الباقي هين

[JUSTIFY]
الباقي هين

:: ومن لطائف عهد نميري، قرأ قاضي محكمة العدالة الناجزة بالشمالية ثلاث آيات قرانية ثم حكم على المتهم ب (سنة سجن)، فاحتج المتهم وكاد أن يرفع صوته على القاضي برفض الحكم، ولكن عاجله المحامي بالتحذير : (يازول أسكت، لو مولانا واصل لحد الآية الرابعة ح يكون إعدام)، فسكت المسكين مكرهاً..وهكذا تقريباً حال السواد الأعظم من الذين وجدوا أنفسهم – فجأة – صباح الأحد الفائت (بلا مناصب)، دستورية كانت تلك المناصب أو وزارية أو تشريعية أو حزبية..هم يعلمون بأن الحدث ليس (مجرد تجديد) ولا محض تشكيل وزاري، وقادمات الأيام حبلى بالمزيد من ( الإعفاء)، ومع ذلك لن يرفعوا أصواتهم على رئاسة الجمهورية بالرفض، ربما لعلمهم بأن الآية الرابعة (ح تلحقم الترابي وغازي)..!!

:: وعلى كل حال، ما حدث – تجديداً كان أو تغييراً أو إنقلاباً – شأن يُغنيهم، أي( على كيفهم، نحن مالنا؟)، أو كما تساءل عادل إمام في إحدى مسرحياته ( أحنا بنعرف أكتر من الحكومة؟)..فالمهم للناس والبلد – في كل هذا الزخم والفك والتركيب – هو صناعة (دولة مؤسسات)..وهذه الدولة هي المفقودة في حياة الناس..نعم، فالمتأمل لخارطة التشكيل الوزاري الجديد يكتشف بأن هذا التشكيل لم يستبدل وزراء بوزراء، ولكنه جاء بوزراء ليحلوا محل (مراكز قوى)، أونأمل ذلك.. وهكذا يجب وصف الحال السابق، لم تكن دولة مؤسسات، بل كانت (دولة مراكز قوى)..ولا خير فينا إن لم نفصح في التوضيح من أجل ( الناس والبلد)، وليس من أجل ( زيد أو عبيد)، ولكى لاتعيد الحكومة إنتاج ( الكوارث) ..!!

:: وعلى سبيل المثال، وتلميحاً لما مضى، سلطة وزارة السدود الحالية يجب ألا تتجاوز( تنفيذ السدود فقط لاغير)..يعني بالبلدي: وزير هذه الوزارة يجب ألا يصبح وزيراً للسدود بالمركز ثم (وزيراً للزراعة بالشمالية ونهر النيل) بحيث يحجز الأراضي التي حول السدود بغرض الإستثمار الأجنبي، وبهذا يصبح (وزيراً للإستثمار أيضاً)..وكذلك وزير السدود القادم يجب ألا يكون (والياً) بحيث يغرق في قضايا المواطنين (توطيناً وتعويضاً)، إذ هذا شأن ولائي ولكن( ما عندكم سيستم).. وكذلك وزير السدود يجب ألايكون وزيراً للطيران والصحة والتربية والتعليم العالي والشئون الهندسية بحيث ينشئ المطارات والمشافي والمعاهد العليا و الطرق والجسور وغيرها (بلا تخطيط أو دراسة جدوى)..مثل هذه الخدمات من مهام وزارات أخرى وكذلك الولاة، لكن دولتكم كما دكان حسب الله ( بلا رفوف) ..!!

:: ذاك محض مثال ليس إلا..ثم الطامة الكبرى، وهي الكيانات الهلامية الموازية لأجهزة الدولة ( النهضة الزراعية الموازية لوزارة الزراعة نموذجاُ)..هذه الكيانات الهلامية غير أنها من المعيقات، فهي أيضاً ( آفة إقتصادية) بما تُهدرها من أموال الناس بلا جدوى أوسلطة دستورية، أي فقط للترضيات القبلية والموازنات الجهوية..تخلصوا من هذه الكيانات الهلامية، ليحظى الشعب ب( دولة مؤسسات)، حتى و إن كانت هذه الدولة ذات (حكومة قابضة)، كما حكومة الصين..فالمهم مطلوب ( دولة مؤسسات).. وكثيرة هي المشاريع التي لم تر النور و التي تقزمت، ليست لأزمة التمويل، ولكن لأن القدر زج بها بين مطرقة أجهزة الدولة و سندان (مراكز القوى)..!!

:: وما مشروع مياه البحر الأحمر إلا ( نموذج ضحية)، وكذلك مشروع مطار الخرطوم الجديد، ثم طريق أمدرمان بارا، وكذلك طريق الإنقاذ الغربي، ومشروع الجزيرة أيضاً، ثم مشاريع زراعية بالشمالية ونهر النيل و النيل الأبيض، وأخرى صناعية وسكنية بالخرطوم..كل هذه المشاريع وغيرها، دفعت ثمن صراع أجهزة الدولة مع (مراكز القوى)، فدفع الشعب الثمن حرماناً وفقراً..ولذلك، بغض النظر عن بؤس النهج السياسي الإقصائي، تقزم الطموح بحيث صرنا نحلم بدولة مؤسسات تنساب عبرها مصالح الناس والبلد بلا تقطاعات (المصالح الذاتية) .. وإذا نجح هذا الشئ المسمى بالتشكيل الوزاري فقط في صناعة دولة مؤسسات، ( الباقي هين)..!!
[/JUSTIFY]

الطاهر ساتي
إليكم – صحيفة السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]

Exit mobile version