جعفر عباس

مهن ومحن (56)


[JUSTIFY]
مهن ومحن (56)

أعتقد أن أهم مهنة، منذ بدء الخليقة هي «ست البيت»، فبيت ليس فيه أو له «ست»، فاقد لركن أساسي ويستحق مسمى «بييت» الذي هو تصغير «بيت»، ومكمن الأهمية في هذه المهنة، هو أن من تشغلها بالضرورة أم أو مشروع أم، حتى لو لم تكن زوجة وهي تتولى تصريف مهام تلك المهنة، فست/ سيدة البيت قد تكون الأخت الكبرى أو الوسطى، أو الصغرى (إذا كانت الأخت الأكبر سبهللية أو منصرفة عن تلك المهام بمهام أخرى ذات أهمية)، فكل أنثى مشروع أم، وبالتالي نلحظ دفقات الحنان والمودة والتهذيب و«القلق على أفراد الأسرة»، في معظم البنات وهن دون السابعة، وقد تكون سيدة البيت هي الحماة أو الجدة أو الخالة أو العمة أو بنات إحداهن، ولكن المسمى ارتبط في الأذهان لأسباب مبررة ومفهومة بالزوجة/ الأم، فهي العماد والعمود الذي يسند البيت وساكنيه، ولك أن تتساءل: وماذا عن سيد البيت/ سي السيد؟ بصراحة راحت علينا، فحتى لو مازلنا نتمتع بحق الصراخ والأمر والنهي و«وكلامي لازم يمشي والكلمة كلمتي والشورة شورتي»، فإن هذه صرخة مذبوح، أو من هو في طريقه إلى الذبح، فكما نقول في السودان «الكتوف تلاحقت» ونعني بالعبارة أن طرفا ما كبر وصار في طول وقامة من هو أكبر منه سنّاً، وشيئا فشيئا صارت تعني أن الطرفين صارا – بلغة كرة القدم – متعادلين.
ولا يخدعنكم عويل النساء المتصاعد عن الظلم الذي يلحق بهن ومطالبتهن بالمساواة بالرجال، لأن ذلك مجرد استهبال، ومحاولة لتكويش المزيد من الامتيازات، ولكن بصراحة حلال عليهن، لما أنجزنه وما زلن ينجزنه، ولعل أهم إنجاز لنسائنا في العقدين الأخيرين هو أن معظمهن صرن متعلمات ثم صرن منتجات، فنلن درجة من الحكم الذاتي في المجالين المالي والاقتصادي، فبدخول النساء الحياة العملية بأعداد كبيرة وإثبات كفاءتهن وجدارتهن، صار لهن إسهام كبير في نفقات العائلة، بل تجد بيوتا كثيرة يكون العائل الرئيس فيها امرأة، فبينما نحن نواصل برم الشنبات وتمسيد اللحى والطبطبة على الكروش والسهر والصرمحة، احتكرت النساء المراكز الأولى في المنافسات الأكاديمية الحاسمة، فهن «أوائل» الشهادة الثانوية العامة، وهن طليعة المتخرجين من الجامعات بامتياز، وعندنا في السودان نسبة العاملات في الخدمة المدنية من النساء أعلى من نسبة الرجال، وهن الأكثر انضباطا والأقل تسيبا وفسادا.
وست البيت لا تستمد أهميتها من الطبخ والكنس والغسل، ولكن لكونها كما نقول في السودان «جمل الشيل»، الذي يحمل أعباء الآخرين ويسير في مقدمة القافلة، وحتى في زمن صار فيه الطبخ والكنس والغسل مهمة تتولاها خادمة في العديد من البيوت فإنه لا قيمة للخادمة في غياب سيدة للبيت، بل إن البيت الذي ليس فيه امرأة تكون له رائحة غير مريحة، نسميها في السودان «ريحة عزاب»، فبيوت العزاب مهما كانت مكنوسة ونظيفة، بها رائحة عَرَق رجالي لا تقدر أعتى أنواع البخور والعطور على إخفائه، فوجود المرأة في بيت ما يعطيه عبيرا خاصا مريحا للعين وعموم الحواس، ويعرف معنى ما أقول الرجال المتزوجون أو العزاب الذين يعيشون مع أمهاتهم أو أخواتهم، فمهما حاولت – مثلا – كرجل، ترتيب خزانة ملابسك فإنك س«تعُك»، وستدرك بصورة جلية أنك عكيت إذا قامت إحدى نساء البيت بإعادة ترتيب نفس تلك الملابس، ولك أن تلقي نظرة في بيتك على خزينة ملابس نسائية وأخرى رجالية لترى الفرق في طريقة الترتيب و«الذوق» وغدا بإذن الله أتناول الأدوار الحيوية لست البيت.
[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]