هل دعا الشهيد سيد قطب والأستاذ المودودي إلى التطرف؟

كنتُ قد عرضتُ عدة مقالات للعلامة الشيخ محمد الغزالي.. أحد رواد مدرسة الوسطية في الإسلام، وها أنذا أواصل نشر بعض الحوارات التي أجراها الأخ الطاهر حسن التوم مع د. عصام البشير الذي أعتبره أكبر مفكري الوسطية في العالم في الوقت الحاضر. وسأعرض كل جمعة بعضاً من القضايا الفكرية التي يثور الجدل حولها من وجهة نظر ورؤية د. عصام الذي يحتل الآن مركزاً مرموقاً في اتحاد علماء المسلمين برئاسة العالم النحرير د. يوسف القرضاوي. وأعرض اليوم حديثه حول (هل دعا الشهيد سيد قطب والأستاذ المودودي إلى التطرف؟ ).

ــ تأخرتم في تبيان أن كتب سيد قطب والمودودي وغيرهما من الأعلام كانت سنداً ومدداً لهذه المدارس، وبالتالي كثير من الشباب أخذوا بما في هذه الكتب وساروا في هذا الدرب، حتى تمّ الربط بين التطرف والإسلام والإرهاب؟

– لا ينبغي أن نعمم ونقول إن جميع كتب الأستاذين (أبو الأعلى) المودودي وسيد قطب (كلها تكفير)، فهما من أعمدة المنهج الوسطي في كثير من الجوانب، بل هي الأصل، نحن نتحدث عن جزئيات في قضايا معينة.

* وماذا عن كتابّي (معالم في الطريق) و(في ظلال القرآن)؟

(في ظلال القرآن) في بعض القضايا وليس كلها الخطأ فيها بيّن، وبعضه مشتبه، أما الحديث عن التأخر فهذا ليس بصحيح. الأستاذ حسن الهضيبي كتب من قديم (دعاة لا قضاة) وانتقد كثيراً مما أورده الأستاذ سيد قطب. وفي ندوات قديمة انعقدت في البحرين وشارك فيها الأستاذ جعفر شيخ إدريس وهو من الدعاة الكبار الذين تكلموا في وقت مبكر عن بعض المخالفات في اجتهاد الأستاذ سيد قطب وجمعت له في رسالة صغيرة لا أدري إن تمت طباعتها أم لا، وشيخ يوسف أيضاً تكلّم عن هذه القضايا مبكراً ولكنه جمعها أخيراً بشكل موسّع في السيرة الذاتية (ابن القرية والكتاب.. ملامح سيرة ومسيرة) وأتى بالنصوص التي قال إن الأستاذ سيد قطب غالى فيها في قضية الحكم بكفر المجتمعات، والغلو في مفهوم الحاكمية، والغلو في قضية نسخ آية السيف لآيات الجهاد (الإسماح).

فالتصدي لهذه الأفكار كان قديماً، وأتفق مع الأخ أن هذه الأفكار تمددت وانتشرت وتوسّعت وانعكس لها موقف عملي يغذيها، وأنه لابد أن يكون التصدي أوسع، ولكن المدرسة الوسطية ليست حيادية، هي تنتقد التصوف في شوائبه، وتنتقد الشيعة في غلوائهم، وتنتقد التطرّف العلماني في غلوائه، وتطرّف الغلو في غلوائه، فهي تتصدى لكل هذه المدارس جميعاً انطلاقاً من هذه الأصول الشرعية والثوابت المنهجية في الفكر الإسلامي.

أريد أن أنبه إلى أن الصحابة فيما يتعلق بالعقيدة لم يختلفوا في أصولها، إنما الخلاف في مسائل فرعية من فروع العقيدة، وهذه لا تؤثر على المنهج ويحتملها، نحو: هل رأى الرسول صلى الله عليه وسلم ربه في المعراج كما أثبت بعضهم وتنفيه السيدة عائشة؟ هذه من المسائل الفرعية، ولكن أصول المنهج في العقيدة، وأصول الأحكام القطعية، والمقاصد الكلية، والقيم الأخلاقية، والشعائر فهذه كلها مما وقع فيها اتفاق بين مكوّنات المذهب السني.

