من أذكى وأجمل العبارات المفتاحية التي يرددها السيد الرئيس البشير… “قديماً كان الناس على دين ملوكهم ولكنهم في هذا العصر على دين إعلامهم”. هذه العبارة تعكس اهتمام القيادة السياسية الشديد بدور الإعلام وهذا في مصلحة الإعلام والإعلاميين بالتأكيد، ولكن هذا الاهتمام لديه مشتملات وتبعات ونصائح لا بد من الإنصات إليها ولو من باب اللياقة والذوق ومبادلة الاهتمام بالاهتمام.
بالرغم من حديثي الكثير عن الدور الخطير لـ(الإعلام الخارجي)، ما يعنيني في هذه السلسلة هو (الإعلام الوطني) وبالتحديد علاقته بالاقتصاد والاستثمار ومشاريع التنمية.
ألف باء الاقتصاد في هذا العصر هو التعويل على القطاع الخاص… وألف باء هذا التوجه هو إسناد القطاع الخاص الوطني باستثمارات أجنبية وارتباط السودان بالأسواق والاقتصاديات الصديقة والدولية.
الخلاصات التي أود طرحها قد تحتاج إلى شروحات مبسطة… قبل أن نتحدث عن الاستثمار… والذي هو فرع عن الاقتصاد وثروة الدولة والمجتمع… دعونا نسأل… (أين نحن الآن؟!) قبل أن نسأل (ماذا نريد أن نكون؟!). للإجابة على هذا السؤال… لا بد من الإقرار بأن السودان دولة بدأ منهجها الاقتصادي يتشكل في التسعينات… نعم صحيح ورثنا مشاريع تنمية من الاستعمار وافتتحت لها امتدادات في عهد عبود ثم دخلت الدولة في دورات من التغيير السياسي وتخبطت بين الاشتراكية وتأميم الممتلكات في عهد النميري الذي انقلب على الشيوعية ولكنه لم يعتمد منهجاً جديداً، أما الديمقراطية الثالثة بقيادة الصادق المهدي فلم تشهد أي خطوات لتبني وترسيخ منهج اقتصادي بالرغم من أن الصادق مفكر موسوعي وخريج اقتصاد أوكسفورد.
نحن دولة فيها مشاريع زراعية بعلاقات تعاقدية مختلفة، وأنواع من ملكيات الأراضي وأنواع من الإدعاءات بالملكية، وبعض الثغرات التي تسهل إثارة القلاقل. الإنقاذ لم تبدأ من الصفر ولكنها النظام الوطني الأول الذي يعتمد سياسة وطنية موحدة ويصمد عليها وهي “مزيج سوداني” متماسك وملائم ومتطور يقوم على سياسة التحرير الاقتصادي مع صيرفة إسلامية وتأمين إسلامي ومناهج في التمويل ونظام زكوي جنباً إلى جنب مع الضرائب. لا أعتقد أن هذا “المزيج السوداني” قد بلغ صورته النهائية كما أنه يتعرض لضربات مستمرة آخرها (خروج النفط) وتوظيفه بغرض تدمير الاقتصاد السوداني وإشعال عدد من الحروب…. وخروج السودان من الأزمة بدون انهيار كامل وشامل يؤكد أن “المزيج السوداني” قد أحرز درجة عالية من التجانس والاستقرار.
الصورة الحقيقية هي أن السودان يتقدم خطى للأمام وينبغي تحفيز المراقبين للنظر للجوانب التي لا تتوفر في نماذج أخرى كثيرة بدلاً من تشتيت انتباههم بجوانب القصور المنتشرة في كل الاقتصاديات النامية والسودان ليس استثناء. هذا المطلب الوطني ضامر وضعيف في صحافتنا وإعلامنا بل أحياناً تتحول الرغبة في “نقد الذات” إلى حالة من “جلد الذات” وتوبيخها وتلطيخها بالوحل ويبدأ الإعلام (بصورة مباشرة أو غير مباشرة) في الحديث عن دولة فاسدة وفاشلة ومنهارة. لا بد من التأكيد على دور الصحافة في معالجة قضايا محددة وكشف الفساد والقصور في (موضعه) لكن ما أنتقده حالياً ليس هذا (التنشين) الدقيق الذي يبلغ الهدف بدقة وعبر جهد استقصائي مهني ولكن ما أقصده هو الكتابة التي تشبه مطاردة ذبابة بالعصا على مائدة من أطباق الصيني والفخار.
يجب علينا كصحافيين وكتاب سودانيين أن نتيقن أن الجبهة المعادية للسودان لديها أدوات دولية وإخراج مهني براق وجميل وجاذب للصحفيين ولكنها في حقيقة الأمر تحاول تلطيخ صورة السودان بالوحل والدم والصديد (سياسياً) وقد أنجزت شوطاً مما تريد بكل أسف عبر “الإعلام الخارجي”. ولكن الطريقة الخاطئة في “الإعلام الوطني” قد تقوم بذات الدور وتقضي قضاءً مبرماً على أي نقطة إيجابية في الاقتصاد السوداني… في وضعية تجعل من الإعلام الوطني (مفوضية لمكافحة الاستثمار)!.
[/JUSTIFY][/SIZE]
نهاركم سعيد – مكي المغربي
صحيفة السوداني
