“عصمت يستعد” سيدخل وزير الداخلية إلى اجتماع رفيع وفي أجندته المطالبة بآليات ثقيلة ودبابات لطرد المنقبين المسلحين في منطقة جبل عامر.. كيف تكون المواجهة القادمة

على نحو مفاجئ، ودون مقدمات ومسببات واضحة، استنجد الفريق أول عصمت عبد الرحمن وزير الداخلية، الأربعاء، بتدخل الجيش للسيطرة على منجم (جبل عامر) في ولاية شمال دارفور، وكشف عصمت عن وجود أكثر من (3) آلاف أجنبي من دول مجاورة، قال إنهم يعملون في المنجم الغني بالذهب، وهم مدججون بالسلاح ويمتطون سيارات الدفع الرباعي، إضافة لأجانب آخرين لم تتمكن الداخلية من حصرهم بسبب التداخل القبلي. وقبل أربع سنوات كان إنتاج الذهب اليومي بجبل عامر يقدر بأكثر من (10) كيلوات ذهب يوميًا. وكانت منطقة (جبل عامر) شهدت وقتها صدامات دامية بين منقبي الذهب الذين تباروا للسيطرة على آبار التعدين، وقتل فيها العشرات من بين الآلاف المتكدسين هناك، وامتدت النزاعات إلى البلدات المجاورة.
ودعا وزير الداخلية أثناء رده في البرلمان على سؤال من النائب الهادي آدم يعقوب بشأن الوجود الأجنبي في مناجم التعدين بشمال دارفور، لتدخل القوات المسلحة لبسط هيبة الدولة والسيطرة على منجم (جبل عامر)، باعتباره يقع تحت سيطرة عناصر أجنبية وبعض العناصر الأهلية المسلحة من قبائل متداخلة في المنطقة.
وكشف عصمت عن اجتماع يعقد هذا الأسبوع بين وزارة المعادن وحكومة الولاية المعنية، بجانب وزارة الداخلية وأجهزة الدولة للبحث عن حلول ووضع خطة للتدخل في المنطقة. ومن المفهوم أن الشرطة لا تستطيع منفردة مواجهة ما وصفه الوزير (بالكم الهائل من الأجانب)، وقال إنها أخفقت في الدخول والسيطرة على المنجم بسبب الآلة العسكرية الضخمة للمعدنين الأجانب وعناصر القبائل المتداخلة، لذلك سيدخل وزير الداخلية إلى الاجتماع وفي أجندته؛ حاجة وزارة الداخلية إلى آليات ثقيلة ودبابات لفض الجماعات المدججة بالسلاح الثقيل هناك.
يقع (جبل عامر) في الاتجاه الغربي من مدينة (الفاشر)، حاضرة ولاية شمال دارفور، ويبعد حوالى (210) كيلومترات، تقريبًا، من المدينة ويتبع إداريًا إلى محلية (السريف) التي تقع في الحدود بين ثلاث محليات هي (كباكبية وسرف عمرة والسريف)، ويمتد الجبل من الشمال إلى الجنوب حوالى عشرة كليومترات شمالًا، وما بين ثلاثة إلى خمسة كيلومترات من الشرق إلى الغرب، وهو أشبه ما يكون بجبل (عرفات). والأحداث التي شهدتها منطقة (جبل عامر) التي كانت تعد منطقة خلوية بحتة تفتقر لما حولها قبل اكتشاف الذهب، كانت نتيجة حتمية للتجمع السكاني الذي نتج من التنقيب عن الذهب.
ويعد التجمع الذي نشأ في جبل عمر أكبر تجمع سكاني بعد مدينة (الفاشر) في ولاية شمال دارفور، ويقدر بأكثر من (500) ألف نسمة، جميعهم يعملون في التنقيب عن الذهب، والمواطنين الذين يوجدون في الجبل جميعهم يقطنون في خيام في شكل تجمعات سكانية، وتشير بعض التقديرات المحلية إلى وجود أكثر من (20) ألف أجنبي في منطقة (جبل عامر)، بينهم أجانب جاءوا من الغرب الأفريقي ويعملون في التنقيب عن الذهب، الأمر الذي عده بعض المتابعين هجرة غير شرعية يحاسب عليها القانون.
وكانت سلطات ولاية شمال دارفور، في عهد الوالي السابق عثمان محمد يوسف كبر، أصدرت قبل نحو أربع سنوات، تقريبًا، قرارًا قضى بإيقاف التعدين عن الذهب بغرض إعادة ترتيبه وتنظيمه، ولكن القرار قوبل باستجهان من معظم المنقبين عن الذهب في الجبل وقتها، فيما نفى عثمان كبر، وقتها، ضلوع حكومته في إيقاف التنقيب عن الذهب في الجبل الذي بدأ فيه الإنتاج قبل تسعة أشهر من الصراع. وأكد عثمان كبر إن (جبل عامر) سيظل يتبع لمحلية السريف ونظارة الناظر (آدم حامد الجدي).