أما قضية التطرّف بالمصطلح السياسي الشائع والإرهاب، فهذه ظاهرة عالمية لا ترتبط بجنس ولون ولغة، ولكن وظّفت توظيفاً سياسياً معادياً للدين الإسلامي.. فالذي قتل أنديرا غاندي ألم يكن متطرفاً عندهم؟ ولكن التطرف لم ينسبوه إلى الدين ونسبوه إلى الفاعل. والذي قتل رابين لم ينسبوا تطرفه إلى اليهودية وإنما نسبوه إلى الفاعل.. والذي فجر مبنى أوكلاهوما كان متطرفاً مسيحياً ولكنه لم ينسب إلى المسيحية، وهكذا..

الإشكالية أنه إذا وقع تصرّف من فئة قليلة خالفها أكثر الأمة من المسلمين فإنهم يحولونها إلى الدين في نصوصه وأصوله، كأن الدين في نصوصه وأصوله ينشئ الإرهاب وينشئ التطرف، وهذا من الظلم والحيف العالمي لتشويه هذه العقيدة ولتشويش هذا الدين ولهذا الموقف من المصطلح الكبير لقضية الإرهاب يختلط فيه حق بباطل، ولابد أن نجلّي، نحن نرفض العدوان على الآمنين سواء أكانوا من غير المسلمين الذين دخلوا بلاد المسلمين بعقد أمان.. كالشركات التي تأتي لأعمال إنشائية أو تنموية فهؤلاء مستأمنون في دمائهم وأموالهم وأعراضهم وهذا كله مقرر في فقهنا الإسلامي، ولذا ينبغي أن نفرق بين الإرهاب في المصطلح السياسي والأممي وبين رؤيتنا الشرعية في هذه المسألة.

* وماذا عن قاعدة “من لم يكفّر الكافر فهو كافر”؟

– هذه ليست قاعدة شرعية، ولم يجئ بها القرآن أو السنة الصحيحة، بل قال بها بعض أهل العلم، وهي ليست مسلّمة.. فالكافر فيه مسألتان، الكافر المجمع على كفره كأهل الكتاب والمعلن لردته صراحة فهذا لا يختلف فيه اثنان، لكن الإشكالية فيمن فيه شبهة تكفير فهذا بعضهم يكفّره ولا يكفره آخرون. أنت تكفّره فكيف تُلزمني بتكفيرك في حين أنني لست مقتنعاً بكفره؟ فالقضية ليس هناك تسليم بإطلاق حكم الكفر على هذا الشخص، أما المجمع على كفره فلا إشكال في ذلك.

* ما الذي يترتّب على قولك: “فلان كافر”؟

أولاً: قول النبي صلى الله عليه وسلم: “من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما” أو “حار الإثم عليه” أي عاد إليه، ثانياً: لأن الكافر في الشريعة تطلق منه امرأته، ولا يبقى أبناؤه تحت سلطانه حتى لا يؤثر عليهم بكفره. ثالثاً: لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين. خامساً: لا يرث ولا يورّث. سادساً: يستحق الطرد من رحمة الله. سابعاً: محكوم عليه بالخلود في النار. ثامناً: يحكم عليه فهو مرتد.

وهذه أحكام بالغة التأثير، لذا قال علماؤنا لو أن تسعة وتسعين باباً تخرج الإنسان من ملة الإسلام ويبقيه باب واحد فنحن مع الباب الذي يبقيه، لأن الإسلام يقين، واليقين لا ينتقل منه بشك أو بظن حتى ولو كان الظن غالباً، فلا ينتقل من اليقين إلا بيقين مثله أو أقوى منه. فالأصل بقاء الإنسان على دينه وسلامة معتقده، ولا ينتقل من ذلك إلا بيقين آخر، فأمر بالغ الخطورة أن تكفر مسلماً، والخطورة في ذلك عند الشباب أنه إذا كفّر استحل الدم، لذا هي مسألة في غاية الخطورة حتى لو كان الإنسان كافراً أصلاً.

الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة

Exit mobile version