بعد صمت طويل.. د. لام أكول في حوار لا تنقصه الصراحة : أي تفكيك للنظام يضرُّ باتفاقية السلام ولن تقبل به «الحركة الشعبية»

[ALIGN=JUSTIFY]يُعد الدكتور لام أكول، أحد القيادات السودانية البارزة التي تجمع بين التأهيل الأكاديمي والعسكري والفكري.. لعب أدواراً بارزة في كل محطات العمل الوطني بالسودان في العقود الأخيرة، وكان أحد قيادات الانتفاضة ضد الرئيس الأسبق جعفر نميري، وانضم للحركة الشعبية عام 1983 كأحد مؤسسيها، ثم انشق عنها عام 1991مع زميله الدكتور رياك مشار، وبعدها انفصل الدكتور لام أكول عنه بفصيله «الفصيل المتحد» عام 1997 ليوقّع اتفاق فاشودة للسلام، ثم أصبح وزيراً للنقل، وفي عام 2002 عاد إلى الحركة الشعبية مجدداً بعد خلافات مع حكومة الإنقاذ.
وبعد اتفاق السلام عام 2005 أصبح الدكتور لام أكول أول وزير للخارجية من جنوب السودان يتولى هذا الموقع، وخلال عمله أنجز الكثير وكان وجهاً مشرفاً للسودان في المحافل الدولية وإشارة إلى أن السودان بدأ عهداً جديداً من السلام بين الشمال والجنوب، ولعب دوراً مميزاً خلال القمتين العربية والأفريقية اللتين استضافتهما الخرطوم، وأذهل الناس ولاسيما في العالم العربي بفصاحته وذكائه وكفاءته، وكان وجوده في هذا المنصب رسالة قوية وعاملاً مساعداً في التأكيد على ضرورة تلاحم العرب مع أشقائهم في جنوب السودان وفي السودان كله.
وخلال عمله بالخارجية في فترة من أصعب الفترات في تاريخ السودان بذل جهداً خارقاً في محاولة تجنيب السودان الكثير من القرارات والعقوبات، وأسهم في صياغة حلول وسط تجنّب السودان المواجهة مع المجتمع الدولي، وجاب من أجل ذلك العواصم والقارات، ولكنه تلقى أثناء ذلك الكثير من الطعنات والاتهامات والانتقادات من قبل عديدين رأوا أنه ينفِّذ سياسات المؤتمر الوطني، ولم يك يأبه كثيراً بذلك إما بسبب مشغولياته العديدة وقتها أو بسبب اعتداده الشديد وثقته الكبيرة بنفسه وإيماناً منه أنه ليس في موضع اتهام حتى يدافع عن نفسه، كان يقول إنه لا يصلح أن يكون في منصبه بهلواناً وأنه وزير خارجية يعبّر عن سياسة الحكومة، التي كان يعيد التأكيد المرة تلو الأخرى على أنها حكومة الوحدة الوطنية وليس حكومة المؤتمر الوطني أو الحركة الشعبية.
ويبدو أن مشكلة الدكتور لام أكول، أنه آمن بشيء لم يؤمن به الآخرون في جميع الأطراف بنفس الدرجة، ذهب يعبّر عنه خارجياً وهو غير مسنود الظهر، وقد كسب كثيراً من الأصدقاء خلال الفترة الماضية وخسر أيضاً كثيرين، لكن يبدو أن منطقه في حساب الربح والخسارة لا يتوقَّف عند هذه الحسابات الآنية.
وفي الحوار التالي مع (الصحافة) يؤكّد الدكتور لام أكول خطورة تداعيات طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية توقيف الرئيس البشير، وحذّر بشدة من محاولات بعض الدول -لم يسمها- لتفكيك النظام الحالي، ورأى أن من شأن ذلك الإضرار باتفاقية السلام ولن تقبل به «الحركة الشعبية».. وهنا نص الحوار:

? كيف تنظر لتداعيات الموقف في السودان على ضوء طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية توقيف الرئيس البشير؟
* لم تقرر المحكمة بعد ما إذا كانت ستقبل الطلب أم ترفضه، وفي حال قبول الطلب سيكون ذلك الأمر سابقة، حيث ستكون المرة الأولى التي يطلب فيها رئيس دولة للمحاكمة خلال فترة حكمه، وهذا الإجراء له تبعات فالرئيس يمثل سيادة الدولة حسب نص الدستور، وهو رأس الدولة ورئيس الحكومة، وبالتالي أي شيء يمس الرئيس فإنه يمس سيادة الوطن السوداني.
? وكيف ترى اتهامات أوكامبو للرئيس البشير؟
* لم نسمع من قبل بمحكمة تبني بيناتها على مصادر غير موجودة في مكان الحدث ولم تر الحدث. إن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية ينطبق عليه بحق اسم مسرحية الفنان المصري عادل إمام «شاهد ما شافش حاجة».
