# أكاد أجزم بأنني أمضيت الاثني عشر عاماً الأخيرة من عمري دون أن أنام كما يجب وفق ما يحتاجه جسمي البشري المسكين من ساعات حددها أهل العلوم والطب والدراية والاختصاص.
فالسنة الأولى بعد زواجي- عانيت فيها وهن الحمل والحموضة التي حرمتني متعة النوم.. وبعد أن خرجت ابنتي الكبرى للحياة أصدرت سلطات الأمومة حكمها على بالسهر يومياً مراعاة لساعتها البيلوجية التي ما أن انضبطت حتى أطل شقيقها على الدنيا لأستمر على ذات المنوال من السهر والوهن والرهق عاماً بعد عام حتى يومنا هذا!
لهذا تجدني – وفق خطتي الخمسية الأخيرة – قد وضعت بند النوم أحد البنود الرئيسة للسنوات القادمة من عمري إن أمد الله في الآجال. وتجدوني أنصح كل الذين ينعمون بالحرية على أيامنا هذه من شباب وشابات لم يهموا بعد بدخول القفص المعروف تجاوزاً بالذهبي بضرورة إشباع أجسادهم وأذهانهم من لذة النوم، والانغماس فيه كلما سنحت الفرصة ووفق جميع الطقوس الخاصة به والمراحل التي يمر عليها حتى يبلغ حد النوم العميق.
# ولكن يبدو أن مخططاتي ستبوء كلياً بالفشل.. فتقدم سن أبنائي بما يهيئ لهم كامل العناية بأنفسهم لن يعيد وحده النوم لعيوني الساهرة وجسدي المنهك.. لأن أسباباً أقوى باتت تحول بيني وبينه!! أبرزها وأقساها التفكير الدائم الذي يقتات من دمي وأعصابي ويسلمني لصداع لا يكاد يبارح رأسي حتى أثناء نومي المتقطع.
صداع لم تفلح معه كافة العقاقير الطبية ولا الحيل النفسية، فتجده يكاد يحطم رأسي، ويتسبب فعلياً في اعتكار مزاجي وسهادي.
# (خليها على الله).. عبارة قصيرة ومريحة وتلقائية وصادقة.. ولكنها أصبحت صعبة التنفيذ.. فقد أرغمتنا الحياة على الهلع والجزع وضعف الإيمان.. أحاول أن أتشبث بقيمة الرضا والتوكل بأعماقي، فأضعف أما قلقي على مستقبل أبنائي المجهول، وخوفي من موت الفجأة الذي سيسلمهم للضياع ولهاثي وراء لقمة العيش الكافية لتؤمن لهم حياة كريمة بلا عوز!!
لا أنااااام.. فكيفية الحفاظ على النجاح النسبي الذي حققته بفضل الله ورضاكم يؤرقني.. والحرص على الابتكار والتجديد في اندياح الفكرة الملائمة يرغمني على السهر.. وقلق الكتابة الفطري وروحي التي تتململ بداخلي لهوسها بالإبداع يسيطران على أيامي ولياليّ!! وأنا أشعر بالنعاس.. وأتوق لنومة هانئة ولا أنام!!
# الأوضاع العامة من حولي لا تترك لي المجال.. التردي السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وحال هذا البلد المسكين يشعرني بالإشفاق والحزن.. والحزن إما أن يسلمك لنومة طويلة تهرب فيها من الواقع أو يسلمك للأرق.. وهذا حزن حميد لا يزال لديه الأمل في غد أفضل لا يريدك أن تنام حتى لا تفوتك بشائره.
فكيف أنا والحنق يسكنني؟.. كيف أنام وأنا عاجزة عن التغيير باليد والقلب واللسان؟.. حيلتي قليلة ويدي ضعيفة ولساني مراقب!!
كيف أنام.. والأعزاء من حولي يتبارون في خذلاني وجرح مشاعري والنيل مني سراً وجهراً!! وإحساسي المتعاظم بالظلم يحوطني من كل جانب.. والهموم المتنوعة تترادف على رأسي والغيظ ينهش خاطري.. فهل ينام المغتاظ؟!
# لا أنام.. لأني لا أزال رغم سنوات عمري الطوال – أبحث عن ذاتي.. عمّن يفهمني ويرأب الصدع بيني وبين نفسي وبين الحياة!! عمّن يسعى بالخير بيني وبين أحلامي الوردية.. عمّن يعيد الزهو لعواطفي بسقفها العالي وتطلعاتها الحالمة!!
فكيف تريدونني أن أنام وأنا أفتقر للأمان والسعادة والسلام الداخلي؟!
إندياح – صحيفة اليوم التالي
