد الغذائية وفسادها وتعفنها بدرجات متفاوتة، أى أننا سنسهم فى إضرار بلدنا، أى أنفسنا، اقتصاديا، وكذلك نضر بصحتنا وصحة أبنائنا، سواء من المواد الغذائية المخزنة فى المنزل، أو المشتراة من تجار يخزنونها فى أماكن غير ملائمة، ولمدد أطول من فترة الصلاحية.
أما الخطوة الأخرى الضرورية أيضا فهى أن نعمل على إنتاج ما نحتاجه، وأن نركز على النشاط الإنتاجي، سواء للاستهلاك المحلى البديل عن الاستيراد، أو الإنتاج من أجل التصدير وتوفير عملات أجنبية، ولدينا مؤشرات إيجابية مهمة تؤكد انخفاضا كبيرا فى عجز الميزان التجاري، وتراجع الواردات ونمو الصادرات بنسب كبيرة ومبشرة، وهو الاتجاه الذى يجعل من الاقتصاد المصرى قوة حقيقية، ويرفع مستويات المعيشة، ويخفض الأسعار، ويحقق حلمنا بجمهورية جديدة يسود فيها الازدهار والثقة والأمل لكل أبناء مصر .. عاشت مصر قوية بشعبها وقيادتها ووعى أبنائها وقدرتهم على مواجهة التحديات وإسقاط المتربصين ومروجى الشائعات.
علاء ثابت – بوابة الأهرام