? هل أربك هذا القرار السودان واضعف موقف الرئيس البشير؟
* بالعكس التف الشعب السوداني حول البشير، وأصبحت له شعبية لم يجدها من قبل، فكل الشعب السوداني يقف خلف البشير ولا يعتبره رئيساً لحزب المؤتمر الوطني بل رئيساً للسودان ككل، ولا يقبل وطني غيور أن يُطَارد رئيسه من قبل قوى خارجية، لذا التف الشعب السوداني حول البشير.
? هل هناك تفكير في تغيير تركيبة الحكم لمواجهة التحديات الراهنة؟
* الحكم لا يتغير بتوجيهات من الخارج، هذا هو الهدف من قرار المحكمة الجنائية الدولية، ولا يمكن للشعب السوداني أن يعمل لتحقيق أهداف الآخرين، وهناك آليات داخل السودان لتغيير الرئيس بالانتخابات والوسائل الدستورية المعروفة.
? ألا توفر هذه الظروف أجواءً انقلابية لأطراف معادية؟
* الوضع الحالي عكس ذلك.
? ذكرت الانتخابات.. هل تقوم في موعدها المقرر أم يتم تأجيلها؟
* نصت اتفاقية السلام الشامل وكذلك الدستور السوداني على وجوب قيام الانتخابات فى نهاية العام الرابع من المرحلة الانتقالية عام 2009، وقد تم اجازة قانون الانتخابات ووقع عليه الرئيس يوم 14يوليو الماضي، والمشاورات جارية الآن لاختيار أعضاء مفوضية الانتخابات وبمجرّد وصول اسماء أعضائها لرئيس المجلس الوطني سيدعو لاجتماع طارئ لإجازتهم لبدء عملهم للترتيب لهذه الانتخابات.
? وهل الأجواء مواتية لعقد الانتخابات وهل الأطراف جميعاً مهيئة لخوضها؟
* الأجواء مناسبة للانتخابات بعد أن أخذ قانون الانتخابات حيزاً كبيراً من النقاش بين مختلف القوى السياسية.
? وما دلالات ترشيح النائب الأول ورئيس حكومة الجنوب سلفاكير ميارديت في هذا التوقيت؟
* سمعت به من الصحف فقط.
? البعض يتساءل ماذا لو تم انتخابه كرئيس عام 2009 ثم اختار الجنوبيون الانفصال في استفتاء حق تقرير المصير عام 2011؟
* لا ينبغي التحدث عن فرضيات، يجب أولاً التأكد مما إذا كان سلفاكير سيرشح نفسه أم لا، ثم ثانياً إذا رشح نفسه سيفوز أم لا ثم تأتي بعد ذلك هذه الفرضيات.
? البعض كذلك يخشى من عواقب قيام الانتخابات في السودان في أجواء يرونها غير مواتية، ويخشون تكرار الأحداث الدرامية التي أعقبت الانتخابات في كل من كينيا وزيمبابوى؟
* السودان لديه إرث ديمقراطي في إجراء الانتخابات منذ عام 1953.
? كيف تنظر للتحالفات المتوقعة في هذه الانتخابات؟
* النظام الانتخابي الحالي لا يشجع على تحالفات في التمثيل النيابي، فهو نظام مختلط بين انتخاب حر مباشر وانتخاب نسبي، والانتخاب النسبي يفرض على أي حزب ترشيح نفسه بمفرده، وبالتالي فإن أي تحالفات ستتحقق بعد الانتخابات وليس قبلها، إلا في حالة رئاسة البلاد أو رئاسة حكومة الجنوب أو الولاة لأنها تتم بالانتخاب المباشر.
? هناك من يرى ان قوى خارجية تسعى لإسقاط المؤتمر الوطني بأي وسيلة وأنها تحاول دعم تحالف الحركة الشعبية مع قوى أخرى داخل السودان من أجل هذا الغرض؟
* نعم،هناك دول تريد تغيير النظام الحالي في السودان، وهي لا تضع في الإعتبار التغيير الذي حدث به منذ 9 يناير عام 2005، فالنظام الحاكم الآن يشمل الحركة الشعبية وأحزاباً أخرى، وأرى أن أي تفكيك للنظام الحالي هو تفكيك وضرب لإتفاقية السلام التي أتت بالحركة الشعبية للسلطة، لن تقبل الحركة الشعبية تفكيك نفسها.
? وكيف تنظر لمستقبل الأوضاع في السودان على ضوء التطورات الأخيرة.. ألا من مخرج حقيقي لهذا الوضع المتأزم؟
* إذا ركز الناس على تنفيذ اتفاق السلام وحل قضية دارفور أكيد السودان سيكون له مستقبل مشرق يستطيع فيه استغلال موارده الطبيعية في تنمية البلد وسد النقص الذي ظهر في العالم في مجال الغذاء.
