ليتني كنت حضوراً حينما أعلن فوز خمسة من صحفيي (السوداني) بجوائز التميز الصحفي تلك المسابقة التنافسية التي درج على تنظيمها المجلس القومي للصحافة والمطبوعات.
أعرف تماماً مذاق هذا الفوز، وكنت قد تشرفت بنيل الجائزة عام ألفين، وأذكر كيف أفرحني الخبر إلى الصباح وأسهم مبلغ الجائزة في إكمال مراسيم زواجي من أم البنات.
القيمة المعنوية للجائزة تأتي من قاعدتها التنافسية الواسعة .
والأهم من ذلك أن الذين يشرفون على الاختيار خبراء متخصصون لهم من التجارب والمعارف والمصداقية ما يجعل شهادتهم في حق أي صحفي وسام شرف ونواط فخر لا يصدأ وﻻ يتبدد.
المفاجأة كانت للكثيرين أن تحصد (السوداني) خمس جوائز من سبع، وهي سابقة فريدة في تاريخ مسابقات الصحافة أن تحوز صحيفة على هذا العدد من الجوائز في منافسة واحدة، وهذا أكبر دليل على نزاهة التنافس وحيادية المعايير.
كثيراً ما تخضع مثل هذه المسابقات لثقافة الراهن المعطونة في محاليل المساومات والواحلة في طين المحاصصة اتقاء غضب البعض وطمعاً في استرضاء آخرين.
مثل أغلب الزملاء اختلط الفرح عندي بالحزن حين أعلن فوز الراحلة فاطمة خوجلي بجائزة التحقيق الصحفي على التحقيق المميز الذي حدثتكم عنه قبل أيام والذي عبره تم اكتشاف أخطر جريمة في حق مرضى الفشل الكلوي بإحدى مراكز الغسيل بالعاصمة. تسبب المركز نتيجة الاهمال والتهاون وضعف الرقابة وبؤس المحاسبة في نقل مرض التهاب الكبد الوبائي للعشرات من المواطنين البسطاء قليلي الحيلة ورقيقي الحال وخفيضي الصوت.
فاطمة ظلت تجهد نفسها في نهارات الخرطوم القائظة لأكثر من شهرين في جمع المعلومات ورصد التقارير ومقابلة المرضى إلى اكتمال أركان التحقيق.
فاطمة كانت تنتظر تلك اللحظة حينما يتوج مجهودها بهذا الانتصار الباهر الذي جاء ولم يجدها، وجدها قد غادرت هذه الفانية إلى دار العمار والبقاء.
وسعدت جداً لفوز الزميلين ياسر عبدالله رئيس قسم الأخبار وعبدالقادر باكاش.
ياسر صحفي هميم ومثابر من الذين أغلب جهدهم خلف الكواليس في مطبخ الأخبار وهو طباخ حاذق في الصياغة وكتابة التقارير. وباكاش ابن الشرق مراسلنا من بورتسودان ظل عطاؤه مستمراً ومغامراته متصلة في إنجاز المهام الصحفية وأغلب مصادر معلوماته من الدرجة الأولى وأخباره غير قابلة للنفي، وفي كل مرة أول ما تسمع صوته في الهاتف أو كفاحاً يأتيك سؤاله المعتاد والذي لا يمل ولا ينتظر له إجابة (الجديد شنو).
الجديد أن باكاش أصبح من نجوم صحافة الخرطوم خلد اسمه في سجل التميز عبر إنجاز تقريري بارع رصد خلاله بالصورة والقلم التجاء مواطني بورتسودان لثلاجات الموز هرباً من أشعة الشمس وضرباتها القاتلة.
وسعادة تضاف إلى رصيد (السوداني) المزدحم بالأحزان وهي تحتفي بفوز ياسر الكردي رئيس قسم التحقيقات الرجل الهادي الرزين صاحب التحقيقات الداوية.
ووجدان طلحة أخت النسيم وصديقة العصافير التي نالت إشادات خبراء طمسون البريطانية قبل أن تفوز بجائزة التميز السودانية.
ما تحقق يضاعف المسؤولية ويلقي مزيداً من الأعباء على أسرة (السوداني) لتحافظ على هذا المستوى وتضيف إليه تجويداً يليق بالقارئ الوفي الذي يقتطع من قوت يومه لشراء صحيفة لا يرضى منها سوى التميز والانتصار للحقائق في أزمنة رواج الأكاذيب وبيع السراب في أكوب الوهم.
من تركيا.
العين الثالثة – صحيفة السوداني [/SIZE][/JUSTIFY]
