بعد أن انقشعت (3-3)

[SIZE=5][JUSTIFY][CENTER][B] بعد أن انقشعت (3-3) [/B][/CENTER]

أختتم جملة الملاحظات الجديدة التي دونتها خلال فترة الاحتجاجات التي امتدت لثلاثة أيام، وفي هذه الحلقة أتعرض لأداء وخطاب المعارضين في المهاجر الذين استضافتهم القنوات الفضائية خلال فترة الاحتقان، لفت نظري توعد معارضي المهاجر لرموز نظام الحكم، وكل الموالين له، فقد قطعوا بعزم لا يعرف الخور، أنهم سيذيقون رموز النظام العلقم والحنظل ويجعلون أنظارهم أكثر إبصارا من عيني زرقاء اليمامة “لنجوم النهار” وقد دهشت لذلك الخطاب الموحد من أمريكا وإنجلترا وهولندا وألمانيا والقاهرة وكندا وأستراليا، دون أن يعرف أي منهم الآخر، ودون أن يكون هنالك تنسيق مسبق!!.
هذه الشريحة تحتاج لعناية خاصة ورأفة لأنها تعبر عن مأزق شخصي توالد من حالة عامة فهي معارِضة على الدوام، لأنها اكتسبت هويتها الشخصية من هذا الموقف، فلكي تمنحك أي دولة حق اللجوء السياسي، يجب أن تكون معارضاً، ويجب عليك الاستمرار في هذا الموقف حتى لو تبدلت قناعاتك السياسية، ولكي تنعم بهذا التسرمد غير القابل للتحول، لابد من أن تسبق هذه الخطوة أكذوبة كبرى، تشارك بعض الأحزاب والمنظمات المهتمة بحقوق الإنسان ومنع ختان الإناث، في توثيقها واعتمادها وتحويلها من أكذوبة إلى أقصى حالة صدق مسربلة باليقين.
هذا هو الأساس لجوهر تلك الحالة المؤبدة التي لا تسمح بالانقسام على جوهرها!!.
الإحصاءات غير الدقيقة التي تُظهر أعداد اللاجئين السياسيين في أمريكا الشمالية وأستراليا وأوربا تشير إلى أكثر من 50 ألف حالة، لكن الذين يستحقون هذا الحق لا يتجاوزون الألف حالة في تقديري، بما يعني أن بقية العدد اعتمدوا الكذب الصريح والإدعاءات غير المسنودة بالحقائق، ودخلت الأحزاب والمنظمات في هذه اللعبة، حتى بلغ سعر الخطاب المؤيد للحالة المدعاة مبالغ كبيرة.
لقد شاهدت عياناً حالات ادعاء كثيرة في كندا، فقد أدعى أحد المتقدمين للجوء السياسي بأن “الشلوخ المطارق الثلاثة” الظاهرة على خديه، نجمت من آثار التعذيب، ولما كان القاضي الكندي- غير الملم بحقيقة الشلوخ في السودان- لا يحكم إلا ببينات مؤكدة فقد منحه حق اللجوء إستناداً إلى البينات المؤكدة الدالة على بشاعة التعذيب وليس وشم الدناقلة!.
حين تتأسس حياة كاملة في المهجر على أكذوبة، تصبح كل الأفعال التالية لهذه الحياة أكذوبة أيضاً، وحين يجد الإنسان نفسه في مثل هذا المأزق يمور بحيوات مختلفة ويعبر عن كل الحالات بلسان التزييف.
المأزق الأكبر أن الدولة التي منحتك هذا الحق تمنحك بعد حين جنسيتها وجوازها وتصبح مواطنها دون وطنية، ورغم هذا السخاء الإنساني المقدر إلا أنك لا تنافس في سوق العمل بالقدر الذي ينافس به المواطنون الأصليون، بما يجعلك مرمياً في الهامش الضعيف، ويجبرك هذا الهامش أيضاً على الكذب والحيلة، فأنت تتقاضى إعانة من الحكومة باعتبارك عاطلاً، وتعمل في نفس الوقت في مهن تستطيع من خلالها التلاعب على الضرائب والنظام الاقتصادي كي يستمر عون الحكومة لك!!.
من الطبيعي جداً أن تتوعد الكافة بالانتقام إذا يسرت لك “قناة العربية” لقاءً كي تبشر “الشعب السوداني البطل” بالمستقبل الجديد غير البعيد عن تجاربك.
إنه المأزق الذي انحشرنا فيه جميعاً دون بشائر يحملها طائر نورس يؤكد أننا على مشارف اليابسة.
[/JUSTIFY][/SIZE]

أقاصى الدنيا – محمد محمد خير
صحيفة السوداني

Exit mobile version