? هل أنت راض عن نتائج اجتماعات مؤتمر الحركة الشعبية الذي عقد مؤخراً؟
* لم يناقش مؤتمر الحركة قضايا كثيرة، القضية الأساسية التي ناقشها هي دستور الحركة، ثم بعد ذلك شغل المواقع حسب الدستور وانتخاب اجهزة الحركة، وقد استطاع المؤتمر العام للحركة الشعبية أن يحافظ على وحدتها، فى وقت كان فيه الآخرون يسعون لإقصاء بعض القيادات الفاعلة، وقد أكد المؤتمر على القيادة الموجودة الآن وهذا إنجاز كبير.
? ماذا حدث لك شخصياً في هذا المؤتمر؟
* لا أريد أن أتحدث على المستوى الشخصي، وما يهمني حقيقة هو أن الحركة موحدة وهذا ما سعيت له داخل المؤتمر مثل الآخرين.
? بماذا تفسر هذا الهجوم الكبير عليك داخل صفوف الحركة الشعبية؟
* هذا أمر طبيعي في العمل السياسي ودعينا نكون إيجابيين.
? هل انقسمت الحركة الشعبية الآن إلى مجموعات وتيارات؟
* أي حزب ديمقراطي توجد داخله تيارات، وليس في أمر الحركة الشعبية شيء مستغرب، ولكن الحكمة هي في كيفية إدارة هذه الخلافات داخل أي حزب بطريقة ديمقراطية، وهذا هو الذي يحافظ على وحدة الحزب.
? برز خلال مؤتمر الحركة الشعبية مؤخراً قوة مراكز الضغط القبلية؟
* هي التيارات التي تحدثنا عنها، مهما كانت أنواعها.
? لم تعين ضمن أعضاء المكتب السياسي للحركة وأصبحت فقط ضمن مكتبها القيادي.. هل جلب ذلك شيئاً من المرارة إلى نفسك؟
* المكتب السياسي تم تعيينه، ولو كان منتخباً لرددت على سؤالك، لكن التعيين بيد من قام بالتعيين.
? هناك حديث عن جهات بالجنوب لديها مليشيات غير تلك المتفق عليها في اتفاقية السلام؟
* تم حل المليشيات الآن ولم تبق سوى قوات الحركة الشعبية والجيش السوداني والقوات المشتركة.
? لماذا تتواجد اسر معظم قيادات الحركة الشعبية خارج السودان.. ألا يعطي ذلك إشارات سلبية بأنهم يعيشون في أبراج عاجية وليس وسط مواطنيهم؟
* أسأليهم، أما أنا فلا أعيش في أبراج عاجية وأولادي هنا في السودان ويدرسون به منذ 3 سنوات.
? تعالت نبرة الهجوم عليك والانتقادات ضدك في الفترة الأخيرة حتى أن أحدهم كتب مؤخراً أنك لم تكن يوماً حركة شعبية وأنك يوم ذهبت إلى الجنوب خلال فترة التململ من حكم نميري كنت مبعوثاً من جهات ما في الخرطوم؟
* من يقولون ذلك إما جهلاء أو مغرضين، فأنا أحد المؤسسين للحركة الشعبية في أكتوبر عام 1983، وجنّدت لها الكثير ممن يتحدثون الآن، واشتغلت بالعمل السري في ظروف صعبة للغاية في ظل سطوة جهاز أمن الرئيس الأسبق جعفر نميري، ثم انضممت للجيش الشعبي لتحرير السودان، وكنت قائد منطقة شمال أعالي النيل وجنوب النيل الأزرق وخدمت الحركة الشعبية عسكرياً ودبلوماسياً، وقدت الحركة الشعبية في مفاوضاتها مع الأمم المتحدة حتى توصلنا معها لاتفاق «شريان الحياة» لإغاثة جنوب السودان، كما قدت مفاوضات الحركة مع الحزب الاتحادي ومع حكومة السيد الصادق المهدي ومع حكومة الإنقاذ، ولا أدري ماهي مؤهلات الانتماء للحركة الشعبية أكثر من ذلك.
? هل اضرت بك الفترة التي إنشغلت فيها بعملك كوزير خارجية؟
* هناك من يعتقد أنه هو الحركة الشعبية دون الآخرين، وبعد توقيع اتفاقية السلام كثر من يعتقدون أنهم الحركة الشعبية، لكن الذي أقوله بصراحة أن هناك من يريدون تصفية حساباتهم مع المؤتمر الوطني ولهم أجندة شخصية يريدون تحقيقها عن طريق الحركة ولذا انضموا للحركة الشعبية بعد 9 يناير 2005، ونحن نرفض ذلك لأن الحركة لم توقّع اتفاقية لمحاربة المؤتمر الوطني وإنما لتنفيذ اتفاقية السلام بصورة سليمة وشفافة.
? ولماذا لا ترد على الاتهامات الموجَّهة إليك؟
* جماهير الحركة تدرك جيداً من هم الذين ناضلوا ومن هم أصحاب التاريخ، ومن هم الذين يحاولون طمسه ولن يفلحوا. [/ALIGN]

Exit mobile version