وفي سياق متصل بمسألة الذهب، أبان أحمد الكاروري وزير المعادن أن وزارته تسعى لتقنين وتنظيم التعدين التقليدي الذي ينتشر في (12) ولاية و(44) محلية و(65) سوقاً و(221) موقعاً و(43890) بئراً، وقال إن التقنين يهدف إلى التنسيق الكامل مع الولايات والمحليات وحصر المعدنين والإحاطة بهم، مبينا أن جملة إيرادات التعدين التقليدي بلغت (923.4) مليون جنيه، بنسبة (168 %)، وأكد الكاروري وجود (361) شركة تعمل حاليا في التعدين، حيث تم إلغاء تصديق (77) شركة خلال العام المنصرم لعدم التزامها بشروط الترخيص، وأضاف أن وزارته وضعت خطة وطنية للتخلص من الزئبق والحد من استخدامه لحماية صحة الإنسان والبيئة، وحدد عام 2020 كآخر موعد لمنع استخدام الزئبق في البلاد.
وقال الكاروري إن إنتاج البلاد من الذهب قفز خلال العام الماضي إلى (93.4) طن، بينما كان يخطط السودان لإنتاج مائة طن من المعدن النفيس في سنة 2016. وأوضح الكاروري أن إيرادات الذهب للعام المنصرم مثلت (37.7 %) من إجمالي عائد الصادرات السودانية، مؤكداً أن الإنتاح حسب البرنامج الخماسي حقق نسبة نمو بلغت (53 %)، بإنتاج (93.4) طن، بإيراد قدره مليار و(156) مليون دولار، وزيادة (13) طنا عن المخطط له في البرنامج الخماسي المقدر بـ(80.3) طن.
وأفاد الكاروري، في مؤتمر صحفي عقده بالخرطوم (الأربعاء)، أن المعادن الأخرى زادت نسبة إنتاجها بمعدلات كبيرة، حيث بلغت نسبتها الكلية (108 %)، وأشار إلى أن السودان أصبح يحتل المرتبة الثالثة أفريقياً في إنتاج الذهب، بعد جنوب أفريقيا وغانا، وبحلول العام 2018 تتوقع الحكومة وصوله إلى المرتبة الأولى، موضحا أن الهيئة العامة للأبحاث الجيولوجية نفذت (40) بعثة فنية للاستكشاف المعدني، وأنشأت (9) محطات رصد زلزالي جديدة وصيانة (7) قديمة، وأشار إلى إدخال الوزارة للرمز الوطني للتعدين، وهو مجموعة معايير فنية وفقاً للمقاييس التي تطبق في العمل الجيولوجي والنشاط التعديني.
وحصدت لعنة الذهب التي أصابت قاطني محلية السريف، عددا هائلا من الأرواح في منطقة جبل عامر، بعد الصراع الذي بدأ تقليديا بين قبيلتي (المحاميد وبني حسين)، وتطور إلى صراع مسلح استخدم فيه الطرفان الأسلحة الثقيلة، وراح ضحية الصراع مئات القتلى والجرحى من الطرفين، وقبل وقوع الأحداث الدموية التي شهدتها المنطقة قبل أربعة أعوام، كانت إدارة الجبل تتم عبر الإدارة المحلية من قبل المعتمد ورئيس الإدارة الأهلية ممثلة في الناظر (آدم حامد الجدي) ناظر قبيلة بني حسين والأشخاص الذين من حوله.
وعلى الرغم من أن الصراع الذي شهدته المنطقة خلّف عددا كبيرا من القتلى والجرحى، في الأحداث التي وصفها البعض بأنها الأكبر والأعنف في تاريخ ولاية شمال دارفور، إلا أن الأطراف المتصارعة توصلت إلى اتفاق فيما بينها للحفاظ على المصلحة المشتركة بينهما، والمتمثلة في التنقيب التقليدي عن الذهب، وقاموا بدورهم بتشكيل لجان إدارية وأمنية مهمتها حفظ الأمن، إلى جانب أنها تنظم وترتب أمر التنقيب، بجانب القوات المسلحة والشرطة التي توجد في الجبل وتعمل على حماية المواطنين.
ولكن بعد أن طالب وزير الداخلية الفريق أول عصمت عبد الرحمن بتدخل الجيش للسيطرة على جبل عامر، بجانب حديثه عن وجود أكثر من (3) آلاف أجنبي يعملون في المنجم الغني بالذهب، فضلًا عن حديث أحمد الكاروري وزير المعادن والذي قال فيه إن وزارته تسعى لتقنين وتنظيم التعدين التقليدي الذي ينتشر في البلاد، والذي فيه إشارة غير معلنة لمسألة التعدين التقليدي بجبل عامر.. ومن خلال حديث وزير الداخلية ووزير المعادن يبدو جلياً أن الحكومة تتجه إلى السيطرة بكل الطرق المتاحة على جبل عامر.. ولكن السؤال المهم هل ستنج الحكومة في وضع يدها على الجبل، في ظل سيطرة المجموعات القبلية الموجودة في الجبل بقيادة الزعيم القبلي موسى هلال.. ترى كيف تكون المواجهة القادمة؟

اليوم التالي

Exit mobile version