“ود تكتوك” حلال (المشبوك) شيخ الحكمة والفراسة والأقوال الخالدة

[JUSTIFY]الشيخ “فرح ود تكتوك” إحدى الشخصيات السودانية التي اختلطت فيها الأسطورة بالواقع في التراث الشفهي الشعبي، وهذا أمر مرده إلى ضعف النقل للثقافة الوطنية عبر الأجيال للطبيعة الصوفية التي انطبعت بها الذهنية الشعبية، حيث تميل إلى حفظ قصص الكرامات والخوارق أكثر من تسجيل الأحداث والواقع.
الشيخ “فرح” رغم اختلاط سيرته بكثير من الأساطير والحكايات فهو يعدّ من الفقهاء الذين كانت لهم مساهمة واضحة ودور تاريخي في قمع البدع ومحاربة الانحرافات السلوكية والعقدية في عصره.
{ من هو.. وأين عاش؟
يقول المؤرخ “نعوم شقير” إن الشيخ “فرح ود تكتوك” اسمه بالكامل “فرح بن محمد بن عيسى بن عبدل بن عبد الله بن محمد بن الأبطح”، وينتمي إلى قبيلة البطاحين. عاش مع (العبدلاب)، واشتهر بالحكمة والفراسة والأقوال الخالدة مما يدل على نباهته وفطنته. واشتهر كذلك في تلك الفترة بـ(حلال المشبوك) نسبة لإجادته الحل السريع لأية إشكالية مهما عظمت. وعاش ودفن بقرية (ود تكتوك) ريفي الضيفان بسنار في زمن مملكة (الفونج). وقد اشتهر بين قومه بالحكمة، فكان الناس يتناقلون كلماته وينتظرون كل ما يأتي به من أقوال حتى ملأ صيته الآفاق ولهجت به الألسن في كل بقاع السودان بنوادره الطريفة. ومما لا شك فيه أن سبب خلود حكمه وأقواله هي نظرته الواقعية إلى الحياة وفهمه العميق لنفسية الناس الذين كانوا يحيطون به في تلك الفترة، فكان بمثابة فيلسوف القرية يعالج مشكلات الناس ويستمد براهينه من الظروف والملابسات الملموسة.
{ أقوال خالدة
“ود تكتوك” رجل صالح وزاهد وحكيم زمانه، وقد حدث كل ما تنبأ به مثل مقولته عن (السفر بالبيوت) ويقصد السيارات والقطارات والطائرات وغيرها، و(الكلام بالخيوط) ويقصد التلفونات والهاتف الجوال في حين أنه في ذلك الزمن لم يسمعوا بالقطارات أو السيارات أو الهواتف، مما يجعلنا في يقين تام أنه شيخ من شيوخ السودان الورعين الذين ساهموا في نهضة الفكر والثقافة السودانية الشعبية التي بعضها متداول بقوة حتى اليوم، ومنها ما لم يوثق له، ولكن أشهر حكمه وقصصه، حسب ما كتب المؤرخون، ما زالت متداولة.
{ الكذب والصدق
يحكى عنه أن أحد الرجال كان هارباً من بعض الجنود، فصادفه الشيخ “فرح ود تكتوك” فقال له: (خبيني عندك).. فقام الشيخ بدسه تحت كومة من نبات القصب، وعندما حضر الجنود سألوا الشيخ إن كان قد رأى الرجل الهارب، فقال لهم إنه تحت كومة القصب، فلم يصدقوه ظناً منهم أنه يريد أن يمنح الرجل فرصة للابتعاد وهم يبحثون في أكوام القصب، فلما ذهبوا خرج الرجل وهو غاضب وقال له: كيف تخبر الجنود بمكاني؟ فقال له قولته المشهورة التي تقال حتى اليوم: (لو ما نجاك الصدق الكذب ما بحلك).
{ كل يا كمي قبل فمي
وهذه القصة تروى عن الشيخ حين دعي إلى وليمة في دار أحد الأعيان الأثرياء، فلما وصل الدار منعه الحراس من الدخول لمظهره المتواضع ظناً منهم أنه متسول، فخرج إلى داره وأحسن لبسه وعاد ففتحت له الأبواب، وأحسنوا ضيافته، فلما حضر الطعام مد الشيخ طرف قميصه من اليد وصاح بأعلى صوته (كل يا كمي قبل فمي).
{ تعليم البعير
ومن النوادر التي حدثت للشيخ وكانت بها غرابة شديدة قصة تعليم البعير، ويروى أن أحد ملوك مملكة الفونج راهن بعض جلسائه في قدرة الفقهاء والأولياء على تعليم بعيره الكتابة والقراءة، وطلب منهم جمع الفقهاء وألزمهم بالتصدي لهذه المهمة ولم يجدوا غير الشيخ “فرح”، فقبل، وكان شرط الملك أن يتم تعليم البعير خلال أربعة أعوام فقط. وتوعده بالويل إن لم ينجز. وبعد أيام زاره بعض الناس وسألوه عن الحل من هذه الورطة، وفسر لهم: (تمضي السنوات الأربع، وينفذ القدر إما في الأمير، وإما في البعير، وإما في الفقير. فرد عليهم قائلاً بأن ملكاً سقيم العقل مثل هذا لن يدوم أكثر من هذه المدة، وفعلاً مات البعير والأمير، وبقي الفقير.
{ جهوده في محاربة الانحرافات
تميز الشيخ “فرح” بمدرسة فقهية واجتماعية مناهضة للانحرافات التي كانت واقعة في عصره بأشكالها كافة، وأول ذلك تأكيد هذه المدرسة على قيمة العمل والكسب ومناهضة التبطل الذي كان يمارسه من يسمون بـ(الفقراء)، فكان يحرص على أن يعمل ويعمل تلاميذه وأتباعه.
يا إيـد البدري قومـي بـدري
اتوضي بـدري صـلي بـدري
أزرعي بـدري حـشـي بـدري
أحصدي بدري شوفي كان تنقدري
وهاجم المنكرات السلوكية مثل شرب الخمور وغيرها من خلال وصفه لأنواع الرجال:
الرجال فيهم بحور وفيهم رخم فيهم صقور
وفيهم ردي ولد تكور ضيع عمره في شرب الخمور

يوسف بشير: صحيفة المجهر السياسي
ي.ع

[/JUSTIFY]
Exit mobile version